وعدها أن يبعث رسائل مفصلة عن نهاراته؛ كيف يقضيها، ماذا أكل، ماذا كتب وماذا ارتدى. قيل عن المقاطع التي تضمها رسائل الروائي فلاديمير نابوكوف (1899 – 1977) لزوجته فيرا إنها من أجمل ما كتب، مفصلاً فيها كل شيء حوله لكي لا تشعر المرأة العليلة أنه غائب عنها. كان عمره آنذاك سبعة وعشرين عاماً، وكانت فيرا قد أصيبت باكتئاب مرضيّ اضطرت معه إلى مغادرة برلين واللجوء إلى الاستجمام في "بلاك فورست" برفقة والدتها.
تحرّر نابوكوف في هذه الرسائل من القارئ بمعناه الواسع، فجاءت مراسلاته إلى قارئة واحدة وهشّة تمرّ بمرحلة نفسية عصيبة، هي الحبيبة والزوجة. وكان قد مرّ على زواجهما عام واحد في 1926 حين حدث ذلك وبدأت المراسلات.
لنا أن نتخيّل كيف صيغت الرسائل التي صدرت حديثاً بالإنجليزية بعنوان "رسائل فلاديمير نابوكوف إلى فيرا" ضمن سلسلة الكلاسيكيات من دار "بنغوين" البريطانية. لقد اختلفت الرسائل، فضم بعضها قصائد خالصة، ومنها ما كان يتحدث فيه نابوكوف عن فن كتابة الشعر، ومنها ما هو مجموعة من قصائد النثر. ولكن كل رسائله في العام الأول (1926) كانت تتحدث عن "أهمية ملاحظة الأشياء".
يكتب في إحداها: "هذا الصباح، الطقس جدّاً جدّاً: بليد، لكنه دافئ، السماء كأنها حليب مغلي ظهرت على سطحه قشطة، لكنك إذا أزحتها بالملعقة، تظهر الشمس حقّاً حلوة جداً، ولهذا ارتديت بنطالي الأبيض".
ويقول في رسالة تالية: "نظرت من النافذة ورأيت دهّاناً أمسك بفأرٍ في عربته وقتله بعصاة الفرشاة ثم رماه في بركة صغيرة. البركة كانت تعكس السماء الداكنة، والمرور السريع لسرب من طيور الخطّاف، وركبتيّ طفل يجلس القرفصاء ويتفحص باهتمام جثة مستديرة ورمادية صغيرة".
ويكتب في أخرى: "أشعر بساقيك الحلوتين الطويلتين، وعنقك الذي أراه من خلال شعرك، رموشك المرتجفة - ثم أي سعادة تتحقق وأي نعمة تجيش وتتبعني إلى أحلامي حتى إنني أختنق".
ويصفها أيضاً: "كل الذيول الصغيرة لأفكارك، حروف العلة التي تمُطّينها، روحك كلّها من رأسك حتى كعبيك...، أنت مصنوعة بالكامل كأنك حركات صغيرة، أحب كل واحدة منها".
كما ويقول: "لا أستطيع أن أقول لك شيئاً بالكلمات - وعندما أفعل على الهاتف أخطئ في كل كل شيء تماماً. معك أنت، يحتاج المرء أن يتحدث بشكل رائع، الطريقة التي نتحدث بها إلى الناس، معك انتهت من زمان".