من يحاسب الحكومة المصرية؟

10 يوليو 2019
تساءلات حول جدوى قرار تنظيم البطولة في مصر(Getty)
+ الخط -

منعت محكمة استئناف أميركية الرئيس الأميركي دونالد ترامب من تحويل جزء من الأموال المخصصة لوزارة الدفاع باتجاه تمويل بناء جدار على الحدود الجنوبية لبلاده مع المكسيك، قاطعةً بضرورة توجيه المبالغ التي أقرها الكونغرس إلى الأغراض التي تمت الموافقة عليها فقط، ومشيرةً إلى رفض الكونغرس أكثر من مرة توجيه مبالغ إضافية لبناء الجدار.

وفي حكمها الصادر الأسبوع الماضي، رفضت المحكمة ادعاءات إدارة ترامب بأن "الصالح العام يستلزم توفير الإنفاق المطلوب لبناء الجدار"، وأكدت أن أفضل ما يمكن عمله للصالح العام هو "احترام تكليف الدستور الأميركي للكونغرس بتحديد أوجه إنفاق المال العام".

واستشهدت المحكمة في حكمها برأي سابق لقاضي المحكمة العليا، بريت كافانو، الذي عينه ترامب قبل شهور، والذي جاء فيه أن "منح الكونغرس الحق في التحكم في توجيه الإنفاق الحكومي هو الضامن للفصل بين السلطات الذي نص عليه الدستور".

وتسبب إصرار ترامب على توفير أكثر من خمسة مليارات من الدولارات، لبناء جدار على الحدود مع المكسيك، يراه ضرورياً لإيقاف الهجرة غير الشرعية إلى بلاده، ورفض مجلس النواب، توفير التمويل المطلوب، في إغلاق الحكومة الأميركية مع نهاية العام الماضي لمدة 35 يوماً.

وبعد التوصل لاتفاق لاستئناف عملها، أعلن ترامب فرض حالة الطوارئ ليتمكن من تحويل المبلغ الذي يطلبه من مخصصات وزارة الدفاع إلى بناء الجدار، وهو ما رفضه الديمقراطيون، كما العديد من الجمعيات غير الهادفة للربح، والمهتمة بالبيئة، وهي الجهات التي أقامت الدعوى التي صدر بخصوصها حكم المحكمة الأخير.

وأقام مجلس النواب أيضاً دعوى لمنع حصول ترامب على أموال بناء الجدار من مخصصات وزارة الدفاع، لكنها قوبلت برفض قاضٍ فيدرالي في واشنطن العاصمة، وهو الحكم الذي ينوي المجلس الاستئناف عليه قريباً، خاصة بعد صدور الحكم الأخير.

ولم تقتصر محاسبة الكونغرس للرئيس الأميركي على مخصصات أموال وزارة الدفاع، التي يرغب ترامب في استخدامها لبناء الجدار، حيث امتدت لتشهد، خلال الأسبوع الماضي فقط، رفع مجلس النواب دعوى ضد وزارة الخزانة ومصلحة الضرائب الأميركية، ليتمكنوا من الحصول على الإقرارات الضريبية للرئيس الأميركي لست سنوات، بالإضافة إلى تعرضه لضغوط كبيرة بسبب ارتفاع تكلفة الاحتفال بعيد الاستقلال يوم الخميس الماضي، الذي طلب ترامب إضافة بعض الفعاليات له، في صورة غير معتادة في الولايات المتحدة.

كل تلك الأخبار يتم تداولها عبر القنوات الإخبارية الأميركية، بمختلف توجهاتها، وبمنتهى الشفافية!

لكن لو استخدمت جهاز التحكم عن بعد لتغيير المحطة باتجاه قنوات دولنا العربية، لن تستمع لمثل تلك الأصوات، في أي من تلك الدول، التي لا يوجد في أغلبها تمييز واضح بين أموال الحكومة وأموال الحاكم، والتي لا يجرؤ أحد فيها على توجيه سؤال لرئيس أو ملك عما ينوي صرفه، من أين جاء به، أو عن جدوى صرفه على النحو الذي يريده.

تنظم مصر حالياً بطولة كأس الأمم الأفريقية في كرة القدم، ومع الخروج الحزين للفريق المصري في مرحلة مبكرة، لم يتوقعها أشد المتشائمين، لا يملك المرء إلا أن يتجه بتفكيره نحو جدوى قرار تنظيم البطولة في مصر، بعيداً عن الأهداف المعنوية التي تحرك النظام المصري الحالي في أغلب قراراته.

خروج مصر المبكر من البطولة يعني خلو المدرجات بصورة أكبر، بعد أن استحوذ حضور مباريات الفريق المصري على أكثر من تسعين بالمائة من الحضور الجماهيري خلال الأدوار الأولى، وتراجع الحملات الإعلانية الضخمة التي كانت تصاحب مباريات الفريق، بعد أن فقد الجمهور المصري حماسه لمتابعة المباريات.
ولو أخذنا في الاعتبار ما تم تحمله من تكاليف من أجل تنظيم البطولة، من مصاريف تجهيز الملاعب، واستقدام فرق أجنبية لتقديم عروض حفل إجراء القرعة وحفل الافتتاح، مع الإنفاق الضخم على الترتيبات الأمنية، لضمان عدم حدوث ما يعكر صفو البطولة، حتى لو كان هتافا للاعب محبوب معتزل، تكون هناك حاجة ماسة لتقديم كشف حساب لما تم إنفاقه، وما تم الحصول عليه من إيرادات، حتى نضع أيدينا على الاستفادة المادية الحقيقية من تنظيم البطولة.

ولا يخرج تنظيم بطولة كرة القدم في مصر عن ركب المشاريع الضخمة التي تقوم بها الحكومة المصرية، في إطار من الكتمان والسرية لكل ما يخص حسابات المكسب والخسارة، وفي مشروعات يفوق حجم الإنفاق فيها أضعاف ما تم إنفاقه في تلك البطولة، وليست العاصمة الإدارية الجديدة منا ببعيدة.

ورغم مرور أكثر من أربع سنوات على إعلان الحكومة المصرية بدء خطوات إنشاء مدينة إدارية اقتصادية جديدة، على حدود العاصمة الحالية القاهرة، لم يتم الإعلان عن حسابات المشروع، أي مصادر تمويله وإيراداته المتوقعة، رغم تقدير البعض تكلفته بما يتجاوز أربعمائة مليار جنيه مصري، واكتفت الحكومة بالتأكيد مراراً على أن الدولة لن تتحمل جنيهاً واحداً من تكلفة المشروع!

وفي وقتٍ يؤكد فيه أعلى هرم السلطة في مصر الابتعاد عن دراسات الجدوى "غير المجدية"، ومع توالي الانسحابات من المشروع الضخم من مستثمرين أجانب تم التعويل على مشاركتهم في تحمل أعباء المشروع، تزداد التساؤلات "في الغرف المغلقة" عن كيفية توفير التمويل اللازم لاستكمال ما تبقى، وعن تكلفة ما تم من إنشاءات، خاصة مع الإعلان عن بناء أوسع جامع وأكبر كنيسة وأطول برج، بينما تتراجع مخصصات التعليم والصحة والبحث العلمي في موازنة الدولة عن النسب المقررة وفقاً للدستور المصري.

لم تكن تجربة آخر ما تم مصارحتنا بتكاليفه وعوائده، وهو مشروع قناة السويس الجديدة، سعيدة للحكومة المصرية، بعد أن ثبت إهدار ما يقرب من ثمانية مليارات من الدولارات في وقتٍ عصيب للاقتصاد المصري، من دون تحقيق إضافة تذكر في إيرادات القناة. لكن بالتأكيد هذا لا يعني أن يتم التعتيم على أية مشروعات قادمة، فليس هكذا تدار الأمم، لو كنتم تعلمون.

المساهمون