13 يونيو 2021
من أي اتجاه يأتي التغيير في السودان؟
التطورات المتلاحقة في السودان، منذ 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وزيادة رقعتها الجغرافية (معظم الولايات)، والسياسية، حيث زيادة الأحزاب والقوى السياسية المنضوية في الحراك الشعبي، أو التي غادرت عباءة النظام وحكومة الوفاق، ناهيك عن زيادة سقف مطالبها، بحيث لم تقتصر على المطالب الاقتصادية التي خرجت لأجلها بداية الأمر، أو مطالب سياسية ذات سقف محدد أقصاه إقالة الحكومة الحالية برئاسة معتز موسى، وتشكيل حكومة وفاق وطني حقيقي، ليصبح السقف، بوضوح ومن دون مواربة، ليس رفض تعديل الدستور لمنع ترشح الرئيس عمر البشير، وإنما المطالبة بتنحيه فورا، حتى قبل انتهاء ولايته الرئاسية، تطرح كل هذه التطورات سؤالاً مهماً ومحورياً يتعلق بكيفية الخروج منها، أو بمعنى آخر من أي اتجاه يأتي التغيير؟
قد يحمل مفهوم التغيير دلالات مختلفة، بحسب تفسير القوى الرافعة له، فالتغيير، وفق القوى المعارضة، قد يعني التغيير الشامل، بما في ذلك رأس النظام والقوى العميقة المتغلغلة في مؤسسات الدولة ثلاثين عاماً، وإن كان ما يُرفع حتى الآن يشير إلى أن المقصود رأس النظام فقط، ربما لأهداف تكتيكية، أو الخشية من أن يؤدي رفع مطلب التغيير الشامل إلى تمسّك قوى النظام به، لأن سقوطه يعني سقوط مصالحها. ومعنى هذا أنه، وبعبارة موجزة، فإن العقبة المرحلية بالنسبة لها هي رأس النظام، بدليل محاولتها، منذ بداية الحراك، استمالة الجيش لصفّها، باعتباره أكبر الداعمين له، هو والمؤسسة الأمنية، لكنها لم تنجح حتى كتابة هذه السطور. وفي المقابل، التغيير من وجهة نظر النظام يعني التغيير الجزئي (الإصلاحي)، وليس الشامل، وهو ما عبّر عنه البشير صراحة بأن الآلية الوحيدة المسموحة لتداول السلطة عبر صناديق الانتخابات، أي التركيز على أحد الجوانب الإجرائية فقط في العملية الديمقراطية
(الانتخابات)، من دون الحديث عن قيم الديمقراطية، كالحق في التعبير والتجمع والتظاهر وحقوق الإنسان وعدم استخدام القمع والعنف، حرية الإعلام والصحافة، تشكيل الأحزاب الحقيقية، عدم الاعتقال لأسباب سياسية وغيرها. كما أنه صمت عن الحديث عن موقفه من الترشح للانتخابات وتعديل الدستور. ومعنى هذا، وفق معارضيه، أنه يريد البقاء في السلطة وتعديل الدستور، لأن الجميع يعلم أن الانتخابات سيتم تزويرها كسوابقها. ولربما لو أعلن البشير، قبيل الأزمة أو عند بدئها، رفضه فكرة تعديل الدستور، أو رفض بالونات الاختبار التي أطلقها نواب حزبه والحركة الإسلامية الرسمية بشأن ترشحه، على غرار ما حدث في موريتانيا، لكان ذلك حلا جزئيا للأزمة.
أما بالنسبة للسؤال الخاص باتجاه التغيير، فيمكن القول بوجود أربعة اتجاهات رئيسية في عملية التغيير تختلف في تفاصيلها وملابساتها، ثلاثة داخلية، والرابع خارجي. الداخلية، هناك التغيير من أعلى، ويقصد به هنا من النظام نفسه، أو تيار قوي إصلاحي داخل النخبة الحاكمة في مقابل ضعف المعارضة السياسية، حيث يدرك الطرفان (النظام والنخبة الإصلاحية) استحالة بقاء الوضع كما هو عليه، الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ولكن الاختلاف يكون حول درجة التغيير أو حجمه، فقد يكون شكليا يقوم به النظام تخفيفا للاحتقان، من قبيل إقالة الحكومة وتحميلها كل أوزاره، والإتيان بحكومة جديدة يصنعها على عينه، أو يوكل تشكيلها لقوى المعارضة، مع صلاحيات شكلية أو حتى محدودة. وربما قد يكون هذا أحد الحلول التي يفكر فيها البشير الآن. أما التغيير من فصيل قوي (إصلاحي) من النخبة الحاكمة، فقد يكون أكثر شمولا من الحالة الأولى، بحيث نكون بصدد إصلاحات سياسية حقيقية، أو حتى تغيير شامل للنظام، كحالة إسبانيا، وبروز التيار الإصلاحي بقيادة خوان كارلوس، بعد رحيل الديكتاتور فرانكو عام 1975، وقيامهم بتغيير شامل.
وفي حالة السودان، ربما يكون بروز هذا الخيار غير وارد حتى الآن، لسبب بسيط هو استمرار البشير، كما أن التيارات الإصلاحية التي خرجت عنه كانت معارضةً له، وتراجعت شعبيتها بصورة كبيرة، لا سيما في ظل الخلافات والانقسامات بينها، سواء بفعل عوامل داخلية، أو بفعل النظام ذاته. وبالتالي، فعلى الرغم من أن هذا النمط غير وارد، فإنه قد يدفع إلى النمط الثاني، وهو التغيير من أسفل، أي من قوى الشعب والقوى السياسية المعارضة للنظام. ويتوقف هذا النمط على متغيراتٍ عدة، منها قوة أطراف المعادلة السياسية الرئيسية (النظام والمعارضة) ومواقف الجيش وقوى المجتمع المدني، ناهيك عن الموقف الخارجي. وبالتالي، إذا كانت القوة متعادلة بين الجانبين، يمكن التوصل إلى حلول وسط أو تسوية تتضمن انتقالا ديمقراطيا حقيقيا، وانفراجة حقيقية، وليست شكلية، كحالات كثيرة، أبرزها جنوب أفريقيا إبّان مانديلا، وغيرها في أميركا اللاتينية، أو قد يكون التغيير شاملا، حال ميل الكفة كليا لصالح المعارضة، من خلال نجاح الثورة السلمية، أو تعرّض النظام لأزمةٍ خارجيةٍ، تؤدي إلى سقوطه (هزيمته في حرب مثلا)، كحالة الأرجنتين بعد حرب فوكلاند 1982.
وبالتطبيق على الحالة السودانية، على الرغم من أن موضوع التوصل إلى تسويةٍ هو الأقرب، إلا أنه سيحتاج وقتا، لا سيما وأن على قوى المعارضة توسيع قاعدة الاصطفاف الوطني، ونبذ الخلافات بينها من ناحية. وربما هناك تطورات مهمة في هذا الشأن، مثل ميثاق الخلاص الذي طرحه زعيم حزب الأمة، الصادق المهدي، أخيرا، أو ميثاق الحرية والتغيير بمشاركته وتجمّع المهنيين الذي يقود الحراك الأخير. كما على هذه القوى إرسال رسائل طمأنة إلى القوى المشاركة مع البشير بعدم المساس بها أو بمصالحها، في محاولة لتحييدها أو ضمها إليها. والأمر نفسه بالنسبة للمؤسسة العسكرية. أما غاية المنى، وفق هذا التوجه، فهو إسقاط البشير ونجاح الثورة، على غرار ما حدث في ثورتي 1964 و1985، وهو ما يتطلب شروطاً داخلية إضافية، أهمها تحييد مؤسستي الدفاع والأمن حدا أدنى، أو انحيازهما للشعب حداً أقصى. أما التغيير الداخلي الثالث، فيتم من خلال المؤسسة العسكرية ذاتها، مستغلة ضعف الطرفين الأساسيين (النظام والمعارضة). وعلى الرغم من أن السودان شهد عدة انقلابات
عسكرية، إلا أنها كانت ضد نظم ديمقراطية، وليست ضد نظم عسكرية. وربما هذا هو الفارق الآن، خصوصا أن النظام الحالي عتيد، ناهيك عن سيطرته وأتباعه على كل مفاصل الجيش. وبالتالي، ربما يكون هذا الاحتمال غير وارد الآن.
أما النمط الرابع للتغيير فهو من الخارج، سواء عبر التدخل العسكري المباشر بذرائع مختلفة، كالتدخل الأميركي في أفغانستان في 2001 لمواجهة حركة طالبان، أو في العراق في 2003 لإسقاط صدام حسين، أو التدخل الإثيوبي بالوكالة في الصومال في 2006 لإسقاط "المحاكم الإسلامية"، أو عبر دعم القوى المعارضة للنظام بمختلف أنواع الدعم لإسقاط النظام، كالدعم السعودي الإماراتي الانقلاب ضد الرئيس محمد مرسي في مصر في 2013، وغيرها كثير. ولكن من الواضح أن هذا الدور غير وارد أيضا حتى الآن. ربما لأسباب عدة، منها خشية القوى الإقليمية من نجاح الثورة في السودان، وبالتالي إحياء فكرة الربيع العربي، بعدما تم إخمادها تقريبا، باستثناء تونس لأسباب خاصة بها، كما أن الغرب غير متحمس للوضع في السودان، أو ربما هناك خشية من الصدام هذه المرة مع روسيا والصين.
وفي ضوء ما سبق، يبدو أن اتجاه التغيير عبر التوصل إلى اتفاقٍ هو الأرجح. ويتوقف نطاق هذا التغيير على مدى قوة طرفي الأزمة وصلابتهما بالأساس، فضلا عن القوى المحيطة بهما، المجتمع المدني، المؤسستان الأمنية والعسكرية، في الداخل، والموقف الخارجي الإقليمي والدولي دعما أو حيادا لهذا الطرف أو ذاك.
أما بالنسبة للسؤال الخاص باتجاه التغيير، فيمكن القول بوجود أربعة اتجاهات رئيسية في عملية التغيير تختلف في تفاصيلها وملابساتها، ثلاثة داخلية، والرابع خارجي. الداخلية، هناك التغيير من أعلى، ويقصد به هنا من النظام نفسه، أو تيار قوي إصلاحي داخل النخبة الحاكمة في مقابل ضعف المعارضة السياسية، حيث يدرك الطرفان (النظام والنخبة الإصلاحية) استحالة بقاء الوضع كما هو عليه، الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ولكن الاختلاف يكون حول درجة التغيير أو حجمه، فقد يكون شكليا يقوم به النظام تخفيفا للاحتقان، من قبيل إقالة الحكومة وتحميلها كل أوزاره، والإتيان بحكومة جديدة يصنعها على عينه، أو يوكل تشكيلها لقوى المعارضة، مع صلاحيات شكلية أو حتى محدودة. وربما قد يكون هذا أحد الحلول التي يفكر فيها البشير الآن. أما التغيير من فصيل قوي (إصلاحي) من النخبة الحاكمة، فقد يكون أكثر شمولا من الحالة الأولى، بحيث نكون بصدد إصلاحات سياسية حقيقية، أو حتى تغيير شامل للنظام، كحالة إسبانيا، وبروز التيار الإصلاحي بقيادة خوان كارلوس، بعد رحيل الديكتاتور فرانكو عام 1975، وقيامهم بتغيير شامل.
وفي حالة السودان، ربما يكون بروز هذا الخيار غير وارد حتى الآن، لسبب بسيط هو استمرار البشير، كما أن التيارات الإصلاحية التي خرجت عنه كانت معارضةً له، وتراجعت شعبيتها بصورة كبيرة، لا سيما في ظل الخلافات والانقسامات بينها، سواء بفعل عوامل داخلية، أو بفعل النظام ذاته. وبالتالي، فعلى الرغم من أن هذا النمط غير وارد، فإنه قد يدفع إلى النمط الثاني، وهو التغيير من أسفل، أي من قوى الشعب والقوى السياسية المعارضة للنظام. ويتوقف هذا النمط على متغيراتٍ عدة، منها قوة أطراف المعادلة السياسية الرئيسية (النظام والمعارضة) ومواقف الجيش وقوى المجتمع المدني، ناهيك عن الموقف الخارجي. وبالتالي، إذا كانت القوة متعادلة بين الجانبين، يمكن التوصل إلى حلول وسط أو تسوية تتضمن انتقالا ديمقراطيا حقيقيا، وانفراجة حقيقية، وليست شكلية، كحالات كثيرة، أبرزها جنوب أفريقيا إبّان مانديلا، وغيرها في أميركا اللاتينية، أو قد يكون التغيير شاملا، حال ميل الكفة كليا لصالح المعارضة، من خلال نجاح الثورة السلمية، أو تعرّض النظام لأزمةٍ خارجيةٍ، تؤدي إلى سقوطه (هزيمته في حرب مثلا)، كحالة الأرجنتين بعد حرب فوكلاند 1982.
وبالتطبيق على الحالة السودانية، على الرغم من أن موضوع التوصل إلى تسويةٍ هو الأقرب، إلا أنه سيحتاج وقتا، لا سيما وأن على قوى المعارضة توسيع قاعدة الاصطفاف الوطني، ونبذ الخلافات بينها من ناحية. وربما هناك تطورات مهمة في هذا الشأن، مثل ميثاق الخلاص الذي طرحه زعيم حزب الأمة، الصادق المهدي، أخيرا، أو ميثاق الحرية والتغيير بمشاركته وتجمّع المهنيين الذي يقود الحراك الأخير. كما على هذه القوى إرسال رسائل طمأنة إلى القوى المشاركة مع البشير بعدم المساس بها أو بمصالحها، في محاولة لتحييدها أو ضمها إليها. والأمر نفسه بالنسبة للمؤسسة العسكرية. أما غاية المنى، وفق هذا التوجه، فهو إسقاط البشير ونجاح الثورة، على غرار ما حدث في ثورتي 1964 و1985، وهو ما يتطلب شروطاً داخلية إضافية، أهمها تحييد مؤسستي الدفاع والأمن حدا أدنى، أو انحيازهما للشعب حداً أقصى. أما التغيير الداخلي الثالث، فيتم من خلال المؤسسة العسكرية ذاتها، مستغلة ضعف الطرفين الأساسيين (النظام والمعارضة). وعلى الرغم من أن السودان شهد عدة انقلابات
أما النمط الرابع للتغيير فهو من الخارج، سواء عبر التدخل العسكري المباشر بذرائع مختلفة، كالتدخل الأميركي في أفغانستان في 2001 لمواجهة حركة طالبان، أو في العراق في 2003 لإسقاط صدام حسين، أو التدخل الإثيوبي بالوكالة في الصومال في 2006 لإسقاط "المحاكم الإسلامية"، أو عبر دعم القوى المعارضة للنظام بمختلف أنواع الدعم لإسقاط النظام، كالدعم السعودي الإماراتي الانقلاب ضد الرئيس محمد مرسي في مصر في 2013، وغيرها كثير. ولكن من الواضح أن هذا الدور غير وارد أيضا حتى الآن. ربما لأسباب عدة، منها خشية القوى الإقليمية من نجاح الثورة في السودان، وبالتالي إحياء فكرة الربيع العربي، بعدما تم إخمادها تقريبا، باستثناء تونس لأسباب خاصة بها، كما أن الغرب غير متحمس للوضع في السودان، أو ربما هناك خشية من الصدام هذه المرة مع روسيا والصين.
وفي ضوء ما سبق، يبدو أن اتجاه التغيير عبر التوصل إلى اتفاقٍ هو الأرجح. ويتوقف نطاق هذا التغيير على مدى قوة طرفي الأزمة وصلابتهما بالأساس، فضلا عن القوى المحيطة بهما، المجتمع المدني، المؤسستان الأمنية والعسكرية، في الداخل، والموقف الخارجي الإقليمي والدولي دعما أو حيادا لهذا الطرف أو ذاك.