بعد أكثر من عقدين أو ثلاثة عقود من تبني مفهوم "التنويع الاقتصادي" كاستراتيجية للتنمية في دول الخليج العربي، ما زالت النتائج مخيبة للآمال، ومازال النفط يلعب دوراً أساسياً في الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات والصادرات ونمو القطاعات كافة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
لا تعرف اقتصادات الخليج، حتى الآن، التنويع الاقتصادي الحقيقي، لذلك فإن أي تذبذب في أسعار النفط ينعكس على الاقتصاد برمته.
يمكن القول إن "التنويع" الذي حدث لا يتجاوز إقامة أجزاء غير مترابطة من بنية تحتية مادية، وبعض الصناعات التي تعتمد على النفط والغاز.
صحيح أن القطاع غير الهيدروكربوني نما بمعدل أعلى بكثير من القطاع الهيدروكربوني، إلا أن هذا النمو اعتمد أساساً على القطاع الهيدروكربوني نفسه، حيث نما قطاع البتروكيماويات الذي يعتمد على النفط والغاز، وبالتالي لا يعتد به كقطاع مستقل، أو كقطاع متنوع مع قطاعات أخرى.
تبدو تبعية القطاعات غير الهيدروكربونية على قطاع النفط والغاز من تمركزها في قطاعات بعينها، مثل قطاع الصناعات التحويلية، ومن تأثر موادها الأولية أو منتجاتها النهائية بتغيرات أسعار النفط والغاز، ومن تمركز العمالة في أنشطة محددة، ومن انخفاض الإنتاجية وانخفاض القدرة على المنافسة، وذلك بسبب تكدس العمال أو تمركز رأس المال، الذي يخفض الانتاجية ويحد من القدرة على المنافسة، إضافة إلى كل ذلك، وفي إشارة إلى عدم التنويع، هو نمو القطاع الحكومي بشكل كبير جداً في دول مجلس التعاون، وما يسببه من بطالة مقنعة لا يمكن تجاهلها.
ما زالت مساهمة القطاعات غير النفطية متواضعة، فما زالت مساهمة القطاع الزراعي في كافة دول مجلس التعاون لا تتجاوز 2%، وكذلك مساهمة القطاع الصناعي لا تتجاوز 6%.
لقد حدث في دول الخليج العربي تنوع اسمي بسيط، باتجاه صناعات تقوم على النفط والغاز. لاحظوا أننا في نطاق نفس القطاع، بفعل إيرادات النفط والغاز التي تراكمت بشكل كبير خلال سنوات ارتفاع الأسعار، لكن ذلك لن يكون ممكناً في حال استمرار أسعار النفط بالانخفاض، ولذلك فإن آفاق هذا التنوع الشكلي سوف تضعف وتتلاشى.
لن يكون ممكناً، في المستقبل، في ظل الانكماش الحالي لأسعار النفط، متابعة هذا التنوع الشكلي، لأن كل العوامل المساعدة السابقة ستصبح غير ممكنة، سواء حيث توفر الموارد المالية، أو العمالة الأجنبية الرخيصة المستقدمة لفترات محدودة، أو المواد الأولية والطاقة بأسعار منخفضة، أو القدرة على الاستهلاك التي تحتاج للبشر، أو القدرة على التصدير.
ما هو التنويع الاقتصادي الحقيقي الذي يحمي الاقتصاد من التذبذبات المفاجئة ذات الصلة بعوامل العرض والطلب؟ ما هو التنويع الذي ينشط كافة القطاعات الاقتصادية، وليس صناعة بحد ذاتها، أو زراعة مكلفة، أو قطاعاً بعينه؟ ما هو التنويع الذي يجعل الاقتصاد متنوعاً بكل معنى الكلمة؟ من حيث منتجاته وصادراته ووارداته واستثماراته وعمالته والتكنولوجية التي يستخدمها؟
لا عدد من الصناعات، ولا عدد من المستثمرين، ولا عدد من العمال المستقدمين من دول أخرى، ولا أي شيء آخر يجعل الاقتصاد متنوعاً، إنما عمالة محلية عالية الجودة، ورأس مال وطني، وتقنيات جديدة متطورة. إنه باختصار انتشار شامل للتكنولوجيا والمعرفة في كل مناحي المجتمع والاقتصاد، انتشار يؤدي لترسيخ قيم الإبداع والوصول إلى إنتاج وتصدير مجموعة واسعة من المنتجات ذات القيمة العالية والمزايا التنافسية.
ربما يكون من المفيد من أجل فهم هذه المقاربة مقارنة دول مجلس التعاون الخليجي بدول أخرى عرفت تنويعاً حقيقياً وسارت باتجاه اقتصاد المعرفة، رغم أنها منذ سنوات كانت دولاً ناشئة، مثل هونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية الخ، ولكن الدولة النفطية الأكثر إثارة في تجربتها مقارنة مع الدول الخليجية هي النرويج.
فالنرويج دولة نفطية، فهي ثالث أو رابع دولة مصدرة للنفط في العالم، كانت تنتج حوالى 3 ملايين برميل يومياً عام 2001، ثم انخفض إنتاجها إلى 2.25 مليون برميل عام 2006، وانخفض إلى 1.99 مليون برميل عام 2013، ولم يتأثر اقتصادها، مثلما أنه لم يتأثر حالياً بانخفاض أسعار النفط، لأن اقتصادها لا يعتمد على النفط، وإنما على اقتصاد متنوع بشكل حقيقي.
بعد إدراك مفهوم التنويع الحقيقي لابد من شموله لمفهوم التخصص، وامتلاك مزايا تنافسية لعدد من المنتجات في الأسواق العالمية. لن تستطيع دولة أن تتعامل مع العالم وتتبادل منتجاتها إذا لم تتمتع بمزايا نسبية، في السيارات والأسلحة كما في الولايات المتحدة الأميركية، أو في الصناعات الإلكترونية والسيارات كما في اليابان، أو في المنتجات الزراعية والحيوانية كما في نيوزلندا والدانمارك، أو في الخدمات المالية كما في انجلترا.
اعتمدت هذه البلدان التي تخصصت وملكت مزايا نسبية على اقتصاد متكامل للمعرفة، وعلى توظيف كافة وسائل العلم والتقنية في الإنتاج، فضلاً عن اعتماد أساليب التسويق المتطورة.
لا تعرف اقتصادات الخليج، حتى الآن، التنويع الاقتصادي الحقيقي، لذلك فإن أي تذبذب في أسعار النفط ينعكس على الاقتصاد برمته.
يمكن القول إن "التنويع" الذي حدث لا يتجاوز إقامة أجزاء غير مترابطة من بنية تحتية مادية، وبعض الصناعات التي تعتمد على النفط والغاز.
صحيح أن القطاع غير الهيدروكربوني نما بمعدل أعلى بكثير من القطاع الهيدروكربوني، إلا أن هذا النمو اعتمد أساساً على القطاع الهيدروكربوني نفسه، حيث نما قطاع البتروكيماويات الذي يعتمد على النفط والغاز، وبالتالي لا يعتد به كقطاع مستقل، أو كقطاع متنوع مع قطاعات أخرى.
تبدو تبعية القطاعات غير الهيدروكربونية على قطاع النفط والغاز من تمركزها في قطاعات بعينها، مثل قطاع الصناعات التحويلية، ومن تأثر موادها الأولية أو منتجاتها النهائية بتغيرات أسعار النفط والغاز، ومن تمركز العمالة في أنشطة محددة، ومن انخفاض الإنتاجية وانخفاض القدرة على المنافسة، وذلك بسبب تكدس العمال أو تمركز رأس المال، الذي يخفض الانتاجية ويحد من القدرة على المنافسة، إضافة إلى كل ذلك، وفي إشارة إلى عدم التنويع، هو نمو القطاع الحكومي بشكل كبير جداً في دول مجلس التعاون، وما يسببه من بطالة مقنعة لا يمكن تجاهلها.
ما زالت مساهمة القطاعات غير النفطية متواضعة، فما زالت مساهمة القطاع الزراعي في كافة دول مجلس التعاون لا تتجاوز 2%، وكذلك مساهمة القطاع الصناعي لا تتجاوز 6%.
لقد حدث في دول الخليج العربي تنوع اسمي بسيط، باتجاه صناعات تقوم على النفط والغاز. لاحظوا أننا في نطاق نفس القطاع، بفعل إيرادات النفط والغاز التي تراكمت بشكل كبير خلال سنوات ارتفاع الأسعار، لكن ذلك لن يكون ممكناً في حال استمرار أسعار النفط بالانخفاض، ولذلك فإن آفاق هذا التنوع الشكلي سوف تضعف وتتلاشى.
لن يكون ممكناً، في المستقبل، في ظل الانكماش الحالي لأسعار النفط، متابعة هذا التنوع الشكلي، لأن كل العوامل المساعدة السابقة ستصبح غير ممكنة، سواء حيث توفر الموارد المالية، أو العمالة الأجنبية الرخيصة المستقدمة لفترات محدودة، أو المواد الأولية والطاقة بأسعار منخفضة، أو القدرة على الاستهلاك التي تحتاج للبشر، أو القدرة على التصدير.
ما هو التنويع الاقتصادي الحقيقي الذي يحمي الاقتصاد من التذبذبات المفاجئة ذات الصلة بعوامل العرض والطلب؟ ما هو التنويع الذي ينشط كافة القطاعات الاقتصادية، وليس صناعة بحد ذاتها، أو زراعة مكلفة، أو قطاعاً بعينه؟ ما هو التنويع الذي يجعل الاقتصاد متنوعاً بكل معنى الكلمة؟ من حيث منتجاته وصادراته ووارداته واستثماراته وعمالته والتكنولوجية التي يستخدمها؟
لا عدد من الصناعات، ولا عدد من المستثمرين، ولا عدد من العمال المستقدمين من دول أخرى، ولا أي شيء آخر يجعل الاقتصاد متنوعاً، إنما عمالة محلية عالية الجودة، ورأس مال وطني، وتقنيات جديدة متطورة. إنه باختصار انتشار شامل للتكنولوجيا والمعرفة في كل مناحي المجتمع والاقتصاد، انتشار يؤدي لترسيخ قيم الإبداع والوصول إلى إنتاج وتصدير مجموعة واسعة من المنتجات ذات القيمة العالية والمزايا التنافسية.
ربما يكون من المفيد من أجل فهم هذه المقاربة مقارنة دول مجلس التعاون الخليجي بدول أخرى عرفت تنويعاً حقيقياً وسارت باتجاه اقتصاد المعرفة، رغم أنها منذ سنوات كانت دولاً ناشئة، مثل هونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية الخ، ولكن الدولة النفطية الأكثر إثارة في تجربتها مقارنة مع الدول الخليجية هي النرويج.
فالنرويج دولة نفطية، فهي ثالث أو رابع دولة مصدرة للنفط في العالم، كانت تنتج حوالى 3 ملايين برميل يومياً عام 2001، ثم انخفض إنتاجها إلى 2.25 مليون برميل عام 2006، وانخفض إلى 1.99 مليون برميل عام 2013، ولم يتأثر اقتصادها، مثلما أنه لم يتأثر حالياً بانخفاض أسعار النفط، لأن اقتصادها لا يعتمد على النفط، وإنما على اقتصاد متنوع بشكل حقيقي.
بعد إدراك مفهوم التنويع الحقيقي لابد من شموله لمفهوم التخصص، وامتلاك مزايا تنافسية لعدد من المنتجات في الأسواق العالمية. لن تستطيع دولة أن تتعامل مع العالم وتتبادل منتجاتها إذا لم تتمتع بمزايا نسبية، في السيارات والأسلحة كما في الولايات المتحدة الأميركية، أو في الصناعات الإلكترونية والسيارات كما في اليابان، أو في المنتجات الزراعية والحيوانية كما في نيوزلندا والدانمارك، أو في الخدمات المالية كما في انجلترا.
اعتمدت هذه البلدان التي تخصصت وملكت مزايا نسبية على اقتصاد متكامل للمعرفة، وعلى توظيف كافة وسائل العلم والتقنية في الإنتاج، فضلاً عن اعتماد أساليب التسويق المتطورة.