من أينشتاين إلى إثبات الموجات الثقالية

21 فبراير 2016
التحام ثقبين أسودين أدى لنشوء موجات ثقالية انتشرت بالكون(Getty)
+ الخط -
ذات يوم من 1907، حينما كان ألبرت أينشتاين في مدينة بارن، خطرت في باله فكرة ثورية أصبحت فيما بعد الركيزة الأساسية في النظرية النسبية العامة. يذكر ألبرت أينشتاين أنه حينما كان جالساً على كرسي في المكتب الفدرالي في بارن، فجأة فكر في مسألة مضمونها أن الشخص الذي يسقط سقوطاً حراً، لا يشعر بوزنه الخاص. فشدت هذه الفكرة انتباهه، إلى أن دفعته إلى طرح النظرية الجديدة للجاذبية (الثقالية). وما فهمه ألبرت أينشتاين من ذلك يتمثل في أن سقوطنا الحر ينجر عنه سقوط كل ما هو قريب منا بنفس السرعة، التي نهوي بها، مما يجعلنا نظن أن الجاذبية منعدمة في محيطنا، وإن كنا نتعرض لتأثيرها علينا. ألا يعتبر هذا الأمر غريباً؟ وبذلك يعتبر الوضع وكأن تسارع السقوط الحر يلغي مجال الجاذبية المحلي.

وانطلاقاً من هذا التعجب، اقترح أينشتاين وجود تعريف صوري بين الجاذبية والتسارع: بحيث إذا كان التسارع يلغي مجالاً حقيقياً للجاذبية، فإنه بالأحرى يمكنه أن ينتج ظاهرياً مجالا آخر للجاذبية حيث لا يوجد. ونتيجة لهذا المبدأ (مبدأ التكافؤ)، فإن الشخص الذي يتواجد في عربة مصعد بدون نوافذ، فإنه يصعب عليه تحديد ما إذا كان ساكناً في أثناء تأثير مجال الجاذبية أو من دونه، في حال كانت سرعة المصعد ثابتة. ففي كلا الحالتين، يشعر الشخص بالتصاق رجليه على أرضية المصعد، وإن ترك شيئاً يسقط من يده فإنه سوف يستقر إلى الأسفل، مثلما يحصل على سطح الأرض. وقطعاً، يجب أن تكون القوانين الفيزيائية موحدة في كلا الحالتين.

وبعد أربع سنوات، ومن مدينة براغ، قدم أينشتاين الانفراج الثاني في الفهم، وهو أن مبدأ التكافؤ يعني أن الضوء كذلك، على الرغم من أنه عديم الكتلة، فإنه لا يسلك خطاً مستقيماً في مجال الجاذبية.

تخيل أن غرفة مصعد لديها حركة متسارعة ويمر شعاع ضوء موازٍ لأرضيتها، من خلال فتحة صغيرة في أحد جدرانه. كما أن سرعة الضوء ليست إلى ما لا نهاية، حيث يحتاج الضوء لبعض الوقت للوصول إلى الجدار المقابل، وخلال هذه الفترة سيتم انتقال عربة المصعد صعودا، مما يضع نقطة سقوط شعاع الضوء على الجدار المقابل أقرب إلى أرضية غرفة المصعد منها إلى نقطة الدخول. فإذا استطعنا أن نلاحظ مسار أشعة الضوء، التي تمر من خلال غرفة المصعد، فإننا نلاحظ عليها انحناء بسبب التسارع نحو الأعلى. ففي هذه الحالة ماذا يقر مبدأ التكافؤ؟ بتطبيق هذا المبدأ، سوف يخبرنا أن التأثير يكون متشابها في حال غرفة مصعد ثابتة التسارع في مجال الجاذبية. ومن الواضح، على عكس ما يحدث في النظرية التقليدية، فإن مسار الضوء يجب أن ينحني بتأثير الجاذبية! وبحلول نهاية عام 1911، اقترح أينشتاين أن انحراف الضوء الذي قام باحتسابه يمكن استخدامه مع الضوء، الذي يصلنا من النجوم الثابتة. وفي عام 1913، وعند عودة أينشتاين إلى زيوريخ، درس بمساعدة مارسيل جروسمان هندسة المساحات المنحنية، التي تم وضعها من قبل برنارد ريمان. هذا الأخير تطرق إلى انحناء الفضاء، ولكن أينشتاين وصديقه عمما أعماله إلى الزمكان بأكمله. وفي مقالة كتبها، طرح فكرة أن الجاذبية ليست قوة، ولكنها عبارة عن ظهور محلي محدد لانحناء الزمكان. وفقا لهم، فإن هندسة الكون هي في الواقع منحنية بتأثير الكتل التي تحتويها، وفي المقابل، فإن هندسة الزمكان تحدد مباشرة حركة الأجسام المادية في داخلها.

ومع ذلك، وبسبب خطأ من قبل أينشتاين، لم يتمكنوا من العثور على المعادلات، التي تربط انحناء الزمكان إلى الكتلة والطاقة التي تحتويها. وفي عام 1914، واصل أينشتاين العمل على هذه المشكلة في برلين، واستطاع الوصول إلى المعادلات الصحيحة في نهاية عام 1915. وخلال مؤتمر ألقاه يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن أن انحناء الضوء، الذي يمر بالقرب من الشمس، يكبر مرتين عما تم الإعلان عنه في عام 1911.

وفي عام 1916، عندما كان مريضا منهكاً من سنوات العمل المكثف، تساءل أينشتاين عما إذا كان تحرك كتلة ما بسرعة يؤدي بها إلى أن تشع "موجات ثقالية" بنفس الطريقة، التي تسرع بها شحنة كهربائية حتى تشع موجات كهرومغناطيسية. وسرعان ما وجد الحلول لمعادلاته بخصوص موجات الزمكان التي تنتشر بسرعة الضوء. ومن خلال رحلة هذه الموجات، ينبغي لها أن تهز نسيج الزمكان، والذي من شأنه أن يؤدي إلى تغيير وجيز للمسافة بين نقطتين في الفضاء.

ولأن الجاذبية تعد منخفضة للغاية في شدتها، فإنه يصعب كشف الموجات الناتجة من هذا القبيل. في الواقع، لم يكن من الممكن الكشف عنها إلا بتواطؤ حدث هام وقع منذ أكثر من مليار سنة: دمج ثقبين أسودين متجاورين بسرعة تساوي ثلثي سرعة الضوء. ونشرت هذه الظاهرة العنيفة طاقة كبيرة جداً تعادل طاقة 3 شموس في 20 جزءاً من الثانية فقط، تولدت عنها موجات ثقالية، والتي فقدت تدريجيا من طاقتها في أثناء رحلتها الطويلة. وقد مرت هذه الموجات الثقالية من خلال الأرض، يوم 14 سبتمبر/أيلول 2015 عند الساعة 09:50 و45 ثانية (التوقيت العالمي)، وتم رصدها بفضل أجهزة حساسة للغاية في مركز LIGO. إن الإنجاز الكبير الذي تم قياسه بفضل هذا الجهاز الحساس، يتمثل في تسجيل تغيرات في الطول أقل بكثير من حجم البروتون.

ويعتبر الاكتشاف في الواقع مزدوجاً: وهو التوصل إلى الدليل على واقع الموجات الثقالية، كما يؤكد بدوره، على وجود الثقوب السوداء (التي كانت محل نزاع من قبل بعض العلماء) وإمكانية التحامها ببعضها بعضاً. إن إعلان 11 فبراير/شباط، وذلك في زمن الاحتفالات بالذكرى المائوية لصانع النظرية النسبية، والذي يبدو من خلال تتبع تاريخها أنها نتيجة لفكرة بسيطة في الواقع، استطاعت أن تنفجر ذات يوم، مثل فقاعة في دماغ عبقري لتعم الكون بضيائها.


اقرأ أيضاً: مؤتمر "MWC 2016": رحلة لاكتشاف آخر صيحات التكنولوجيا
المساهمون