قبل أيام تصدّر اسم الدراويش الغناباديين الواجهة في إيران، بعد احتجاجهم على قرار اعتقال زعيمهم أو الذي يعرف اصطلاحاً بقطب طريقتهم الصوفية نور علي تابنده. تجمعوا أمام منزله لمنع اعتقاله رغم التواجد الأمني المكثف في محيط المنطقة الواقعة شرقي العاصمة طهران. وأبدى المحتجون امتعاضهم من القرار القضائي، الذي صدر على خلفية إحراق عدد من المساجد والحسينيات خلال التظاهرات التي خرجت في عدة مناطق من إيران الشهر الماضي، واتهام الدراويش بالتحريض على ذلك.
الدراويش الغناباديون، هم أتباع إحدى الطرق الصوفية وأكبرها في إيران، ويسمون بالغناباديين نسبة إلى مقرهم الرئيس الواقع في منطقة غناباد جنوبي محافظة خراسان رضوي، وهي الواقعة بدورها شمال شرقي إيران. كانت تسمى سابقاً غنابا، وجنابد، ويسكنها اليوم عشرة آلاف نسمة تقريبا.
يرجح خبراء ومتخصصون في التاريخ، ظهور تلك الطريقة الصوفية بداية القرن الثامن الهجري على يد سيد نور الدين شاه نعمت الله، وأكملت مسيرة التصوف في إيران، وحملت في بداياتها اسم مؤسسها. ويعد الدراويش الغناباديون جزءا لا ينفصل من سلسلة نعمت الله، كما كانت تدعى.
يسمى هؤلاء باسم أهل الحق كما بعض الفرق الإسلامية الأخرى. وذكرت بعض المراجع أن أهل الحق كانوا يعيشون غربي إيران قبل قرون، وهم من يؤمنون بمذهب باطني. ويقول بعضهم الآخر إن معتقداتهم ممزوجة ومتأثرة ببعض الديانات الإيرانية القديمة والمذهب الإسماعيلي والعقيدة المانوية.
هم اليوم جزء من المذهب الشيعي، ويصنفون بأنهم من متشددي هذا المذهب، ويستند أساس معتقدهم إلى معنى ومفهوم حقيقة خلق الكائنات، يؤمنون بأن البشرية بدأت من خلق آدم، وبأن النبي محمد (ص) هو خاتم الأنبياء، كما أن الإمام علي بن أبي طالب هو رأس الإمامة، التي تنتقل منه للإمام الثاني عشر، وبعد غيبة الإمام المهدي ينتقل رأس الإمامة إلى أتباعه وأقطابه واحدا تلو الآخر كما يعتبرون.
يرى متخصصو التاريخ أن ما يؤمن به دراويش إيران متأثر بالأفكار الإسلامية، واليهودية، والمسيحية والزرادشتية على حد سواء، مضافا إليها عقائد هندية ومانوية. ويعتبر دراويش نعمت الله الغناباناديون، من الفرق المتصوفة الوحيدة المتبقية من متبعي الإسلام الحقيقي، وإذا أراد أي فرد أن يصل لأي مرحلة ورتبة روحية فعليه أن يقوم بذلك على طريقتهم.
— ستاره (@SETAREH2538) ٤ فبراير، ٢٠١٨ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
— Saraz (@_Willow_Tree) ٤ فبراير، ٢٠١٨ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
— Saraz (@_Willow_Tree) ٤ فبراير، ٢٠١٨
|
أوردت بعض الكتب أن أقطاب هؤلاء هم بمثابة الأئمة المعصومين لدى المذهب الشيعي، ما يجعلهم على خلاف ديني أيضا مع أصحاب ذلك المذهب. لذلك يعتبر بعض رجال الدين الإيرانيين والمتخصصين أن التصوف يخرج من دائرة الشيعة وحتى من الإسلام.
وإذا كانت حركة التصوف مرتبطة بالزهد والعبادة، إلا أنها تطورت بمرور التاريخ الإسلامي، وتفرعت إلى طرق مختلفة، والغنابادية هي إحداها بطبيعة الحال. ويرى متخصصون في التاريخ الإيراني في مقالات كتبوها عن الصوفيين والدراويش أن وقوعهم في البدع والابتعاد عن المناهج المعروفة، يجعلهم عرضة للانتقاد، إلا أنهم يأخذون بالحقائق، ويدحضون ما هو باطل كما يرى أتباعهم.
أما نور علي تابنده، قطب الدرويشية الغنابادية الملقب بمجذوب عليشاه، فوصل إلى زعامته هذه قبل عشرين عاما تقريبا، بعد وفاة سلفه محبوب عليشاه، الذي ترك وصية أوصلت تابنده للقب قطب هذه الطريقة الصوفية.
— OMId Azadi (@A_M_alireza) ٤ فبراير، ٢٠١٨ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
ولد تابنده في غناباد، وجدّه كان قطبا للدراويش من قبله، ودرس العلوم الإسلامية إضافة للحقوق، وكان تلميذا للسلطان حسين تابنده الملقب برضا عليشاه الثاني.
عمل تابنده قبل الثورة الإسلامية في العام 1979، في الخارجية الإيرانية ووزارة العدل ومحكمة طهران، ثم أكمل دراسته في فرنسا وحصل على الدكتوراه في الحقوق. وخلال أيام الثورة تبنى قضايا للدفاع عن الطلاب ورجال الدين الملاحقين من نظام الشاه بالمجان، وعقب انتصار الثورة، عمل فترة في وزارة الثقافة، وكان نائبا لوزير العدل، وعضوا في اللجنة الإدارية لمؤسسة الحج.
— Mostafa Abdi (@Mostafaabdi121) ٦ أكتوبر، ٢٠١٧ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
إلا أن تابنده الذي لم يكن مرضيا عنه قبل الثورة بسبب نشاطاته، لم يحظ بالرضا كثيرا بعدها، فهو عضو في جمعية الدفاع عن حرية واستقلال الشعب الإيراني، وكتب مقالات نقدية عديدة في هذا الصدد، إلا أن نشاطه هذا تراجع في السنوات الأخيرة.
بقي مقربا من القوى الوطنية الدينية وهي مجموعة محسوبة على اليسار المتدين وذات منطلقات ديمقراطية اجتماعية، فضلا عن علاقاته الجيدة مع حركة تحرير إيران، والتي كان زعيمها وزير الخارجية الأسبق إبراهيم يزدي، الذي استقال من منصبه على خلفية أزمة الرهائن الأميركيين في طهران.
كما كان تابنده أحد الموقعين على الرسالة المعروفة برسالة التسعين توقيعا، التي وجهت لهاشمي رفسنجاني حين كان رئيسا لإيران، وتتضمن انتقادات للوضع الاقتصادي والاجتماعي والحريات في البلاد، ما تسبب بسجنه تسعة أشهر.
وذكرت بعض المصادر أنه انتقد نظرية ولاية الفقيه، إضافة لاتخاذه موقفا إلى جانب الإصلاحي مهدي كروبي خلال انتخابات 2009 التي أعقبتها احتجاجات الحركة الخضراء، لأن كروبي انتقد سابقاً الهجوم على أماكن عبادة للدراويش الغناباديين، ونقل هذا الملف بكل صراحة لطاولة مسؤولين في البلاد.
واعترض الدراويش الغناباديون سابقا على انتقادهم والمساس بأماكنهم، إضافة للاعتقالات التي طاولت بعضهم خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد، وشاركوا في تجمعات اعتراضية أمام البرلمان الإيراني في سنوات ماضية.
وعادت اعتراضات الغناباديين للواجهة، حين حاولوا منع اعتقال تابنده من منزله، وهو ما حصل دون اعتقالات بين الأتباع أو اشتباكات دامية، بحسب السلطات الإيرانية الرسمية.