من الأيديولوجي إلى المعرفي

30 أكتوبر 2014
مدخل الارتقاء بالحركة الطلابية في المغرب مرتبط بإنهاء الخوف(أ.ف.ب)
+ الخط -

ترجع نشأة الحركة الطلابية في المغرب إلى الفترة الاستعمارية، إذ خرجت إلى الوجود تنظيمات عدة كجمعية الطلاب المغاربة واتحاد الطلاب المغاربة بفرنسا، ليتم تتويج مسار هذه التنظيمات بتأسيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بعد الاستقلال في 26 ديسمبر/كانون الأول 1956 في الرباط. وجاء بعد مخاض عسير محاولاً تجميع كل الهيئات الطلابية في منظمة واحدة والعمل على برنامج موحد، لكنها أيضا كانت بمثابة لحظة فارقة في تاريخ المؤسسة الأكاديمية المغربية. كان الاتحاد مدرسة للتكوين السياسي والفكري وصناعة الوعي الجماهيري. وفي المقابل، عانت التجربة الطلابية من محاولة الاغتيال عبر قبضة أمنية صارمة، بالحظر أحياناً والاعتقال أحياناً أخرى.

واليوم، تعيش الحركة الطلابية المغربية فوضى تنظيمية ناجمة عن غياب هيكلة متوازنة لتياراتها المختلفة، وانقساماً كبيراً أفرز ممارسات الإقصاء والهيمنة. الأمر الذي يعيق دينامية النضال الطلابي. إن مقتل الطالب، عبد الرحيم الحسناوي، في أبريل/نيسان الماضي في جامعة فاس، ضحية الصراع بين منظمة التجديد الطلابي والتيار القاعدي اليساري، يؤكد سيادة العقل الانتقامي ومنهج أحادية الرأي الذي جعل من الجامعة المغربية حلبة للاقتتال، كما أنتج ذاكرة سياسية بين الطلاب تزخر بالثأرية. يتضح وهن الحركة الطلابية في غيابها عن منعطف 20 فبراير/شباط 2011، فبالرغم من أن الطلبة كانوا سنداً رئيسيّاً في الأحداث، غير أن الحركة الطلابية لم تنخرط بشكل كامل ومؤثر في التعبير عن حاجة التغيير والانتقال نحو آفاق التنمية الشاملة التي تحرر الإنسان وتحفظ كرامته.

يغيب عن الواقع الراهن للحركة الطلابية في المغرب النضال الوحدوي، الذي يعطي الأفضلية للمطالب النقابية ومصالح الطلبة ويترفع عن المزايدات السياسية. وممّا يلاحظ في هذا الشأن، تغاضي الحركة الطلابية عن قضايا مجانية التعليم، وكذلك قضايا السكن والصحة في الجامعات، بالتوازي مع قلة وضعف البنية التحتية.

ما بين 1956 و2014 تضاعف عدد الطلبة المغاربة بحوالي 20 مرة، في حين لا يتوافر المغرب إلا على خمس عشرة جامعة، أغلبها غير مهيئ لاستقبال عدد كبير من الطلبة. علاوة على كل ما سبق، لم يتم إشراك الطلبة في صياغة السياسة التعليمية، حيث لم يدع الطلاب إلى تقديم أطروحة ورؤية للميثاق الوطني في التربية والتعليم، ولا فيما عرف بالبرنامج الاستعجالي الذي تطلع إلى إنقاذ الميثاق المذكور، ناهيك عن التعمد في تبني مناهج البرمجة الأيديولوجية، وفرض نسق معرفي موجه ينتج رعايا أوفياء لا مواطنين أحراراً.

ولا يمكن فصل ارتهان العمل الطلابي عن المشهد السياسي المغربي عامة، فالعمل السياسي أصبح مرادفاً للتحفز المصلحي والبحث عن الصفقات ومواقع السلطة، وبالتالي، فقد ثقة العموم، ليضاف إلى أعطاب الأحزاب السياسية في كل ما يتعلق بفساد النخبة، ونضوب العرض السياسي.

وصفوة القول، إن مدخل الارتقاء بالحركة الطلابية في المغرب مرتبط بإنهاء الخوف الذي ينتاب الطلاب والأكاديميين من أجهزة الأمن، والتي تتدخل في نشاطاتهم العلمية والثقافية، كما يستوجب الحد من سطوة إدارة الجامعات في مجالس الطلبة، لجعل المناصب الجامعية خارج دائرة الحسابات والولاءات السياسية. إن الحرية الأكاديمية ركن مهم في منظومة الحريات العامة لأية دولة، فضمان التعبير عن الرأي الحر وإرساء الاستقلالية الإدارية والمالية للجامعات، هي أعمدة متينة في صرح نهضة الأمم.

الحركة الطلابية المغربية مطالبة بتجاوز الحال الراهن، عبر إرساء نواة صلبة لكيانها، مبتعدة عن الأسوار الأيديولوجية، لتحقيق نقلة من ظل الأيديولوجيا إلى ظلال المعرفة.

المساهمون