وبالتزامن أطلق ترامب حرباً نفطية ضد إيران ومن يتعامل معها، في محاولة لمنعها من تصدير إنتاجها النفطي وتقليص حصتها في السوق، ما استدعى رداً من طهران بالتلويح بإغلاق مضيق هرمز لتعطيل ما يتعدى ثلث الإمدادات النفطية الدولية.
ولا تقتصر تداعيات قرارات ترامب على التوتر الاقتصادي، وإنما تشير إلى تغييرات قد تطاول المنظومة الاقتصادية الدولية والنظريات التقليدية التي تضمن استمرارها، خاصة قوانين العرض والطلب، ومحاربة الحمائية عبر تغليب الاقتصاد الحر في التعاملات التجارية العالمية.
حرب الرسوم
دخلت الولايات المتحدة والصين، اليوم الجمعة، في حرب تجارية مع بدء تطبيق رسوم جمركية أميركية على ما قيمته عشرات مليارات الدولارات من المنتجات الصينية، وهو ما أعلنت بكين أنها "مضطرة لرد ضروري" عليه وذلك رغم التحذيرات والقلق في الأسواق المالية.
وتبلغ نسبة هذه التعرفات 25% على ما قيمته 34 مليار دولار من 818 صنفا من البضائع الصينية من بينها سيارات وقطع تدخل في صناعة الطائرات أو الأقراص الصلبة لأجهزة الكمبيوتر، لكنها تستثني الهواتف المحمولة أو التلفزيونات، وفق "فرانس برس".
وردت بكين على الفور أنها "مضطرة لاتخاذ إجراءات ضرورية لرد". وأعلنت وزارة التجارة في بيان أن "الولايات المتحدة انتهكت قواعد منظمة التجارة العالمية وأطلقت أكبر حرب تجارية في التاريخ الاقتصادي حتى اليوم".
وتابع بيان الوزارة أن "الصين تعهدت ألا تكون المبادرة منها لكنها مضطرة إلى رد ضروري من أجل الدفاع عن المصالح الأساسية للبلاد والشعب".
وذكرت صحيفة "تشاينا ديلي" اليومية الرسمية الناطقة باللغة الإنكليزية، أن بكين فرضت رسوماً جمركية إضافية على بعض المنتجات الواردة من الولايات المتحدة على الفور بعد دخول الرسوم الأميركية حيز التنفيذ اليوم الجمعة.
ونقلت الصحيفة عن هيئة الجمارك الصينية قولها إن بكين ستحصل رسوما جمركية على 545 صنفاً بقيمة واردات تصل إلى 34 مليار دولار ردا على الرسوم الجمركية الأميركية.
ومن المفترض أن تشمل الرسوم الصينية منتجات زراعية مثل الصويا المرتبطة إلى حد كبير بالسوق الصينية وقطاع السيارات وأيضا مأكولات بحرية.
وكان المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية غاو فينغ، قد صرح، الخميس، بأن "الصين لن ترضخ للتهديد أو الابتزاز".
وستشمل الرسوم الأميركية ما مجمله 50 مليار دولار من الواردات الصينية من أجل التعويض على ما تقول إدارة ترامب إنه "سرقة" للملكية الفكرية والتكنولوجية الأميركية.
وكان ترامب أشار إلى حزمة ثانية من الضرائب على ما قيمته 16 مليار دولار من الواردات الصينية لا تزال قيد الدرس لدى الممثل الأميركي للتجارة روبرت لايتهايزر ومن المفترض أن تدخل حيز التنفيذ "في غضون أسبوعين".
وتعتزم بكين أيضا فرض رسوم على ما مجمله 50 مليار دولار من الواردات الأميركية. كما أعرب ترامب عن استعداده لفرض ضرائب على ما قيمته 200 مليار دولار من المنتجات الإضافية "اذا زادت الصين تعرفاتها من جديد" ردا على الإجراءات الأميركية.
ويعني هذا أن تلك الإجراءات سترفع إلى 450 مليار دولار قيمة المنتجات الصينية التي ستخضع إلى ضرائب أي الغالبية الكبرى من الواردات من العملاق الآسيوي (505,6 مليارات دولار في 2017).
ويحذر الخبراء منذ أشهر من أضرار محتملة لمواجهة تجارية مماثلة ليس فقط على صعيد الاقتصاد الأميركي بل أيضا على صعيد الاقتصاد العالمي.
مضيق هرمز
في مايو/ أيار الماضي، انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من اتفاق متعدد الأطراف يقضي برفع عقوبات عن إيران في مقابل فرض قيود على برنامجها النووي. وطلبت واشنطن بعد ذلك من الدول الامتناع عن شراء النفط الإيراني اعتبارا من الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني وإلا واجهت عقوبات مالية.
وهدد الرئيس الإيراني حسن روحاني وبعض كبار قادة الجيش بمنع مرور شحنات النفط من دول الخليج عبر مضيق هرمز إذا حاولت واشنطن وقف الصادرات الإيرانية.
ويمر في مضيق هرمز ثلث صادرات العالم من النفط التي تنقل عبر البحار يوميا وهو يربط الدول المنتجة للخام في الشرق الأوسط بالأسواق الرئيسية في مناطق آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأميركا الشمالية وغيرها.
والسعودية والعراق والكويت بين أهم موردي النفط للصين بينما تمدها قطر بالغاز الطبيعي المسال، وبالتالي فإن أي إغلاق للمضيق ستكون له عواقب وخيمة على اقتصادها، وفق تقرير "رويترز".
من جهتها، قالت القيادة المركزية الأميركية، أمس الخميس، إن البحرية الأميركية مستعدة لضمان حرية الملاحة وتدفق حركة التجارة.
وقال قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري إنه إذا لم تستطع إيران بيع نفطها بسبب الضغوط الأميركية فلن يسمح لأي دولة أخرى في المنطقة بذلك. ونسبت وكالة تنسيم للأنباء إلى جعفري قوله "نأمل أن تنفذ هذه الخطة التي تحدث عنها رئيسنا إذا اقتضت الضرورة... سنجعل العدو يدرك أنه إما أن يستخدم الجميع مضيق هرمز أو لا أحد (سيستخدمه)".
استهداف واردات أوروبية
فرضت إدارة ترامب تعريفات جمركية على واردات الصلب (25%) والألومنيوم (10%) الآتية من أوروبا في يونيو/ حزيران الماضي، وتدرس إضافة تعريفات أخرى على واردات السيارات والشاحنات وقطع غيار السيارات.
وردّت المفوضية الأوروبية بفرض رسوم استيراد بواقع 25 في المائة على مجموعة من المنتجات الأميركية، ردا على الرسوم التي فرضتها واشنطن، مع توقعات بتحول النزاع إلى حرب شاملة في حال فرض ترامب رسوم على صادرات السيارات الأوروبية.
وأقرت المفوضية رسمياً قانوناً بفرض رسوم على منتجات أميركية قيمتها 2.8 مليار يورو (3.2 مليارات دولار)، من بينها منتجات الصلب والألومنيوم، ومنتجات زراعية مثل الذرة الحلوة والفول السوداني وويسكي البوربون والسراويل الجينز والدراجات النارية.
وحذّر الاتحاد الأوروبي من أن صادرات أميركية بقيمة 294 مليار دولار قد تتعرض لتدابير مضادة في حال نفّذ الرئيس ترامب تهديده بفرض رسوم على واردات السيارات.
منظمة التجارة العالمية
قبل أيام، هدد ترامب بتحرك ضد منظمة التجارة العالمية بعد أن ذكرت تقارير أنه يريد الانسحاب من المنظمة المعنية بتنظيم التجارة العالمية.
واشتكى ترامب مراراً من أن الولايات المتحدة تلقى معاملة غير عادلة في التجارة العالمية، وانتقد بشدة منظمة التجارة العالمية لسماحها بحدوث هذا.
وأبلغ ترامب الصحافيين في البيت الأبيض قائلاً: "منظمة التجارة العالمية عاملت الولايات المتحدة بشكل سيئ للغاية وآمل أن يغيروا أساليبهم. لقد ظلوا يعاملوننا بشكل سيئ جداً لسنوات كثيرة ولهذا السبب نحن في ضرر كبير مع منظمة التجارة العالمية".
وأضاف: "لا نخطط لأي شيء الآن، لكن إذا لم يعاملونا بشكل ملائم، فسنفعل شيئاً".
(العربي الجديد)