11 نوفمبر 2024
من يحرق الشرق الأوسط؟
لم يعد هناك شك في أن ثمة من يسعى إلى حرق المنطقة ككل، والخليج خصوصاً، فقد كادت الأوضاع تتفجر بين الولايات المتحدة وإيران، قبل أسابيع، على خلفية الاعتداء على أربع سفن مقابلة سواحل الإمارات. وبدا واضحاً حرص الطرفين على تجنّب الاندفاع نحو مواجهة مسلحة، بل وتبادل إشارات إيجابية، بعضها ضمني، مثل وقف التصعيد ولغة التهديد، وبعضها صريح بالحديث عن فرص للحوار والتفاوض، وإنْ بشروط. واستبشاراً بإمكانية إنهاء التوتر وتجاوز الأزمة، بل وإحداث اختراق في عقدتها الرئيسية، وهي الملف النووي. دخلت على خط الأزمة دول حليفة للولايات المتحدة، سارعت إلى التحرك سريعاً، وعلى مستوى رفيع. وللمرة الأولى منذ إبرام الاتفاق النووي، استقبلت طهران وزير الخارجية الألماني ثم رئيس وزراء اليابان.
غير أن المشهد تحول فجأة إلى حالة تأزم درامية، فقد كان رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، في ضيافة المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي. وبينما يتباحثان في كيفية نزع فتيل التوتر والخروج من حالة انعدام الثقة ومتطلبات التفاهم مع واشنطن، تعرّضت ناقلتا نفط لعمل تخريبي في خليج عُمان. ووصلت المفارقة إلى ذروتها، بأن إحدى السفينتين يابانية.
الدلالة الأعمق في ذلك التصاعد الدرامي أن هناك تعمّداً واضحاً لتكرار عمليات تخريب أقرب إلى التحرّش والاستفزاز منها إلى أعمال تدمير حقيقية. ولا ينفي هذا قطعياً أنها محاولة، ربما، لتفجير المنطقة، وإشعال حرب لا تبقي ولا تذر. ولكن حال صحة هذا الافتراض، من المؤكد أن الطرف الفاعل لا يريد تحمل مسؤولية إعلان الحرب. وهو تنصّل مفهوم ومنطقي، لما سيترتب على تلك المسؤولية من أعباء ثقيلة على المستويين، الإقليمي والعالمي.
السؤال، من يقف وراء إشعال الحرب أو على الأقل تسخين المنطقة على نار هادئة حتى تنفجر تلقائياً؟ أياً كان الهدف المرحلي، إشعال حرب شاملة أو تأجيج التوتر وتأزيم الموقف وحسب، تبقى قائمة المستفيدين واحدة تقريباً، وكذلك الخاسرين. تتقدم دول الخليج تلك القائمة الأخيرة، ففي أي مواجهة عسكرية ستتكبد دول مجلس التعاون خسائر بالجملة، أقلها تكاليف العمليات العسكرية المباشرة وأعباؤها. لكن المقصود بدول الخليج ليس دول مجلس التعاون وحدها، بل إيران أيضاً. وعلى غير ما قد يظن كثيرون، لن تستفيد إيران من إشعال المنطقة، فلا حاجة لها بالحرب، وهي تملك أوراقاً للمناورة، ولديها أدوات للرد على الضغوط الأميركية، سواء بالتصعيد عبر الحوثيين وحركة حماس ومليشياتها الموالية في سورية، أو بالتهدئة، كما في لبنان والعراق.
صحيح أن طهران تبتز المنطقة والعالم بورقة إنهاء الاتفاق النووي، لكنها بالتأكيد تخشى البطش الأميركي في ظل الضعف الأوروبي. كما أن فرص الاستفادة سياسياً من استئناف نشاطاتها النووية، ضئيلة، خصوصاً أن قدراتها قيد التطوير.
في المقابل، وعلى الرغم من تذبذب ترامب بين التصعيد والتهدئة، إلا أن الصقور المحيطين به وأنصار إسرائيل من مستشاريه يدفعونه بقوة إلى إشعال حربٍ ضد إيران. كما أن الحسابات النفعية المتعلقة بتشغيل مجمع الصناعات العسكرية الأميركي وتوسيع فرص عمل وزيادة مداخيل الاقتصاد الأميركي، كلها كفيلة بجعل إدارة ترامب مستفيدةً من تأزيم الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط، ومستفيدة أكثر لو قامت حرب إقليمية تساهم واشنطن فيها بالتسليح والمعلومات الاستخبارية، وتأمين غطاء سياسي ودبلوماسي دولي.
أما المستفيد الأكبر من كل ما يجري في المنطقة من فوضى واضطراب، فهو إسرائيل التي تحتاج بشدة إلى إعادة ترتيب أوضاع المنطقة وموازين القوة فيها، وإقامة سياج حام لها تتنوع مكوناته بين التعاون الأمني والارتباط الاقتصادي والانفتاح عليها سياسياً ودبلوماسياً. وكلها جوانب يصعب تأمينها من دون هزة كبرى تضرب المنطقة، وتجعل كل أطرافها، من دون استثناء في حاجة إلى تل أبيب. فهي الطرف الوحيد الذي يظن أن بإمكانه البقاء، بل والازدهار فوق رماد شرق أوسط محترق.
الدلالة الأعمق في ذلك التصاعد الدرامي أن هناك تعمّداً واضحاً لتكرار عمليات تخريب أقرب إلى التحرّش والاستفزاز منها إلى أعمال تدمير حقيقية. ولا ينفي هذا قطعياً أنها محاولة، ربما، لتفجير المنطقة، وإشعال حرب لا تبقي ولا تذر. ولكن حال صحة هذا الافتراض، من المؤكد أن الطرف الفاعل لا يريد تحمل مسؤولية إعلان الحرب. وهو تنصّل مفهوم ومنطقي، لما سيترتب على تلك المسؤولية من أعباء ثقيلة على المستويين، الإقليمي والعالمي.
السؤال، من يقف وراء إشعال الحرب أو على الأقل تسخين المنطقة على نار هادئة حتى تنفجر تلقائياً؟ أياً كان الهدف المرحلي، إشعال حرب شاملة أو تأجيج التوتر وتأزيم الموقف وحسب، تبقى قائمة المستفيدين واحدة تقريباً، وكذلك الخاسرين. تتقدم دول الخليج تلك القائمة الأخيرة، ففي أي مواجهة عسكرية ستتكبد دول مجلس التعاون خسائر بالجملة، أقلها تكاليف العمليات العسكرية المباشرة وأعباؤها. لكن المقصود بدول الخليج ليس دول مجلس التعاون وحدها، بل إيران أيضاً. وعلى غير ما قد يظن كثيرون، لن تستفيد إيران من إشعال المنطقة، فلا حاجة لها بالحرب، وهي تملك أوراقاً للمناورة، ولديها أدوات للرد على الضغوط الأميركية، سواء بالتصعيد عبر الحوثيين وحركة حماس ومليشياتها الموالية في سورية، أو بالتهدئة، كما في لبنان والعراق.
صحيح أن طهران تبتز المنطقة والعالم بورقة إنهاء الاتفاق النووي، لكنها بالتأكيد تخشى البطش الأميركي في ظل الضعف الأوروبي. كما أن فرص الاستفادة سياسياً من استئناف نشاطاتها النووية، ضئيلة، خصوصاً أن قدراتها قيد التطوير.
في المقابل، وعلى الرغم من تذبذب ترامب بين التصعيد والتهدئة، إلا أن الصقور المحيطين به وأنصار إسرائيل من مستشاريه يدفعونه بقوة إلى إشعال حربٍ ضد إيران. كما أن الحسابات النفعية المتعلقة بتشغيل مجمع الصناعات العسكرية الأميركي وتوسيع فرص عمل وزيادة مداخيل الاقتصاد الأميركي، كلها كفيلة بجعل إدارة ترامب مستفيدةً من تأزيم الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط، ومستفيدة أكثر لو قامت حرب إقليمية تساهم واشنطن فيها بالتسليح والمعلومات الاستخبارية، وتأمين غطاء سياسي ودبلوماسي دولي.
أما المستفيد الأكبر من كل ما يجري في المنطقة من فوضى واضطراب، فهو إسرائيل التي تحتاج بشدة إلى إعادة ترتيب أوضاع المنطقة وموازين القوة فيها، وإقامة سياج حام لها تتنوع مكوناته بين التعاون الأمني والارتباط الاقتصادي والانفتاح عليها سياسياً ودبلوماسياً. وكلها جوانب يصعب تأمينها من دون هزة كبرى تضرب المنطقة، وتجعل كل أطرافها، من دون استثناء في حاجة إلى تل أبيب. فهي الطرف الوحيد الذي يظن أن بإمكانه البقاء، بل والازدهار فوق رماد شرق أوسط محترق.