منظمات حقوقية: مرسي لن يكون الأخير والإهمال الطبي أداة السيسي لقتل الخصوم

19 يونيو 2019
ينتقم نظام السيسي من خصومه السياسيين بالتعذيب (Getty)
+ الخط -
أصدرت منظمات حقوقية عدة، الثلاثاء، بياناً مشتركاً، أكدت فيه أن واقعة وفاة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بهذه الطريقة الصادمة أثناء محاكمته، نتيجة الإهمال الطبي والحرمان من الرعاية الصحية، تفضح اتجاه النظام الحالي للانتقام من خصومه السياسيين في السجون، بالتعذيب والإهمال، حد القتل العمد البطيء والحبس الانفرادي. 

وأكدت المنظمات أن الرئيس المصري الراحل "لن يكون الأخير إذا استمر الوضع كما هو عليه، فثمة آخرون خلف القضبان ينتظرون المصير نفسه، طالما بقيت السجون المصرية بمعزل عن المراقبة الفعالة من جهات مستقلة". 

وطالبت المنظمات مجدداً بالسماح للجنة الصليب الأحمر الدولية بتقصي أوضاع السجون المصرية والوقوف على حالة السجناء، كذلك السماح للمنظمات الحقوقية المصرية والدولية بزيارة السجون والمجلس القومي لحقوق الإنسان، على أن يتم نشر تقريرهم حول أوضاع السجون وتوصياتها علانية. 

كذلك طالبت المنظمات الموقعة بالسماح لفريق من خبراء مستقلين تابعين للأمم المتحدة بالوقوف على أسباب وفاة محمد مرسي والتحقيق في الأمر. وكذلك محاسبة المسؤولين عن الإهمال الطبي الذي تعرض له.

وفي 8 يوليو/ تموز الماضي، أصدرت خمس منظمات حقوقية مصرية بياناً مشتركاً حثت فيه المجتمع الدولي على التدخل من أجل وقف "القتل التدريجي" لمحمد مرسي وآخرين، مطالبة السلطات المصرية بالوفاء بالتزاماتها القانونية في توفير الرعاية الصحية اللازمة لمرسي في محبسه ولآلاف المحتجزين غيره، إلا أن السلطات المصرية لم تجد رداً على هذه النداءات إلا بمزيد من حملات الاغتيال المعنوي والتشوية والتشهير بالمنظمات المصرية المنضمة للبيان وكل من تضامن معها دولياً، والمضي قدماً في الاغتيال الفعلي.

وفي ذلك، حملت المنظمات الموقعة على البيان السلطات التنفيذية، وعلى رأسها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي مسؤولية وفاة مرسي، إذ إنه من غير المعقول أن يتم التنكيل برئيس سابق وحرمانه من الرعاية الطبية اللازمة، رغم النداءات المحلية والدولية، حيث كان يعاني من أمراض مزمنة، منها السكري والضغط، من دون علم الرئيس الحالي وتأييده. 

وقالت المنظمات: "فمن واقع متابعة المنظمات الحقوقية لحالات عدة يتبين أن تعامل سلطات السجون مع السجناء السياسيين رفيعي المستوى يحدده قرار سياسي رفيع المستوى، كذاك الذي صدر بشأن تقديم رعاية صحية فاخرة للرئيس الأسبق حسني مبارك طوال فترة محبسه".

وطالبت المنظمات الموقعة بإنهاء الضوء الأخضر الممنوح لتوحش الأجهزة الأمنية لاغتيال الخصوم السياسيين بما في ذلك إباحة القتل بوسائل متنوعة مباشرة وغير مباشرة، وتواطؤ المؤسسات الموالية الأخرى، بما فيها الإعلامية، في القتل المعنوي.  

كذلك استنكرت المنظمات الموقعة على البيان الدولي "تجاهل رؤساء الدول الذين سبق والتقى بهم محمد مرسي خلال فترة ولايته، للنداء الذي أطلقته بعض المنظمات الحقوقية، من أجل التدخل لإنقاذ حياته، والتقارير الصحافية المنشورة في صحف دولية حول حالة مرسي الصحية المزرية وأوضاع السجون المتردية في مصر، فربما كان لتدخلهم أثره في تحسين ظروف احتجازه أو إنقاذ آخرين غيره ينتظرون في طابور الموت بالسجون المصرية". 


وقالت المنظمات إنه "منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في 2014، تم الزج بعشرات الآلاف من المعارضين السياسيين في السجون، سواء من إسلاميين أو علمانيين، كذلك تم الزج بأصحاب الآراء والموقف المستقل من مدافعين ومدافعات عن حقوق الإنسان، على خلفية اتهامات معظمها ملفق وتتعلق أغلبها بالانضمام إلى جماعة إرهابية أو جماعة محظورة، أو بممارسة العنف والإرهاب والحض عليه". ورأت أن "التوسع في توظيف مثل هذه الاتهامات في إطار الانتقام السياسي جعل من الصعب الوقوف على حقيقتها وتحديد هوية مرتكبيها، وألغى الفواصل الشاسعة بين المعارضين السلميين وهؤلاء الذين لجأوا إلى العنف، والأهم أنه أفقد الدولة الكثير من مصداقيتها في مكافحة الإرهاب".

وأضافت "لقد تحولت السجون المصرية إلى معسكرات اعتقال كبرى، الهدف منها هو معاقبة المعارضين السياسيين على نشاطهم السياسي، تارة بالحبس وأخرى بالإهمال الطبي المتعمد، سواء لاحتياجاتهم الصحية أو ما ألم بهم من أمراض جديدة بسبب ظروف الاحتجاز السيئة، إذ وصف تقرير حقوقي  بعنوان "كيف تعالج سجيناً حتى الموت" بطء الاستجابة للحالات الحرجة وعدم تقديم العلاج والاعتماد على المسكنات فقط، بأبرز الطرق المؤدية للقتل البطيء داخل أماكن الاحتجاز. الأمر الذي يحمل أيضاً رسالة تحذير قوية للمعارضين السياسيين خارج السجون بالكف عن نشاطهم حتى لا يلقوا المصير نفسه".  

وتابعت المنظمات: "الرئيس الأسبق محمد مرسي ليس الأول في قائمة القتل البطيء في السجون المصرية، ولن يكون الأخير، لكن واقعة وفاته تعكس بشاعة الجرم الذي يرتكب بحق المحتجزين جميعهم، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، في جريمة مكتملة الأركان يشترك فيها كل القائمين على تحقيق العدالة بداية من الرئيس الحالي، مروراً بجهات سن القوانين وسلطات إنفاذها".

ولفتت إلى أنه "في نوفمبر 2017، لاقى الناشط النوبي جمال سرور حتفه في السجن إثر تعرضه لغيبوبة بعد تدهور حالته الصحية، نتيجة تقاعس سلطات السجن عن توفير الرعاية الطبية له بسجن الشلال بأسوان. وقبله بشهرين فقط، توفي المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين مهدي عاكف (89 عاماً) في محبسه، إذ لم ترحم سلطات السجن شيخوخته ولا  معاناته مع مرض سرطان البنكرياس وأمراض أخرى، هذا بالإضافة إلى 245 حالة وفاة أخرى في تقرير مراقبة مراكز الاحتجاز لعام 2018 داخل أماكن الاحتجاز المختلفة". 

وحذرت المنظمات من أن "مؤشر الوفيات نتيجة الإهمال الطبي في السجون مرشح للزيادة، طالما بقيت السجون المصرية بلا رقابة، وبقي المسؤولون عنها بمعزل عن المحاسبة والمساءلة". 

وأعربت المنظمات عن خشيتها "على حياة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (67 عاماً)، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، ورئيس حزب مصر القوية، المحبوس انفرادياً منذ فبراير 2018، والذي سبق أن أفاد ذووه ومحاميه بمعاناته من مشاكل صحية ضخمة في التنفس، وسبق أن تعرض إلى ست ذبحات صدرية في محبسه الانفرادي، بالإضافة إلى آلام في المعدة ومشاكل في الظهر تعيقه عن الحركة، ورفضت إدارة سجن طرة تحسين ظروف احتجازه وتنفيذ أمر نيابة أمن الدولة العليا بنقله للعلاج بالمستشفى وعمل الفحوصات الطبية. كما يعاني نائب رئيس حزب مصر القوية محمد القصاص، المحبوس منذ فبراير/ شباط 2018 أيضاً، من اضطراب ضغط الدم والسكر، وهي أمراض مزمنة تحتاج إلى رعاية طبية مستمرة، يتقاعس سجن طرة سيئ السمعة عن تقديمها. كذلك يعاني المحامي الحقوقي إبراهيم متولي من تضخم في البروستاتا ويتعرض للإهمال الطبي في سجن طرة شديد الحراسة (العقرب). كما يتعرض أيضا المستشار هشام جنينة والدكتور جمال عبد الفتاح للإهمال الطبي، ما يهدد صحتهما وحياتهما". 

يذكر أن المنظمات الموقعة هي: الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، كومتي فور جستس، ومبادرة الحرية، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مركز النديم، مركز بلادي للحقوق والحريات، مركز عدالة للحقوق والحريات، المفوضية المصرية للحقوق والحريات، مؤسسة حرية الفكر والتعبير.