من أجل فلسطين
وبات من الجلي، اليوم، أن "المفاوضات" مع منظمة التحرير الفلسطينية لن تُستأنف في القريب العاجل، وأن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي سيستمر، وأن سياسات نتنياهو ستكون أكثر إمعاناً في حرمان الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة. وفي حال حافظ الجمهوريون على الأغلبية في الكونغرس الأميركي، وهم يستجيبون بقدر أكبر من نظرائهم الديمقراطيين لمطالب مجموعة الضغط الصهيونية "إيباك"، كما حدث حين دعوا نتنياهو لمخاطبة الكونغرس، فإن أي رعاية أميركية لاستئناف "المفاوضات" سوف تكون عبثية، لا سيما أن اليمين الإسرائيلي ملتزم بعدم قيام دولة فلسطينية في المدى المنظور، وفي حال ستكون الحكومة الإسرائيلية أكثر عدوانية في سياساتها، كما هو متوقع، فذلك يتطلب التزاماً عربياً واضحاً وأكثر فاعلية. فهذا الالتزام من شأنه أن يصحح شوائب وانقسامات متكاثرة في العديد من أقطارنا العربية. أجل، كانت فلسطين بوصلة العمل العربي المشترك، كما العامل الرئيس في التزامنا بوحدة الأمة. إن استرجاع القضية الفلسطينية مكانتها في العالم العربي يستدعي قيادة فلسطينية موحدة، وملهمة، قادرة على جعل حقوق الشعب الفلسطيني المستباحة أولوية نضالية للشعب العربي، وتذكير العرب بأن فلسطين مسؤولية ملقاة على عاتقهم لإزالة الغبن التاريخي الذي ألحقه بها المشروع الصهيوني. هذا الالتزام يوفر مناعة تملأ الفراغ الراهن في عالمنا العربي، وتحول دون الانجذاب إلى التقوقع الطائفي والمذهبي.إلا أنه وعلى الرغم من التحديات الخطيرة والصعبة التي تنتظرنا، يبقى على الشعب الفلسطيني أن يسرّع في تحقيق وحدته الوطنية، لكي تكون لمقاومته مرجعية واضحة، تقود المواجهة المرتقبة مع اليمين الإسرائيلي. كذلك هناك ضرورة للسعي الحثيث إلى استعادة التزام الجماهير العربية لمركزية القضية الفلسطينية التي ستخرجهم من حالة القلق والإحباط التي تسود أجواء العالم العربي في الوقت الراهن، إلا أن هذه المرجعية الفلسطينية التي ستقود النضال تتطلب قيادة متحدة، تتمكن من تفعيل الحملة الوطنية لمقاطعة إسرائيل، الجاذبة للأجيال الجديدة عربياً ودولياً، وعدم حصر التفاوض مع إسرائيل بوساطة الإدارة الأميركية، بل الاعتماد على التأييد الدولي الذي تحظى به القضية الفلسطينية. ومن شأن توسيع أطر الضغط على إسرائيل تحصين الموقف الفلسطيني، وربما تطويق الفيتو الأميركي المرجح لأي قرار يصدر عن مجلس الأمن، كما التصدي للحملات السياسية والإعلامية التي تشنها إسرائيل.
وأخيراً، لعل طبيعة حكومة نتنياهو الجديدة، وما تنطوي عليه من تصميم على هضم حقوق الفلسطينيين، وحرمانهم من أرضهم، من شأنه أن يعيد إلينا مسؤوليتنا القومية تجاه هذه القضية الإنسانية. هذا ليس من باب التمني، بل هو مسؤولية تاريخية، نتحملها جميعاً من أجل حاضرنا المحبط، ومستقبل أجيالنا المقبلة الواعد.