من الناصرة إلى كندا... مسارات هجرة توالت

16 يوليو 2017
الحفاظ على الهوية في المهجر الكندي (العربي الجديد)
+ الخط -




شهدت كندا بداية هجرة الفلسطينيين من الناصرة، شمالي فلسطين، قبل عام 1948. بينما موجات الهجرة الكبيرة إلى كندا جاءت إثر نكسة عام 1967، وحالة التهجير التي تبعت غزو الكويت وتحريرها في 1991.

وكانت مخيمات لبنان أثناء الحرب الأهلية مصدراً آخر لتلك الهجرات التي حلت ثانياً بعد أرقام مهاجرين من فلسطينيي الداخل. ووفقاً للجمعية الفلسطينية في "منتوبا" فإن تقدير أعداد فلسطينيي كندا يتراوح بين 50-60 ألفا، حتى 2013. وكغيرها من الدول فإن جدل الأعداد يرتبط أيضا بتصنيف بعض هؤلاء وفقاً لما حملوه من وثائق سفر لينسبوا إلى تلك الدول.

وبحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" الدكتور محمد أبو عوض، العضو المؤسس لمجلس إدارة "جمعية المهنيين الكنديين الفلسطينيين" فإن "الجالية الفلسطينية في كندا جالية قديمة، وأول سيناتور من أصل عربي في كندا كان فلسطينياً واسمه بيير ديباني. وهاجر ديباني من فلسطين إلى لبنان عام 1948 ثم هاجر في خمسينيات القرن الماضي إلى كندا".

ويضيف أبو عوض أن "الكثير من أبناء الجالية في كندا يعملون في مجالات حيوية ومندمجون في المجتمع الكندي. منهم أول عميد عربي لكلية طب في كندا، هو الدكتور إسماعيل زايد، عميد كلية دييل هاوسي".


وتختار جمعية المهنيين الكنديين الفلسطينيين، تأسست عام 2013، سنوياً شخصية فلسطينية كندية كانت لها بصمة مميزة في خدمة المجتمع الكندي والإنسانية. ويضيف أبو عوض بأنه في السنة الأولى من تأسيس الجمعية تم اختيار الدكتور أحمد الطيبي نتيجة لدوره المميز في مجال علم الجينات واكتشافه لأكثر من 300 مرض بعضها سمّي باسمه، وقد توفي قبل سنوات. وتم أيضا تكريم الدكتور جورج عوض لأبحاثه ودراساته المميزة عالمياً في مجال العلاج النفسي للأطفال المصابين بالأزمات النفسية نتيجة الحروب، وهو من المؤسسين لمركز في قطاع غزة لمعالجة الأطفال المصابين بصدمات الحروب.



تعليم وتميّز

ويبين أبو عوض أن الكثير من أبناء الجالية الفلسطينية في كندا هم من الحاصلين على شهادات أكاديمية ودرجات علمية مميزة، ويعملون في وظائف مرموقة في المجتمع الكندي "وكان هذا أحد دوافع تأسيس جمعية المهنيين الكنديين لجمع الكوادر الفلسطينية المتميزة في كندا، حيث تضم حوالي مائة عضو من مختلف أنحاء كندا أما مجلس الإدارة فيضم 7 أعضاء، منهم الدكتور طارق خليفة رئيس الجمعية وهو طبيب أطفال في هاملتون وأستاذ مشارك في جامعة مكماستر، ونائب رئيس الجمعية دكتور ماهر أبو سيدو، والدكتور بسام جبران نائب عميد كلية الهندسة في جامعة رايرسون، والدكتور صلاح علي والدكتور حسن العاور والدكتور في هندسة المعلومات أكرم عوض، والأستاذ خالد عمر في المجال المالي".

ومن المعروف أن كندا تستقبل مهاجرين من أصحاب الشهادات والخبرات التعليمية، وقد وصلها من دول الخليج مجموعة كبيرة من الفلسطينيين بعيد حالات الإبعاد التي تمت لكثير من الفلسطينيين بعد تحرير الكويت.
وبالنسبة لما تواجهه الجالية الفلسطينية في كندا من تحديات، فهي لا تختلف كثيراً عن مثيلاتها العربية الأخرى.
إذ تعتبر "مهمة الحفاظ على الهوية مع تحقيق الاندماج الآمن في المجتمع الكندي، واحدة من أهم التحديات التي واجهت أبناء المجتمع الفلسطيني في كندا، لأن الجيل الأول كان محدود الاندماج في المجتمع الكندي في حين أن جيل الأبناء كان أكثر اندماجاً وهنا كانت الصعوبة في كيفية تحقيق التوازن بين الحفاظ على الهوية العربية الفلسطينية والاندماج في المجتمع الكندي الذي نُعتبر اليوم جزءاً مهماً منه، ونعتز بانتمائنا له مع اعتزازنا بجذورنا الفلسطينية، وهذا ما أدركه أبناء الجالية بعد سنوات وعملوا بجد على تحقيق التوازن" وفقاً للدكتور أبو عوض.

وتنتشر بين فلسطينيي كندا عدد من الجمعيات والمؤسسات التي تنشد الحفاظ على الهوية والثقافة الفلسطينية في مجتمع منفتح ومتعدد الثقافات، فبالإضافة إلى جمعية المهنيين فإن تورنتو تضم مؤسسات البيت الفلسطيني ومؤسسة العودة.

وتعمل أيضا الجمعية الفلسطينية في عدد من المناطق، منها هاملتون وأوتاوا ومونتريال وفانكوفر وبراندفورد ونياغرا فولز، بالإضافة أيضا إلى جمعيات طلابية وشبابية وطبية متخصصة كمؤسسة فلسطين الطبية. ولا يقتصر عمل مؤسسات الجالية الفلسطينية بين أبناء الجالية، فالعديد منها يعمل أيضا على دعم الشعب الفلسطيني ومخيمات الشتات وقطاع غزة والضفة الغربية.

ويعمل الجيل الفلسطيني الجديد وسط أجواء كانت وما تزال رواسب تأييد دولة الاحتلال وتأثير اللوبيات فاعلة على الساحة الكندية، ورغم كل تلك التحديات فإن الجيل الفلسطيني الشاب يحاول مأسسة عمله بعيدا عن الانقسامات التي تؤثر على الجاليات.
شبان فلسطينيون في كندا (العربي الجديد) 




 


مهمات ملحّة


يرى الدكتور أبو عوض أهمية للعمل الجاري من أجل إيجاد شبكة للتواصل بين مختلف الكفاءات الأكاديمية والعلمية الفلسطينية في كندا، كتلك التي تقوم بها جمعيتهم للمهنيين. وتهدف من ذلك إلى "تقديم المنح الدراسية للفلسطينيين المتفوقين في أنحاء مختلفة من العالم، سواء داخل فلسطين أو دول الجوار، وأي مكان في العالم حيث لا تسمح لهم ظروفهم المالية بإكمال دراساتهم الجامعية. والجمعية تقوم من خلال برنامج المنح الدراسية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة وعبر برامج الأونروا للمنح الدراسية بقبول ملفات الطلبة الفلسطينيين الذين تقدمهم الأونروا لنا، حيث تعرض الملفات على أساتذة جامعيين في لجنة من غير أعضاء الجمعية، ويتم من خلالهم اختيار الملفات للطلبة الذين يحصلون على منح دراسية وقد نجحنا إلى اليوم بتقديم أكثر من 42 منحة دراسية، بعض الطلاب تخرجوا والقسم الأكبر ما زال يدرس في الجامعات والتخصصات المختلفة" بحسب ما يسهب أبو عوض في حديثه مع "العربي الجديد".

وتعمل الجمعيات الفلسطينية في كندا على إحياء التراث الفلسطيني بعرض صورة مميزة وحقيقية عن الشعب الفلسطيني بغير ما كانت تشيعه اللوبيات عن فلسطينيي المهجر كجزء من تخريب صورة الشعب الفلسطيني عموما.


انعكاس الانقسام على واقع الجالية
لكن الجالية الفلسطينية في كندا، كغيرها من الجاليات حول العالم، تعاني من انعكاسات المشاكل والانقسامات، سواء في البلاد العربية أو في فلسطين على واقع وحياة أبناء مجتمعات الهجرة العربية، ومنهم الفلسطينيون. ذلك أن الانقسامات الحزبية والسياسية في داخل فلسطين انعكست على الفلسطينيين في الخارج.
وتأمل الشخصيات الفلسطينية في كندا أن يخف هذا الانعكاس السلبي بالتركيز على التعليم والعمل والنجاحات والتصدي المشترك لتحديات واقع الاغتراب والمساهمة في ردف القضية الأساسية بما تقدمه تلك المؤسسات القائمة.



المساهمون