حقيبة ذكريات، السلاح الأعزل، مرافعة في الوطن المحتلّ، أرض الطوفان... هي مجموعة عناوين كتب صادرة عن "اتحاد الكتّاب العرب" في سورية، تلك التي يعرضها فتى في شارع "الحلبوني" في العاصمة دمشق، بسعر خمسين ليرة سورية للكتاب الواحد "أكثر بقليل من ربع دولار أميركي".
على ما يبدو فإنّ تلك الأسعار و"البسطات" التي استقرّت عليها الكتب بدلاً من المكتبات تعكس واقع الكتاب في سورية، ليس أثناء الأزمة فحسب، بل وقبلها، بعد سنوات طويلة من الرقابة والقمع الذي مارسه "اتحاد الكتّاب العرب" على عقول الكتّاب والمفكرين السوريين وعلى أقلامهم. ما دفعهم إلى الخروج نحو بيروت، القاهرة، وباريس، للنشر هناك، بعد أن مُنِعَت كتبهم داخل الوطن بأوامر من "الأمن السياسي" وبأيدي زملائهم "الكتّاب". وذلك خلال مرحلة طويلة من ولاية رئيس "اتحاد الكتّاب العرب" في سوريا سابقاً، علي عقلة عرسان، وصولاً إلى مرحلة الدكتور، حسن جمعة، الذي يهتف ويصفّق للنظام، ويعقد الندوات في مبنى الاتحاد لمفكّري "المقاومة".
لا ضير من أن يحمل ديوان الشعر الصادر عن الاتحاد ما هبّ ودبّ من أخطاء لغوية ونصوص منثورة على هوى كاتبها. ولا مانع أن تكون هذه الرواية هذياناً خبيثاً لكاتب مبتدئ، أو لمسؤول في محافظة دمشق أراد أن يصبح كاتباً فجأة. المهم في عمل هذا الاتحاد ألا يتضمن الكتاب أيّة إشارة إلى النظام في أسخف رموزه. وهكذا صار الاتحاد خارج دوره الأساسي، والكتّاب السوريون خارج البلاد، بحثاً عن عالم آخر يحترم عقولهم وإبداعهم.
ما يميّز إصدارات هذا الاتحاد الغبي أنّها كثيرة. إذ يركّز الاتحاد على الكمّ وليس النوع، إضافة إلى الورق السيّء، ليتمكّن من سرقة ميزانية كبيرة بدواعي نشر الثقافة ومقاومة مشروع الغزو الفكري "الصهيوأميركي"، ودعم المقاومة، والحديث عن سورية التحديث والتطوير.
كما شهدت السنوات الأخيرة دخول أعداد كبيرة من الكتب "الغبية" إلى سجلّ هذا الاتحاد الحافل بمثل هذه "الترّهات". إضافة إلى أسماء بائسة، بعدما كان يتربّع على هرم منشوراته كلّ من "ممدوح عدوان" و"شوقي بغدادي". وهذا يدلّل على الانحدار الخطير الذي وصل إليه الكتاب السوري بفضل ممارسات إدارة الاتحاد ومن خلفها "القيادة الحكيمة".
عضو في "اتحاد الكتّاب العرب"، وهو خائف من ذكر اسمه، يقول لـ"العربي الجديد" إنّه "من الظلم والعار أن تنتشر رواية مثل "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب "حيدر حيدر" لعشرين عاماً خارج وطنها سورية، ويتمّ السماح بتداولها في سورية بعد عقدين من طبعتها الأولى، بينما يوزّع ردّ مصطفى طلاس على سلمان رشدي، كاتب "الآيات الشيطانية"، مجّاناً في الأسواق على أنّه إبداع سوري".
لا يتجاوز سعر الكتاب ضمن مطبوعات "اتحاد كتاب سورية" الربع دولار، ومستودعات الاتحاد تغصّ بمئات آلاف النسخ، التي تنتظر تسليمها إلى الأكشاك وباعة الكتب على الأرصفة، وهم يعزفون عن شرائها فوق ذلك.
يتحدّث أحد باعة الكتب في منطقة "الحلبوني" لـ"العربي الجديد" مؤكّدا أن "لا أحد كان يشتري هذه الكتب قبل الأزمة، وحالياً نضطرّ إلى بيعها بأرخص الأسعار، ومع ذلك يرفضها الزبون. والإقبال يقتصر على الكتب العالمية، إضافة إلى كتب مستعملة نشتريها من مثقّفين قرّروا أن يهاجروا خارج هذا الجنون، ثم نبيعها إلى القارئ، إذ أنّ معظم هؤلاء المثقّفين يملكون كتباً نادرة وثمينة".
وقف "اتحاد الكتّاب" خلال الثورة السورية على الحياد، كأنّه ينتمي إلى بلد آخر. واتّخذ كتّابه أيضاً الموقف البليد نفسه، باستثناء بيانات تمجّد الوطن، وتدعو إلى الحوار، لكنّها أبداً لم تنتصر للمظلوم ولا للوطن الجريح.