28 يناير 2024
من لقّح البويضة؟
لا أدري كيف وقعت معلمة الروضة العربية بهذا الخطأ العلمي الفادح، وهي تحاول أن تبسّط للأطفال فكرة تلقيح البويضة في رحم الأم؟ ولا أعرف كيف واتتها هذه الجرأة "الغبية"، بإشراك رهط من أطفال الروضة في مشهد تمثيلي، قوامه تشكيل دائرة من الإناث، ترفع يافطة مدونًا عليها مصطلح "بويضة"، فيما تتربص مجموعة من الذكور من بعيد، ويحمل كل منهم يافطةً مقابلة، مدونًا عليها مصطلح "حيوان منوي"، ثم يندفعون صوب دائرة الإناث، محاولين اختراقها، فلا ينجح منهم سوى طفل واحد، أما البقية فيدّعون الموت، في محاولةٍ لمطابقة عملية التلقيح التي تجري داخل الرحم.
عمومًا، أحمد الله أن ذكور العرب كفوني جانبًا من الهجوم والتنديد بهذه الفعلة الشنيعة، والغريبة عن مجتمعاتنا العربية المحافظة التي تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي الفيديو الخاص بها، فيما سارعت وزارات تربية وتعليم إلى التملص من هذه الروضة، تحت بند أنها "لا تقع في بلدنا"، على غرار الوزارة الأردنية التي كانت توعدت، قبل ذلك، بأنها ستنزل أقسى العقوبات بهذه الروضة، فيما إذا ثبت أنها أردنية، إلى أن أعلنت بعد ذلك عن "براءة" رياض الأطفال كلها في البلد من هذا الفعل "الآثم"، وأراهن أن بلدانًا أخرى تبرّأت، وأنحت باللائمة على جاراتها، معلنة "نظافة" وسطها التعليمي من هذا "الفيديو الفاضح"، و"الخادش للحياء العام والخاص معًا".
ربما ظنت هذه المعلمة، بابتكارها الجديد، أنها أرادت أن توصل إلى ذهن الطفل فكرة نشوء الجنين، بدل أن ينتظر أعوامًا حافلةً بالأسئلة الممضّة عن لغز هذه العملية، والتي غالبًا ما يتلقى التوبيخ والتقريع عليها، إذا كان ذكرًا، والضرب إذا كان أنثى، فارتأت تلك المعلمة أن تسعى إلى الابتكار بطريقةٍ تنسجم وعمر الأطفال الذين بدوا في المشهد فرحين بالفكرة وتمثيلها، غير أن المسكينة لم تكن تدري أنها حاولت الابتكار في مجتمعاتٍ قاحلةٍ، تتصدى لأي فكرة جديدة وقتلها في مهدها، خصوصًا إذا مسّت الفكرة آلية العملية الجنسية التي يعد الاقتراب منها خطًا فوق الأحمر بكثير، ففتحت على نفسها أعشاشًا من دبابير الاستهجان والاستنكار، بل واتهامها بترويج الإباحية أيضًا، فيما تتغافل تلك الدبابير عن الإحصاءات العالمية التي تبين أن بلادها "النظيفة" تتسيد قائمة الدول المتابعة لمواقع الأفلام الإباحية على الشبكة العنكبوتية، لأن الطفل الذي يكبر، بأسئلته المعلقة والمحظورة عن الجنس، يلجأ إلى الإجابة عنها، ولو بطرقٍ مشوهة، من خلال تلك المواقع.
لا أدافع عن المعلمة، بل اعترفت بأنني أحد تلك الدبابير التي هاجمتها، لكن ليس بسبب الابتكار الذي خرجت به، إذ أقرّ بأنها فكرة غاية في العبقرية السهلة الممتنعة، وقناعتي لا تختلف عن قناعتها بضرورة تعليم النشء الجديد كل ما يتعلق بفكرة الخلق والتكوين وغيرهما، لكن هجومي عليها ينطلق من خندق آخر، لم يتنبه إليه زملائي المهاجمون الأشاوس، ويتعلق بالخطأ العلمي الذي اقترفته هذه المعلمة "الغبية" في عملية تلقيح البويضة، إذ يناقض المشهد التمثيلي كله الحقيقة العلمية عن التلقيح، ويبدو أنها، في حمأة اكتشافها الرهيب، نسيت أن من يلقح البويضة العربية، تحديدًا، ليس الحيوانات المنوية الحية، بل الميتة.
وعليه، أقترح عليها إعادة تقديم المشهد التمثيلي على النحو الآتي: تقف دائرة الإناث كما هي، بيافطتها المرفوعة مع رفع يافطة أخرى عنوانها "البويضة العربية". أما رهط الذكور الذين يحملون راية "الحيوانات المنوية الميتة"، فيسمح لهم جميعًا بالدخول، باستثناء طفل واحد يحمل يافطة "حيوان منوي نشط"، ويموت خارج الدائرة. بالطبع، أعني خارج الخريطة العربية كلها، لأن الموات هو السائد في بلادنا وليس الحياة، حتى لكأن الأموات هم الذين يمشون على الأرض، أما الأحياء ففي جوفها أو في جوف الزنازين، في أحسن الأحوال.
بهذا التعديل، وحسب، تستوي الفكرة، ويصبح المشهد أكثر تناسبًا مع حياء مجتمعاتنا المحافظة "حدّ الموت".
عمومًا، أحمد الله أن ذكور العرب كفوني جانبًا من الهجوم والتنديد بهذه الفعلة الشنيعة، والغريبة عن مجتمعاتنا العربية المحافظة التي تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي الفيديو الخاص بها، فيما سارعت وزارات تربية وتعليم إلى التملص من هذه الروضة، تحت بند أنها "لا تقع في بلدنا"، على غرار الوزارة الأردنية التي كانت توعدت، قبل ذلك، بأنها ستنزل أقسى العقوبات بهذه الروضة، فيما إذا ثبت أنها أردنية، إلى أن أعلنت بعد ذلك عن "براءة" رياض الأطفال كلها في البلد من هذا الفعل "الآثم"، وأراهن أن بلدانًا أخرى تبرّأت، وأنحت باللائمة على جاراتها، معلنة "نظافة" وسطها التعليمي من هذا "الفيديو الفاضح"، و"الخادش للحياء العام والخاص معًا".
ربما ظنت هذه المعلمة، بابتكارها الجديد، أنها أرادت أن توصل إلى ذهن الطفل فكرة نشوء الجنين، بدل أن ينتظر أعوامًا حافلةً بالأسئلة الممضّة عن لغز هذه العملية، والتي غالبًا ما يتلقى التوبيخ والتقريع عليها، إذا كان ذكرًا، والضرب إذا كان أنثى، فارتأت تلك المعلمة أن تسعى إلى الابتكار بطريقةٍ تنسجم وعمر الأطفال الذين بدوا في المشهد فرحين بالفكرة وتمثيلها، غير أن المسكينة لم تكن تدري أنها حاولت الابتكار في مجتمعاتٍ قاحلةٍ، تتصدى لأي فكرة جديدة وقتلها في مهدها، خصوصًا إذا مسّت الفكرة آلية العملية الجنسية التي يعد الاقتراب منها خطًا فوق الأحمر بكثير، ففتحت على نفسها أعشاشًا من دبابير الاستهجان والاستنكار، بل واتهامها بترويج الإباحية أيضًا، فيما تتغافل تلك الدبابير عن الإحصاءات العالمية التي تبين أن بلادها "النظيفة" تتسيد قائمة الدول المتابعة لمواقع الأفلام الإباحية على الشبكة العنكبوتية، لأن الطفل الذي يكبر، بأسئلته المعلقة والمحظورة عن الجنس، يلجأ إلى الإجابة عنها، ولو بطرقٍ مشوهة، من خلال تلك المواقع.
لا أدافع عن المعلمة، بل اعترفت بأنني أحد تلك الدبابير التي هاجمتها، لكن ليس بسبب الابتكار الذي خرجت به، إذ أقرّ بأنها فكرة غاية في العبقرية السهلة الممتنعة، وقناعتي لا تختلف عن قناعتها بضرورة تعليم النشء الجديد كل ما يتعلق بفكرة الخلق والتكوين وغيرهما، لكن هجومي عليها ينطلق من خندق آخر، لم يتنبه إليه زملائي المهاجمون الأشاوس، ويتعلق بالخطأ العلمي الذي اقترفته هذه المعلمة "الغبية" في عملية تلقيح البويضة، إذ يناقض المشهد التمثيلي كله الحقيقة العلمية عن التلقيح، ويبدو أنها، في حمأة اكتشافها الرهيب، نسيت أن من يلقح البويضة العربية، تحديدًا، ليس الحيوانات المنوية الحية، بل الميتة.
وعليه، أقترح عليها إعادة تقديم المشهد التمثيلي على النحو الآتي: تقف دائرة الإناث كما هي، بيافطتها المرفوعة مع رفع يافطة أخرى عنوانها "البويضة العربية". أما رهط الذكور الذين يحملون راية "الحيوانات المنوية الميتة"، فيسمح لهم جميعًا بالدخول، باستثناء طفل واحد يحمل يافطة "حيوان منوي نشط"، ويموت خارج الدائرة. بالطبع، أعني خارج الخريطة العربية كلها، لأن الموات هو السائد في بلادنا وليس الحياة، حتى لكأن الأموات هم الذين يمشون على الأرض، أما الأحياء ففي جوفها أو في جوف الزنازين، في أحسن الأحوال.
بهذا التعديل، وحسب، تستوي الفكرة، ويصبح المشهد أكثر تناسبًا مع حياء مجتمعاتنا المحافظة "حدّ الموت".