31 أكتوبر 2024
من يتذكّر الاتحاد المغاربي؟
حلت في السابع عشر من شهر فبراير/شباط الماضي الذكرى السابعة والعشرون لإعلان قيام الاتحاد المغاربي، وقد تغيرت أمور كثيرة وحدثت تحولات عميقة منذ ذلك اليوم، ومنها رحيل ثلاثة قادة مؤسسين، الملك الحسن الثاني، والرئيس الشاذلي بن جديد، ومعمر القذافي، الذي قضى قتيلاً في غضون الثورة الليبية، وأطيح بمعاوية ولد الطايع ذات انقلاب، وزين العابدين بن علي، الذي فرّ إلى العربية السعودية في الثورة التونسية التي خلعته.
ما بقي من الاتحاد المغاربي هو تلك الصورة الجماعية للقادة المؤسسين في إحدى شرفات قصر بلدية مدينة مراكش، وجسّدت مشهداً من التلاحم والتعاضد والصفاء، ليصبح مشروع إنشاء تجمع إقليمي في شمال أفريقيا مجرد نوستالجيا، أو مجرد ذكرى سنوية يتبادل فيها القادة رسائل روتينية مليئة بالمجاملات، من قبيل تأكيد القادة على تجديد الحرص والعزم الرّاسخ على العمل فيما بينهم، في سبيل الحفاظ على مكتسبات هذا الإنجاز التاريخي والسعي الجادّ من أجل تطوير مؤسّساته وهياكله، وإعادة النّظر بعمق في منظومته التشريعية، ومنهجية عمله ضمن استراتيجية مغاربية، منسجمة ومندمجة، من شأنها أن تجسّم هذا المشروع الحضاري الذي يمثّل الإطار الأنسب لتمتين علاقات التعاون بين الأقطار الخمسة، وبلوغ أعلى المستويات من الأمن والاستقرار في هذا الفضاء الجهوي. ويعي القادة تمام الوعي أن تحقيق وحدة المغرب العربي بات أكثر من ضرورة، في وقت يشهد فيه العالم تنامي تجمّعاتٍ إقليمية ودولية، وتتعرّض فيه المنطقة لتحدّيات ورهانات كبيرة على جميع المستويات والأصعدة، مما يدعو قادة الدول المغاربية بإلحاح إلى العمل على مغالبتها، في إطار تكتّل متماسك وموحّد.
وعلى الرغم من مرور كل هذه الأعوام، وانهيار جدار برلين واندثار أنظمة وتفكك الاتحاد السوفييتي سابقاً، واختفاء المعسكر الاشتراكي وظهور منظومات أيديولوجية جديدة، وقيم اقتصادية بديلة، بما في ذلك ظهور تجمعات اقتصادية في آسيا وفي الأميركتين، فإن مكونات الاتحاد المغاربي لم تساير الركب، ولم تتفاعل مع إيقاع التحولات الجذرية التي مسّت جزءاً كبيراً من دول العالم. وتبعاً لذلك، ظلت الاتفاقيات المبرمة حبراً على ورق، وانتعشت الخلافات بشكل غير مسبوق، وخصوصاً بين المغرب والجزائر، بسبب موقف الأخيرة من قضية الصحراء، ومساندة جبهة بوليساريو بشكل مستفز وممنهج، مما عرقل أية مبادرة أو محاولة للخروج من حالة الجمود، وأصاب بالشلل فكرة قيام الاتحاد أصلا.
وما لا يمكن فهمه واستيعابه أنه فيما التحديات التي أفرزتها العولمة الاقتصادية، وتلك التي يحبل بها الواقع، واحتدام التنافس بين التجمعات الإقليمية الكبرى، دفاعاً عن مصالح الشعوب التي تعيش في فضاءاتها، إلا أن المؤشرات الاقتصادية والتجارية تبين الحجم الهزيل للمبادلات بين دول الاتحاد المغاربي، لأسباب سياسيةٍ وغياب قرار صريحٍ وإرادةٍ واضحةٍ لمواجهة مجمل هذه التحديات والعقبات.
الفكرة التي حرّكت إنشاء الاتحاد المغاربي تجد جذورها، بالأساس، في حرية تنقل الأشخاص
والممتلكات والبضائع ورؤوس الأموال، وتبني سياسةٍ مشتركة في عدد من المجالات، في مقدمتها المجال الاقتصادي، من منطلق أن الطموحات الجيو-سياسية والجيو-استراتيجية تتعزّز على قاعدة تموقع اقتصادي قوي وجذاب، حسب المنطق الرأسمالي المعمول به حالياً، علما بأن الرهان الإقليمي أو الجهوي بات يشكل آليةً، لا مناص منها للمراقبة، والتحكم في التداعيات السياسية والاجتماعية والثقافية، الناجمة عن عملية تحرير الاقتصادات الوطنية.
ولأن المنطق السائد في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية لا يؤمن بالكيانات الهشة والضعيفة، فقد وعت أغلبية الدول، وخصوصاً تلك التي تصنّف في خانة الدول الصاعدة على المستوى الديمقراطي والاقتصادي، الأهمية التي ينطوي عليها الانتظام في تجمعاتٍ إقليميةٍ، ليكون لها وزن على الصعيد الدولي، ولتتوفر على هامشٍ مريحٍ في التفاوض. ومن هنا، تبدو حيوية أي تجمع إقليمي منسجم ومتماسك، بل يغدو مسألةً ضروريةً بالنسبة إلى الدول النامية، لكي ترافق بكيفية متدرجة مسلسل الانفتاح الاقتصادي، عبر الرفع من وتيرة الإنتاج والتنافسية، لترقى به إلى المستوى الإقليمي.
يشبه الاتحاد المغاربي، إلى حد بعيد، مؤسسة جامعة الدول العربية التي تعيش حالة من العطالة والانفصام والاغتراب، فعلى الرغم من ادعائها بأنها تمثل الشعوب العربية، وتدافع عن مصالحها، وتحرص على أمن دولها، فإنها ظلت سجينة أوهام وأحلامٍ، لم تتجاوز عتبة بياناتٍ محرّرة بلغة فضفاضة، يحظر فيها كل شيء، سوى المبادرات والمشاريع الملموسة الكفيلة بتغيير الواقع، وفرض وقائع جديدة على الأرض.
وفي الوقت الذي تشهد فيه التجمعات الإقليمية الآسيوية والأوروبية والأميركية توسعاً وتطوراً، وهو العامل الذي يؤمن لها أسواقاً ضخمة ومنسوباً اقتصادياً مهماً، ومكتسبات على المستويين الاقتصادي والجيو- سياسي، فإن الاتحاد المغاربي، كفضاء جغرافي وبشري وثقافي، يتوفر على كل مقومات التكامل والاندماج، يدرك خطورة التحدّيات التي تواجهها الدول المنضوية تحت لوائه، غير أن هناك حواجز نفسية وسياسية، حالت دون تمكّنه من تحقيق الأهداف الديمقراطية واقتصاد السوق والتعددية الثقافية والمواطنة، فهذه القضايا، على الرغم من أهميتها، لم يتم التعامل معها كأولويات، ولم تؤخذ في حسبان أنظمة الحكم، علماً بأن هناك علاقة جدلية بين البعدين، الاقتصادي والسياسي، فهما يتقاطعان ويتكاملان، بغية إنجاح أي مشروع للشراكة الإقليمية المتوازنة. لكن، ثمة مفارقة مؤلمة، تكمن في استفحال الأزمات السياسية والصراعات الثنائية، وتتعمق معهما الهوة، ويتكرّس التشرذم، وتتسع مساحة اليأس وخيبة الأمل لدى شعوب المنطقة، خصوصاً إذا أدركنا أن هناك مسافة بين دولٍ قطعت شوطاً مهماً على طريق الانتقال الديمقراطي وعدداً من الانتقالات الأخرى في قطاعات استراتيجية من خلال إصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية وصناعية وإنجازات حقوقية وثقافية وتشريعية، إضافة إلى عاملي الأمن والاستقرار، كما هو الحال بالنسبة للمغرب الذي أصبح قبلةً لتدفق الاستثمارات الأجنبية، وموضع ثقة لدى شركاء كثيرين، بفضل المنهجية التي اتبعها في احتواء غضب الشارع، والتفاعل التدريجي والإيجابي مع مطالب حركة 20 فبراير، وأيضاً بفضل الاستراتجية الأمنية التي تبناها لمواجهة مخاطر التنظيمات الإرهابية.
وهناك دول تتلمس الطريق بثقةٍ وثباتٍ، لتنفيذ عدد من الإصلاحات، وإحداث جملةٍ من القطائع مع ممارسات وخياراتٍ وسياساتٍ وصلت إلى الإفلاس، بسبب أنظمةٍ شموليةٍ، كما هو الشأن بالنسبة لتونس، التي يمكن أن تشكل واحةً للانتقال الديمقراطي السليم، إذا تمكن الفرقاء السياسيون من التغلب على نرجسيتهم ومصالحهم الضيقة. وهناك أنظمة ما زالت تتوجس من تقديم أية تنازلاتٍ على الصعيدين، السياسي والدستوري، كما هو حاصل حالياً في الجزائر. أما الوضع في ليبيا، وعلى الرغم من التقدم النسبي الذي تحقق في أعقاب الاتفاق السياسي الذي وقع، أخيراً، في منتجع الصخيرات جنوب الرباط، وانتهى إلى تشكيل حكومة ائتلافٍ لتدبير شؤون بلد تفككت مؤسساته، وانهار اقتصاده، واستعرت الحرب الأهلية بين مكونات الجماعة الوطنية، وجعلت منه التنظيمات الإرهابية ساحة للحرب، ومصدر تهديدات جدية على عدد من الدول، بما فيها الدول الأوروبية التي تقع على ضفة المتوسط. أما موريتانيا التي تعرف حالة من التحول الديمقراطي البطيء، فإنها تعاني من مشكلاتٍ اقتصادية واجتماعية، علاوة على خطر الحركات الإرهابية التي تنشط في عدد من دول جنوب الصحراء.
ما بقي من الاتحاد المغاربي هو تلك الصورة الجماعية للقادة المؤسسين في إحدى شرفات قصر بلدية مدينة مراكش، وجسّدت مشهداً من التلاحم والتعاضد والصفاء، ليصبح مشروع إنشاء تجمع إقليمي في شمال أفريقيا مجرد نوستالجيا، أو مجرد ذكرى سنوية يتبادل فيها القادة رسائل روتينية مليئة بالمجاملات، من قبيل تأكيد القادة على تجديد الحرص والعزم الرّاسخ على العمل فيما بينهم، في سبيل الحفاظ على مكتسبات هذا الإنجاز التاريخي والسعي الجادّ من أجل تطوير مؤسّساته وهياكله، وإعادة النّظر بعمق في منظومته التشريعية، ومنهجية عمله ضمن استراتيجية مغاربية، منسجمة ومندمجة، من شأنها أن تجسّم هذا المشروع الحضاري الذي يمثّل الإطار الأنسب لتمتين علاقات التعاون بين الأقطار الخمسة، وبلوغ أعلى المستويات من الأمن والاستقرار في هذا الفضاء الجهوي. ويعي القادة تمام الوعي أن تحقيق وحدة المغرب العربي بات أكثر من ضرورة، في وقت يشهد فيه العالم تنامي تجمّعاتٍ إقليمية ودولية، وتتعرّض فيه المنطقة لتحدّيات ورهانات كبيرة على جميع المستويات والأصعدة، مما يدعو قادة الدول المغاربية بإلحاح إلى العمل على مغالبتها، في إطار تكتّل متماسك وموحّد.
وعلى الرغم من مرور كل هذه الأعوام، وانهيار جدار برلين واندثار أنظمة وتفكك الاتحاد السوفييتي سابقاً، واختفاء المعسكر الاشتراكي وظهور منظومات أيديولوجية جديدة، وقيم اقتصادية بديلة، بما في ذلك ظهور تجمعات اقتصادية في آسيا وفي الأميركتين، فإن مكونات الاتحاد المغاربي لم تساير الركب، ولم تتفاعل مع إيقاع التحولات الجذرية التي مسّت جزءاً كبيراً من دول العالم. وتبعاً لذلك، ظلت الاتفاقيات المبرمة حبراً على ورق، وانتعشت الخلافات بشكل غير مسبوق، وخصوصاً بين المغرب والجزائر، بسبب موقف الأخيرة من قضية الصحراء، ومساندة جبهة بوليساريو بشكل مستفز وممنهج، مما عرقل أية مبادرة أو محاولة للخروج من حالة الجمود، وأصاب بالشلل فكرة قيام الاتحاد أصلا.
وما لا يمكن فهمه واستيعابه أنه فيما التحديات التي أفرزتها العولمة الاقتصادية، وتلك التي يحبل بها الواقع، واحتدام التنافس بين التجمعات الإقليمية الكبرى، دفاعاً عن مصالح الشعوب التي تعيش في فضاءاتها، إلا أن المؤشرات الاقتصادية والتجارية تبين الحجم الهزيل للمبادلات بين دول الاتحاد المغاربي، لأسباب سياسيةٍ وغياب قرار صريحٍ وإرادةٍ واضحةٍ لمواجهة مجمل هذه التحديات والعقبات.
الفكرة التي حرّكت إنشاء الاتحاد المغاربي تجد جذورها، بالأساس، في حرية تنقل الأشخاص
ولأن المنطق السائد في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية لا يؤمن بالكيانات الهشة والضعيفة، فقد وعت أغلبية الدول، وخصوصاً تلك التي تصنّف في خانة الدول الصاعدة على المستوى الديمقراطي والاقتصادي، الأهمية التي ينطوي عليها الانتظام في تجمعاتٍ إقليميةٍ، ليكون لها وزن على الصعيد الدولي، ولتتوفر على هامشٍ مريحٍ في التفاوض. ومن هنا، تبدو حيوية أي تجمع إقليمي منسجم ومتماسك، بل يغدو مسألةً ضروريةً بالنسبة إلى الدول النامية، لكي ترافق بكيفية متدرجة مسلسل الانفتاح الاقتصادي، عبر الرفع من وتيرة الإنتاج والتنافسية، لترقى به إلى المستوى الإقليمي.
يشبه الاتحاد المغاربي، إلى حد بعيد، مؤسسة جامعة الدول العربية التي تعيش حالة من العطالة والانفصام والاغتراب، فعلى الرغم من ادعائها بأنها تمثل الشعوب العربية، وتدافع عن مصالحها، وتحرص على أمن دولها، فإنها ظلت سجينة أوهام وأحلامٍ، لم تتجاوز عتبة بياناتٍ محرّرة بلغة فضفاضة، يحظر فيها كل شيء، سوى المبادرات والمشاريع الملموسة الكفيلة بتغيير الواقع، وفرض وقائع جديدة على الأرض.
وفي الوقت الذي تشهد فيه التجمعات الإقليمية الآسيوية والأوروبية والأميركية توسعاً وتطوراً، وهو العامل الذي يؤمن لها أسواقاً ضخمة ومنسوباً اقتصادياً مهماً، ومكتسبات على المستويين الاقتصادي والجيو- سياسي، فإن الاتحاد المغاربي، كفضاء جغرافي وبشري وثقافي، يتوفر على كل مقومات التكامل والاندماج، يدرك خطورة التحدّيات التي تواجهها الدول المنضوية تحت لوائه، غير أن هناك حواجز نفسية وسياسية، حالت دون تمكّنه من تحقيق الأهداف الديمقراطية واقتصاد السوق والتعددية الثقافية والمواطنة، فهذه القضايا، على الرغم من أهميتها، لم يتم التعامل معها كأولويات، ولم تؤخذ في حسبان أنظمة الحكم، علماً بأن هناك علاقة جدلية بين البعدين، الاقتصادي والسياسي، فهما يتقاطعان ويتكاملان، بغية إنجاح أي مشروع للشراكة الإقليمية المتوازنة. لكن، ثمة مفارقة مؤلمة، تكمن في استفحال الأزمات السياسية والصراعات الثنائية، وتتعمق معهما الهوة، ويتكرّس التشرذم، وتتسع مساحة اليأس وخيبة الأمل لدى شعوب المنطقة، خصوصاً إذا أدركنا أن هناك مسافة بين دولٍ قطعت شوطاً مهماً على طريق الانتقال الديمقراطي وعدداً من الانتقالات الأخرى في قطاعات استراتيجية من خلال إصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية وصناعية وإنجازات حقوقية وثقافية وتشريعية، إضافة إلى عاملي الأمن والاستقرار، كما هو الحال بالنسبة للمغرب الذي أصبح قبلةً لتدفق الاستثمارات الأجنبية، وموضع ثقة لدى شركاء كثيرين، بفضل المنهجية التي اتبعها في احتواء غضب الشارع، والتفاعل التدريجي والإيجابي مع مطالب حركة 20 فبراير، وأيضاً بفضل الاستراتجية الأمنية التي تبناها لمواجهة مخاطر التنظيمات الإرهابية.
وهناك دول تتلمس الطريق بثقةٍ وثباتٍ، لتنفيذ عدد من الإصلاحات، وإحداث جملةٍ من القطائع مع ممارسات وخياراتٍ وسياساتٍ وصلت إلى الإفلاس، بسبب أنظمةٍ شموليةٍ، كما هو الشأن بالنسبة لتونس، التي يمكن أن تشكل واحةً للانتقال الديمقراطي السليم، إذا تمكن الفرقاء السياسيون من التغلب على نرجسيتهم ومصالحهم الضيقة. وهناك أنظمة ما زالت تتوجس من تقديم أية تنازلاتٍ على الصعيدين، السياسي والدستوري، كما هو حاصل حالياً في الجزائر. أما الوضع في ليبيا، وعلى الرغم من التقدم النسبي الذي تحقق في أعقاب الاتفاق السياسي الذي وقع، أخيراً، في منتجع الصخيرات جنوب الرباط، وانتهى إلى تشكيل حكومة ائتلافٍ لتدبير شؤون بلد تفككت مؤسساته، وانهار اقتصاده، واستعرت الحرب الأهلية بين مكونات الجماعة الوطنية، وجعلت منه التنظيمات الإرهابية ساحة للحرب، ومصدر تهديدات جدية على عدد من الدول، بما فيها الدول الأوروبية التي تقع على ضفة المتوسط. أما موريتانيا التي تعرف حالة من التحول الديمقراطي البطيء، فإنها تعاني من مشكلاتٍ اقتصادية واجتماعية، علاوة على خطر الحركات الإرهابية التي تنشط في عدد من دول جنوب الصحراء.