من يستطلع آراء الإيرانيين؟

02 ابريل 2014

روحاني نقد "الشعارات الخداعة"

+ الخط -

ماذا لو أٌجري استطلاع للرأي في إيران، لمعرفة آراء الإيرانيين تجاه القضية الفلسطينية؟ أو أجري استطلاع للرأي، لمعرفة حجم تأييدهم تدخل بلادهم في سوريا، والدعم المالي والعسكري لحزب الله؟
اجتماعيا: ماذا لو أُجري استطلاع لمعرفة توجهات الشباب في إيران تجاه الصبغة الإسلامية لبلدهم بحكم القانون؟ ماذا لو استفتيت النساء بشأن الحجاب الإجباري، مثلا؟
أسوق هذه الأسئلة، بعد أَن استوقفتني نتائج استطلاع للرأي، أُجري في إيران أخيراً، بشأن العلاقة مع أَميركا، حيث أَيد 80%- 90% من المشاركين في الاستطلاع تغيير شكل العلاقة مع واشنطن. وعارض 10- 20% منهم ذلك. ومن بين هذه الفئة، أيد 10% منهم إلغاء شعار" الموت لأميركا"، ما يجعل 90% يطالبون بحذف الشعار الذي ظلت الحناجر تردده في المسيرات الحاشدة، ويحتل الواجهات والجداريات في إيران، أكثر من ثلاثة عقود.
ولإيجاد بيئة حاضنة لهذا التحول، خرج هاشمي رفسنجاني ليصب ماءً بارداً على حماس المحتمين بإرث الخميني، في رفضهم التحول الذي تشهده بلادهم، فيقول: "كان الإمام الخميني مؤيداً إلغاء شعار الموت لأميركا"، الشعار الذي أَطلقه رجل الدين، علي أكبر محتشمي بور، ولعب خامنئي نفسه دوراً في إرسائه، إلى درجة إصدار مرسوم، يقضي بأن يصبح هتافاَ في المدارس. وفي فترة سابقة لهذا كله، جرى تداول مقطع على الهواتف النقالة، يتهم موسوي خوئيني ها "بطل" اقتحام السفارة الأميركية في طهران بأنه عميل لروسيا، وبأن ما قام به جاء تنفيذاً لعمالته، علماً أن ذلك الاقتحام وصفه الخميني بأنه ثورة ثانية.
لا تقف قراءة الأمور عند حدود إلغاء الشعار، أَو بقائه، ولا تقف كذلك عند حدود إعادة قراءة مواقف الخميني وتأويلها تجاه أمور مفصلية في تاريخ إيران والثورة. لكن الأهم هي الآراء المخفية، والمواقف المخفية التي لا تجد فرصة للظهور العلني تجاه قضايا كثيرة. 
اكتشفت في سنوات إقامتي في إيران وجوها عديدة للفرد الإيراني، وفي المحصلة للمجتمع الإيراني، فهناك وجه للشارع وآخر للعمل وثالث يليق بالمؤسسات الرسمية، وثمة وجه آخر لا تراه إلا خلف الأبواب المغلقة وفي الدوائر الخاصة والضيقة، تراه فقط عندما تدخل دائرة الثقة، فتدعى إلى حفلة عيد ميلاد، مثلا!
في إيران، تعرفت على مصطلح "زير زميني"، وترجمته الحرفية "تحت الأرض"، ويقصد به ما يصنع في الخفاء، بعيداً عن رقابة السلطة، فهناك سينما الخفاء التي تصنع خفيةً وسراً بعيداً عن عيون وزارة الثقافة والإرشاد، ولعل خير مثال على ذلك فيلم بهمن قبادي، "لا أحد يعرف عن القطط الإيرانية" وأفلام مانيا أكبري النسوية التي فازت بجوائز، وهناك موسيقى الخفاء، حيث فرق الراب والروك وغيرها تنتشر أغانيها في أوساط الشباب بشكل كبير. وهناك "تجارة الخفاء"، ومنها أفلام هوليوود التي لا تخضع لمقص الرقيب، بل لا تمر عليه أصلا.
وكما في الثقافة والمجتمع، هناك "سياسة الخفاء" لآراء ومواقف سياسية، لن تجدها إذا ما بحثت عنها في المسيرات الحاشدة في يوم القدس، أو يوم مواجهة الاستكبار العالمي، ولن تجدها في خطب الجمعة والبيانات الرسمية، إذ إنها في بيئات مغايرة، وتتفلت بين فينة وأخرى، لتخبرنا بصورة مختلفة، تخفيها الشعارات الكبيرة. نجد هذه الصور، مثلاً، في رسائل هاتفية قصيرة، توظف شعرًا فلكلوريا قديمًا لتتحدث عن "بقرة حسن التي يذهب حليبها إلى فلسطين"، وتروي القصة التي يرددها الأطفال، كأغنية، حكاية بقرة حسن التي لا حليب لها؛ لأن حليبها يذهب إلى الهند. وبعد حرب العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008-2009 وصلتني على هاتفي رسالة تتضمن نكتة سياسية، تقول: قررت وزارة الإرشاد تغيير هذا الشعر .. وبعد سخرية من مضامين اجتماعية عديدة، يعود الشعر الجديد ليتحدث عن "بقرة حسن التي تحلب، لكن حليبها يرسل إلى فلسطين".
ومما تفلت أيضا رسالة من السياسي الإصلاحي، مصطفى تاج زادة، والتي أرسلها من سجن أوين، منتقدا بشدة التدخل الإيراني في سوريا، وموقف رجال الدين وصمتهم على ذلك. ومن ذلك، أيضاً، رسالة أرسلها سجين سياسي آخر، ونشرها موقع إلكتروني، محتفظا باسم ذلك السجين، تضمنت قصيدة تمجد الثورة السورية.
بدأ التطور الذي يمكن رؤيته من دون عناء في إيران اليوم، أن بعض المخفي بدأ يجد مساحة وحضوراً في المنظومة السياسية الرسمية، ونجده، بشكل واضح، في المسار الجديد للسياسة الخارجية الإيرانية الذي ولد على يد روحاني، الوفي بشده لفكر رفسنجاني، والذي وجه نقدًا حادًّا لما وصفها بسياسة "التمركز على الشعارات الخداعة" والفاقدة الاستراتيجية. وكان يقصد مجمل أداء الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، تجاه الخارج، خصوصاً فيما يتعلق ب “الهولوكوست"، و"إزالة إسرائيل من الوجود". وهي سياسة رأى "الشيخ الدبلوماسي" أَنها أَدت إلى مجموعة نتائج، أهمها إعطاء وجه أمني للجمهورية الإسلامية، وتبديل إيران إلى المهدد الأول للأمن العالمي، إضافة إلى ضعف الخيارات الاستراتيجية أمام إيران.
بعد عودة الرئيس روحاني من اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ومكالمته التاريخية مع الرئيس الأميركي باراك أوباما تعرض لانتقادات شديدة، ورفع متظاهرون غاضبون الأحذية ضده على طول الطريق من مطار الخميني، لكن الرجل الذي لم يأت من خارج منظومة النظام رد: تعالوا نحتكم إلى الشارع، وتحدَّث عن استطلاع للرأي لمعرفة رأي مواطنيه بشأن العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وجاءت النتائج الأولية للاستطلاع لتكشف بعضاً مما ينمو في الخفاء.

D33FFFA6-99D5-41B4-8A40-51AF778ACB34
فاطمة الصمادي

باحثة مختصة بالشأن الإيراني في مركز الجزيرة للدراسات، حاصلة على الدكتوراه من إيران عن رسالتها حول المضامين النسوية في سينما المرأة الإيرانية. لديها كتب وأبحاث من أبرزها "التيارات السياسية في إيران".