بعد جدل قانوني في المحاكم وخارجها، استمر سنة ونصف سنة، قضت المحكمة العليا، بأغلبية بسيطة 5 ضد 4، بأنّ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حظر مواطني ستة بلدان؛ 5 منها ذات غالبية مسلمة (اليمن وسورية وليبيا وإيران والصومال وكوريا الشمالية) من دخول أميركا، يقع ضمن صلاحياته، وبالتالي لا غبار على دستوريته.
بذلك حسم ترامب الأمر، وحقق واحداً من أبرز بنود حملته الانتخابية، وصار مطلق اليدين في تحديد سياسة منح تأشيرات الدخول إلى أميركا. وقد يمنحه هذا "النصر" من أعلى سلطة قضائية في البلاد، المزيد من الزخم لحمل الكونغرس على سنّ قانون جديد للهجرة، ينطبق مع مقاييسه ومواصفاته الضيقة لها.
صدور الحكم بأغلبية صوت واحد، يعكس تركيبة المحكمة التي ترجح فيها كفة المحافظين، أكثر مما ترجح فيه جدارة حيثياته القانونية. وإذا كان ذلك لا يقلل من قوته كتفويض للرئيس، إلا أنّه لا يقلل أيضاً من جدارة الرأي المخالف الذي كاد أن يطيح بقرار ترامب، لولا تعيينه قبل سنة للقاضي المحافظ نيل غورساك.
تعليل الأكثرية لرأيها بأنّ من حق الرئيس اتخاذ الإجراءات اللازمة "لحماية الأمن الوطني"، غير متماسك كفاية. ذلك أنّ المطروح هنا ليس أحقية السلطة التنفيذية في إدارة شؤون الأمن، بل دستورية هذه الإجراءات. والقول إنّ المحكمة العليا "لا تريد أن تجادل السلطة التنفيذية في أمور الأمن"، لا يستقيم بالقدر المطلوب، وإلا فلم وقف أربعة قضاة ضد الحكم.
في القضايا المتماسكة دستورياً (المحكمة العليا تبت في الدعاوى من هذه الناحية فقط)، قلما تنقسم المحكمة بهذا الشكل. القاضية المعترضة سونيا سوتومايور، انتقدت المحكمة لأنّها مارست "الازدواجية" في حكمها هذا.
وقد توالت انتقادات كثيرة من هذا النوع، "قرار المحكمة يمأسس للتمييز بين المعتقدات الدينية"، كما قالت إحدى المنظمات القانونية. نفس التعبير استخدمه النائب الديمقراطي جو كراولي الذي رأى أنّ الحكم "يشرعن التمييز واللاتسامح الديني". كما أعرب العديد من الديمقراطيين، مثل السناتور ديك ديربن، عن خيبتهم من تصديق المحكمة على القرار الرئاسي.
وحدهم الجمهوريون في الكونغرس، والمحافظون ومؤيدو الرئيس، رحّبوا بقرار المحكمة. من قياداتهم؛ أعرب السناتور ميتش ماكونيل، عن ارتياحه للحكم، في حين كان قد عارض قرار الحظر عندما أصدره ترامب في مطلع 2017، بعد أيام من توليه الرئاسة. لكن الآن انتخابات الكونغرس على الأبواب في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ويبدو أنّ الجمهوريين يطمحون إلى توظيف كسب هذه الجولة في المحكمة لصالحهم.
لا يخفى أنّ الموضوع قد ترك ظل تسييسه على المحكمة. كما لا يخفى أنّ القرار موجّه نحو المسلمين. الناطق الرسمي في البيت الأبيض، قال إنّ الرئيس لا يشمل جميع المسلمين بالمنع. صحيح. لكن الصحيح أيضاً أنّ تسويغ المنع من جانب المحكمة العليا، يؤسس لتوسيع المنع لاحقاً.
في الأصل هو قرار سياسي، وتقونن الآن. المرشح ترامب قد أعلن بدون مواربة، عشية بدء حملته الانتخابية في ديسمبر/كانون الأول 2015؛ أنّ المسلمين غير مرغوب فيهم، ومطلوب "منعهم من السفر إلى أميركا"، وحتى إشعار آخر. لاحقاً حصر المنع بست دول، لتنفيس الضجة. لكن المقصود بقي على حاله.
والآن جاءه التسويغ في لحظة يواجه فيها معارضة عارمة ضد إجراءات فصل الأطفال عن ذويهم اللاجئين، عند الحدود الجنوبية، والتي فرضت عليه بعض التراجع. مكسب يستقوي به ترامب للتأكيد على سياسة "صفر تسامح"، مع القادمين عبر تلك الحدود، وغيرها، وبما يمكّنه من شد عصب قاعدته المؤيدة له بقوة في هذا التوجه "ضد الغريب".
وهو تدبير صارت الآن طريق العمل به مفتوحة، سواء كان الآخر قادماً من الجنوب اللاتيني أو من أصحاب الهوية "الممنوعة" من دخول أميركا، والتي صارت مقترنة بشبهة الإرهاب بفعل الضخ التخويفي والتحريضي المركّز. مع أن هذا الخطاب لاقى، وما زال، اعتراضات واسعة على مختلف الأصعدة والمستويات الأميركية، إلا أنّ دفعه إلى حيّز التطبيق يجري حالياً بزخم كبير، وبدعم القانون الذي انحاز إلى جانبه.