من يقف وراء اغتيال زعماء العشائر في الجزيرة السورية؟

05 اغسطس 2020
يتسع الرفض الشعبي لسيطرة "قسد" بالمنطقة الشرقية (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الأيام الماضية ارتفاعاً في وتيرة الاغتيالات التي تستهدف زعماء العشائر في شرقي سورية، في ظاهرة يرى مراقبون أنها تعكس الصراعات والاستقطابات المحلية التي تحاول استمالة أو ردع العشائر عن الانخراط في هذا التوجه أو ذاك، في ظلّ الصراع على تقرير مستقبل المنطقة هناك، بين القوى الفاعلة أو المسيطرة أو التي تسعى للسيطرة.

وفي سياق هذه الاغتيالات، قُتل الأحد الماضي أحد أبرز شيوخ قبيلة العكيدات، وهو مطشر حمود الهفل، مع أحد أقاربه، جراء تعرض سيارة كان يستقلها في بلدة الحوايج بريف دير الزور الشرقي لإطلاق نار من جانب مجموعة مسلحة، فيما أصيب في الهجوم الشيخ إبراهيم خليل عبود الهفل، شيخ مشايخ قبيلة العكيدات، وذلك خلال توجه الشيخين لحلّ خلاف عشائري في بلدة غرانيج شرقي دير الزور، في منطقة تخضع لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).


قُتل الأحد الماضي أحد أبرز شيوخ قبيلة العكيدات، وهو مطشر حمود الهفل

وحسب مصادر محلية، فإنّ المستهدف في الهجوم كان الشيخ إبراهيم الهفل الذي اتهم في تصريحات له عقب الحادث كل من "قسد" وتنظيم "داعش" بمحاولة كتم جميع الأصوات الرافضة لمشاريعهما. وأوضح الهفل أنّ "الهجوم الذي تمّ بواسطة مسلحين ملثمين على دراجتين ناريتين وقع بالقرب من حاجز تابع لقسد على الطريق الواصل بين بلدتي ذيبان والشحيل بريف دير الزور الشرقي، وكان بحوزتهما أسلحة رشاشة قصيرة، ولا بدّ أنهما كانا ملاحظين من جانب عناصر حاجز قسد الذين لم يحركوا ساكناً"، وفق قوله. كما حمّل بيان لعشيرة العكيدات مسؤولية الحادث لـ"قسد" كونها تسيطر على المنطقة.

وترافقت عملية الاغتيال مع قيام مسلحين من "قسد" بدعم من قوات "التحالف الدولي"، بمداهمة منزل أحد أبناء العشائر وأشقائه في بلدة أبو حمام بريف دير الزور لاعتقالهم لأسباب مجهولة، لكن اشتباكات اندلعت بين الطرفين استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية، أدت لانسحاب عناصر "قسد" من دون اعتقال أي شخص.

وكان أقدم مجهولون على قتل الشيخ علي سلمان الويس، هو أحد وجهاء قبيلة البكارة صباح أول أيام عيد الأضحى في 31 يوليو/تموز الماضي، في بلدة الدحلة في ريف دير الزور الشرقي الواقع تحت سيطرة " قسد"، فيما قتل رئيس لجنة عشيرة "البكير" في مجلس قبيلة العكيدات العربية، والمتحدث باسم القبيلة سليمان الكسار في منزله الكائن في قرية الكسار التابعة لبلدة البصيرة بريف دير الزور الشرقي نهاية الشهر الماضي، وقد أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن العملية. غير أنّ مصادر محلية رأت أنّ تبني "داعش" لعملية الاغتيال، "لا يبعد المسؤولية عن بقية الأطراف، لأنّ داعش اعتاد تبني العمليات اعتباطياً"، مشيرةً إلى أنّ "القتيل كان على علاقة جيدة مع جميع الأطراف وليس له أعداء، كما أنه بقي محافظاً على مبادئه منذ بداية الثورة وحتى مقتله، على الرغم من تبدّل الأطراف المسيطرة على المنطقة، وهو ما يجعله هدفا للجميع".

وتعتبر عشيرة العكيدات من أكبر العشائر السورية، ويتركز وجودها على ضفاف نهر الفرات في سورية، ولها وجود في دول عربية عدة كالعراق ودول الخليج. ويقوم وجهاء عشيرة العكيدات عادة بعمليات وساطة بين "قسد" والأهالي، وخصوصاً إخراج العائلات من مخيم الهول شرق الحسكة مقابل مبالغ مالية.


مضر حماد الأسعد: "قسد" تنفذ مخططاً يستهدف رموز العشائر العربية الكبيرة

وعقب عمليات الاغتيال هذه، شهدت العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد" في ريف دير الزور الشرقي، توتراً أمنياً كبيراً، وخصوصاً بلدة جديد عكيدات، حيث نشبت خلافات بين عناصر من "قسد" وأهالي البلدة، على خلفية قيام عدد من عناصر "قوات سورية الديمقراطية" بإطلاق الرصاص على مجموعة من الشبان تجمعوا للاحتجاج على القصور الأمني الذي تعاني منه مناطقهم، ما تسبب بإصابة أحد المحتجين، الأمر الذي دفع الأهالي لاحتجاز العناصر.

من جهتها، ذكرت شبكة "فرات بوست" نقلاً عما وصفتها بـ"مصادر خاصة"، أنّ مهاجمة شيوخ قبيلة العكيدات جاءت بعد مقابلة الشيخ مطشر حمود الهفل قائد "قسد" مظلوم عبدي، ومطالبته بحمايته من تنظيم "داعش"، مرجحة أن يكون منفذو العملية تابعين للتنظيم.

غير أنّ مضر حماد الأسعد، عضو مجلس القبائل والعشائر السورية، اتهم في حديث مع "العربي الجديد" "قسد" بتنفيذ مخطط يستهدف رموز العشائر العربية الكبيرة. وقال: "عندما عجزت مليشيات قسد عن السيطرة على منطقة الجزيرة والفرات، بدأت بخطتها الجديدة المتمثلة في اغتيال الرموز العشائرية العربية الكبيرة، بعد أن حاولت إهانتها عبر الحواجز الكثيرة التي يتم نصبها بين القرى والمدن". وأضاف الأسعد أنّ "قسد ومن معها، عجزوا عن توفير الأمن وأبسط مقومات الحياة في المنطقة، من الماء والكهرباء والمواد الغذائية والتعليم والصحة، على الرغم من سرقتهم النفط والغاز والفلزات المعدنية والآثار، وعمدوا بدل ذلك إلى نشر الفتن والإرهاب والمخدرات والدسائس والاغتيالات والتفجيرات والدعارة وبيع الأعضاء البشرية وخطف الأطفال والقاصرات. والآن يستهدفون علناً كل من يرفض تجاوزاتهم وتصرفاتهم في منطقة الجزيرة والفرات؛ سواء بالاعتقال أو الاغتيال، ما دفع بالمئات من أبناء العشائر وزعمائها إلى الهجرة لخارج المنطقة".

ورأى أنّ هذا النهج لـ"قسد"، "كان قائماً قبل ذلك مع مختلف القوى الوطنية العربية والكردية الرافضة لمشاريعها، مثل مشعل التمو ومحمود آلي أبوجانتي وجوان قطنة وفيصل إبراهيم باشا وأعضاء المجلس العسكري الكردي، لتصل اليوم إلى الزعامات العربية، إذ تمّ اغتيال الشيخ بشير الهويدي وهو من شيوخ عشيرة العفادلة، والشيخ عبيد خلف الحسان من عشيرة البوعساف، والشيخ علي الويس من عشيرة البكارة، وصولاً إلى اغتيال الشيخ مطشر الهفل". وتوقّع الأسعد أن "تطاول الاغتيالات شخصيات أخرى ما لم يتم طرد قسد من المنطقة"، مشيراً إلى أنّ "شركاء قسد في عمليات الإرهاب والفتن، هم المليشيات الإيرانية والعراقية وحزب الله، الذين ارتكبوا مجازر مروعة بحق الشعب السوري في المنطقة الشرقية والشامية".

ويبدو أنّ هناك انقساما بين أبناء العشائر العربية في منطقة دير الزور الشرقي بشأن من يقف وراء هذه العمليات، فمنهم من يتهم فلول تنظيم "داعش" بالوقوف خلفها، ومنهم من يتهم "قسد" لإثارة الفتنة بين العشائر، خصوصاً بعد اتساع دائرة الرفض الشعبي لسيطرة "قسد" وداعميها الأميركيين في المنطقة الشرقية.


سعت مختلف القوى المتصارعة شرقي سورية إلى كسب ولاء العشائر

وقد شجبت الولايات المتحدة في بيان نشرته على حساب سفارتها بدمشق، الاعتداء على شيوخ عشيرة العكيدات في دير الزور. وقدم البيان تعازي واشنطن، معتبراً أنّ "العنف ضدّ المدنيين غير مقبول ويعيق الأمل في حلّ سياسي دائم للصراع في سورية".

وسعت مختلف القوى المتصارعة شرقي سورية إلى كسب ولاء العشائر هناك. حيث عملت "قسد" على ضم شخصيات عشائرية إلى صفوفها كي تحصل على دعم من المجتمعات العربية. كما أنها تعتمد على هذه الشخصيات لحلّ النزاعات وامتصاص امتعاض المجتمع المحلي، فيما يستعين النظام السوري بزعماء العشائر كوسطاء مع المجتمع المحلي، لكن نفوذه تراجع في الفترات الأخيرة، إذ لم يعد بوسعه أن يقدم الكثير لقادة العشائر حتى في المناطق الخاضعة لسيطرته، باستثناء رفع الأذى عنهم من بطش أجهزته الأمنية.