من هو اللبناني الذي سيدير مجموعة إسرائيلية - فرنسية؟

07 فبراير 2015
باتريك دراهي (GETTY)
+ الخط -
قبل أيام كشف عن الاسم الجديد الذي سيدير مجموعة "ماج أند نيوز كو". إذ اختار باتريك دراهي، رجل الأعمال الإسرائيلي- الفرنسي ومالك مجموعة "ماج أند نيوز كو" شراكة مع مارك لوفر، تعيين الفرنسي من أصل لبناني برنار مراد ليكون رئيساً تنفيذياً للمجموعة الجديدة التي تضم جريدتي "ليبراسيون" و"إكسبرس" الفرنسيتين وقناة "آي 24" الإخبارية الفضائية الإسرائيلية، التي تبثّ باللغة الفرنسية والإنكليزية والعربية من مدينة يافا في فلسطين المحتلة.
الخبر الذي تناقلته معظم الصحف الفرنسية في اليومين الأخيرين جاء ليؤكّد صحة المعلومات التي تحدّثت عن سعي دراهي لتحويل المجموعة إلى امبراطورية إعلامية ذات شأن كبير.

"حوت الإعلام الجديد" كما تطلق عليه وسائل الإعلام الفرنسية و"الكتوم الذي لا يحب المؤتمرات الصحافية" كما يحب أن يعرّف عن نفسه، يبدو دراهي مقتنعاً بشكل كبير في تسليم إدارة المجموعة إلى مراد، نظراً للعلاقة المهنية التي جمعت الرجلين منذ عام 2004.

السيرة الأولى

الباحث عن حياة مراد وسيرته المهنية تصيبه الدهشة، ذلك أنّ الرجل اختار بشغف كبير المصارف والإدارة والأدب والكتابة على عكس ما درجت عليه العادة في عائلته الصغيرة التي تعمل كلها في مجال الطب: والده طبيب قلب، وشقيقه أخصائي أمراض الضغط وشقيقته الصغيرة تعمل ممرضة.

ولد برنار مراد (الصورة أدناه) في بيروت عام 1975 من أب لبناني مسيحي وأم يهودية من أصول مغربية. وسرعان ما قرّرت والدته الهجرة إلى باريس بعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، فيما قرّر
والده البقاء في بيروت ظناً منه أنّ الهدوء والاستقرار سيعودان إلى المدينة.

في عمر السنتين وصل برنار إلى باريس واستطاع لاحقاً أن يتلقّى تعليمه في أفضل ثانويات وجامعات الجمهورية الفرنسية. من "ليسيه بوفون" في الدائرة 15 في باريس إلى معهد العلوم السياسية ثم تخصّصه في الإدارة والمحاسبة، تبدو حياة مراد المهنية غنية، لكن يمكن القول إن فترة العمل التي قضاها في "مورغان ستانلي" هي التي فتحت له أبواب الشهرة والإبداع.

بعد 15 عشر عاماً قضاها محاسباً في مجموعة بنوك "مورغان ستانلي" التي تعد من أشهر المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة الأميركية والعالم بأسره، سطع نجم الرجل الثلاثيني في فرنسا بعد اختراعه التطبيق الخاص بالهواتف الذكية "ماي إس أو إس" لإنقاذ حياة الناس ومساعدتهم. التطبيق الذي أطلق نهاية عام 2013، والذي يحظى بدعم كبير من الجمعية الفرنسية لأمراض القلب ومن "الصليب الأحمر" والذي شهد أكثر من مئة ألف عضو في فرنسا هذا العام، يقوم على فكرة إطلاق إنذار في حال حصول أي انهيار جسدي أو نفسي نتيجة حادث معيّن، ليصل هذا الإنذار إلى كل الأشخاص الموجودين في محيط ثلاثة كيلومترات والمؤهلين للقيام بالإسعافات الأولية اللازمة لإنقاذ مطلق الإنذار.

يقول برنار مراد في حوار أجرته معه جريدة "ليبراسيون" الفرنسية (التي كانت عرضة للإفلاس التام الصيف الماضي وأنقذتها ملايين باتريك دراهي) أنّ تطبيق "ماي إس أو إس" My SOS سيكون متوفّراً قريباً جداً خارج فرنسا، بحيث يصبح إنذار واحد كفيلا بتدخل "الملائكة الحراس" لنجدتنا (في إشارة إلى كل الأشخاص الذي يعملون في المجال الصحي
والقادرين على القيام بإسعافات أولية). يضيف: "توصّلت إلى الفكرة بعد قصة عابرة رواها لي صديق باريسي: في البناية التي يقطنها، تعرّضت سيدة مسنة لانهيار مفاجئ، وتطلّب تدخّل الإسعاف أكثر من ربع ساعة. وصل المسعفون وكانت السيدة قد فارقت الحياة بعد أن توقف قلبها بشكل كامل. بالمصادفة كان جارها في البناية مسعفاً قادراً على نجدتها، لكن لم يكن هناك أي طريقة لإبلاغه، خاصة أنها لم تكن تعرف أنه حائز على شهادة إسعافات أولية".




رجل أعمال وروائي ومسرحي


الرئيس التنفيذي الجديد لمجموعة "ماج أند نيوز كو"، الذي سيتولى إدارة استراتيجيات المجموعة وتوسعها الدولي إلى جانب العلاقات المؤسسية والعقل المدبّر لمعظم صفقات الاتصالات التي يعقدها باتريك دراهي، لا يبدو رجل أعمال كلاسيكيًا.
كذلك لا تعكس مسيرته في قطاع الإدارة والاتصالات جانباً كبيراً من شخصيته. بلكنته الهادئة والمتمكّنة يتحدّث عن شغفه الكبير بالأدب والرواية، وهو الذي أصدر روايتين في 2006 (Les Actifs corporels) و2008 (Libre échange) تتناول إحداها السياسة
الاقتصادية ـ الاجتماعية عبر نقدي نظري لها، في ظل دعوة إلى رأسمالية تمكّن من الوصول إلى معادلة الأفراد ـ الشركات داخل إطار اقتصادي فردي بحت. أما الرواية الثانية فتتمحوّر حول تحليل سيكولوجي واجتماعي لفكرة البحث عن السعادة والهوية.

لا يكتفي مراد بما حقّقه حتى الآن، فالرجل الذي ينام 4 ساعات يومياً، كما قال، يعكف اليوم على كتابة عمل مسرحي كبير يتناول موضوع الديون المتراكمة على اليونان، وفكرة الاستفتاء الذي طرح سنة 2011. وقد اختار كلاً من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس اليوناني جورج بابندريو، كشخصيات رئيسية لعمله الجديد.

ماذا عن إسرائيل؟
ولا يمكن الحديث عن برنار مراد ومجموعة "ماج أند نيوز كو" من دون العودة إلى التساؤلات التي يطرحها متابعون حول التمويل الذي أنفقه دراهي لإنقاذ جريدة يسارية عريقة مثل "ليبراسيون" بعد أن ضخّ مبلغ 14 مليون يورو من أصل 18 مليون كانت بحاجة إليها قبل الإفلاس، ثمّ منحها في وقت لاحق عشرة ملايين يورو.

لم يخفِ دراهي يومًا تعلّقه بإسرائيل وهو يدأب على زيارتها بشكل سنوي منذ عام 1999عدا
عن أنّ العائدات المالية لشركته "ألتيس" تأتي بشكل رئيسي من فرنسا (40 في المائة) ثم إسرائيل (18 في المائة). كما أن برنار مراد مستشاره في الأعمال الأوروبية والإسرائيلية على السواء. هذه الاستشارات التي بدأت عام 2004، عندما استعان باتريك دراهي به في إحدى صفقاته التجارية، وبقي مستشاره الأمين حتى هذه اللحظة.

يقول مراقبون إنّ صفقات دراهي في قطاعي الاتصالات والإعلام تهدف بشكل أو بآخر إلى تبييض صورة إسرائيل، وتبدو مصداقية "ليبراسيون" اليوم على المحك، في ما يتعلق بالقضايا العربية والقضية الفلسطينية تحديداً، خاصّة أنّ الصحيفة الفرنسية الشهيرة لم تخضع لأجندات سياسية، منذ تأسيسها قبل أربعة عقود على يد جان بول سارتر وسيرج جولي.

تمكّن دراهي من إنقاذ الصحيفة الفرنسية الشهيرة. ورغم استثماراته الكثيرة في إسرائيل، إلا أن مساهمة دراهي في "ليبيراسيون" لم تنجح في التأثير على السياسة التحريرية العامة للصحيفة،
خصوصاً في ما يخص الصراع العربي ـ الإسرائيلي وفي الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين. أما دخول برنارد مراد على الخط، وإدارته للمجموعة فأغلب الظن أيضاً أنه لن يكون له تأثير مباشر على السياسة التحريرية، بل إن سياسته الإدارية ستطبّق على الملفات المالية والإدارية.