من دون مقدمات

17 سبتمبر 2015
تربيتنا لم تقصّر في أدلجتنا كفتيات (فرانس برس)
+ الخط -
كنا في إحدى ورشات العمل حول حقوق النساء. بين المشاركات في الوفد اللبناني كانت هناك سيدة كلما أرادت أن تتدخل، كانت تبدأ حديثها بـ "عذراً، ولكن". على مدى خمسة أيام اعتذرت هذه السيدة عن مئات الأفعال التي لا تتطلب بالضرورة اعتذاراً. كانت تعتذر عن حقها في التعبير عن رأيها، حقها في توجيه أسئلة والحصول على أجوبة، وعن حقها في الكلام أو حتى حقها في الدخول إلى قاعة الاجتماع صباحاً.

استفزني الأمر كثيراً. لم أعرف الدافع الحثيث الذي كان يدفعها بصورة قهرية للاعتذارعن نفسها بمناسبة وبغير مناسبة. حدث أن غضبت وفكرت بأنها على الرغم من مركزها الذي تشغله كباحثة، إلا أنها تعكس صورة عن خضوع نسائي نريد كسر نمطيته في أذهان المحيطين بنا.

اليوم، وبعد مرور خمس سنوات على الحادثة، وفي حديث مع إحدى الزميلات، تبيّن أننا كنساء نقوم، دون وعي منا بالضرورة، بالتعبير عن أنفسنا بنفس تبريري أو إفراط في الاعتذار قد يكون نابعاً عن إحساس بالذنب. أنا أيضاً كنت أبدأ حديثي بمقدمات، كنت أقنّع طلبي بسؤال، أو أستخدم أقل الطرق مباشرة للتعبير عن نفسي. لم يحدث أن طلبت مني أمي ذلك. لكن تربيتنا لم تقصّر في أدلجتنا كفتيات.

كانت هذه الجملة لتبدأ بـ"ليس من باب التعميم، ولكن...". ها هي المقدمات مجدداً تفرض نفسها على أسلوبنا في التعبير. ثقافتنا الذكورية بات لها قوة داخلية تملي علينا كنساء ماذا نقول وماذا نفعل. ومقابل هذه القوة الداخلية، محرّك عقلي دائم للتصدي لهذه الثقافة. كفتيات، تمت أدلجتنا لنكون مهذبات، لا نتكلم إلا حين نُسأل، ولا نعبر عن رأينا لا بمناسبة ولا من دون مناسبة. هذا هو جذر المشكلة. تقليص مبرمج للحيّز العام الذي نشغله. لم يكن في نيّة أهلنا ذلك بالطبع، لكنها برمجة ثقافية لا تزال، حتى اليوم، تقنّع أصوات الفتيات والنساء وحريتهن ورأيهن ومشاركتهن. وحين يأتي الوقت الذي بات لدينا ما نقوله، نبدأ بالاعتذار، أو بالمقدمات، أو بالالتفاف حول الموضوع لنمارس حقوقنا التي هي في لاوعينا ليست متأصلة بل منتزعة.

الشعور الفائض بالامتنان يأتي في الخانة نفسها. يحدث أن نمارس حقاً طبيعياً متأصلاً لنشعر بكثير من الشكر والامتنان على "المنة" التي حصلنا عليها. سواءً زيادة في الراتب، أو في الحصول على إجازة سنوية، أو في نوم ساعة إضافية صباحاً بعيداً عن الضغوطات العائلية، أو في تقاسم المهام والأدوار المنزلية، أو حتى بحياة خالية من العنف قد تكون في نظر النساء امتيازات، بينما هي مجرد حقوق.

*ناشطة نسوية

إقرأ أيضاً: عقدة مادونا
المساهمون