من خلال أغنيةٍ تعكس آلامهم، رحّب 40 سجيناً في سجن رومية بجمهور جاء لمشاهدة مسرحية "جوهر في مهب الريح". كلمات الأغنية تتحدّث عن أحوالهم التي لم تتغيّر منذ أكثر من عشر سنوات. "صارت سنة 16 وعايش عالإهمال، يا بطلع حرامي يا بطلع دجال، والسجن مضغوط وما في شي مظبوط. صارت سنة 16 وكل يلي طالبينه تعديله هالقانون".
بعد نجاح مسرحية "12 لبناني غاضب" ومسرحية "شهرزاد ببعبدا"، أنهت المخرجة اللبنانية والمعالجة بالدراما زينة دكاش مسرحيّتها "جوهر في مهب الريح"، والتي يشارك فيها 40 سجيناً خضعوا للعلاج من خلال المسرح لمدة عام ونصف العام، لتحكي "قصّة منسييّن خلف القضبان". تولى المركز اللبناني للعلاج بالدراما "كتارسيس" تنفيذ هذا المشروع بدعم من الاتحاد الأوروبي، وبالتعاون مع وزارتي الداخلية والعمل، بهدف تحسين الوضع النفسي والقانوني للسجناء الذين يعانون من أمراض نفسية، وأولئك المحكوم عليهم بالمؤبد. يروي السجناء قصصهم وقصص زملائهم لبضع ساعات من خلال خمسة عروض تستمر حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
تتحدّث دكاش عن القانون التي تعمل من أجل تعديله. تقول لـ "العربي الجديد" إن المادة 232 من قانون العقوبات اللبناني تتضمن أنه من ثبت اقترافه جناية أو جنحة مقصودة، وقضي بعدم مسؤوليته بسبب فقدانه العقل حُجز بموجب فقرة خاصة من حكم التبرئة في مأوى احترازي يستمر الحجز إلى أن يثبت شفاء المجنون بقرار تصدره المحكمة التي قضت بالحجز. كيف يمكننا، في القرن الواحد والعشرين، أن ننتظر شفاء المجنون وهو شخص يعاني من مرض نفسي؟ كيف ما زلنا نسمح باستخدام عبارة مجنون"؟.
من داخل سجن رومية، تنقل المسرحية "قصص منسيين" من خلال مونولوجات ومشاهد قصيرة. في أحد المشاهد، يقول سجين: "لعل أقسى الأقدار وأكثرها ظلماً تلك التي تحكم على المريض النفسي حكماً غير معروف الأمد في سجني.. سجن القضبان الخارجي وسجنه الداخلي".
سجين آخر يقول: "نقدّم عملاً مسرحياً من أجل سجناء المبنى الأزرق الذين ينعتون بأبشع الصفات، كالمعتوه والمعوق والمجنون، والذي يمنع من الحرية إلى أن يشفى. تحدينا أنفسنا من أجل السجناء الذين حكم عليهم بالإعدام والمؤبد وهم مسجونين في غرفة رطبة ولا يصلها ضوء الشمس". يوضح آخر: "الصبر مفتاح الفرج. أيام وتمر قبل أن أبدأ حياتي من جديد. لن أكرر ما فعلته من أخطاء. الندم أرهق جسدي. لكن ما أسأله طوال اليوم: متى سيأتي هذا اليوم الذي أخرج فيه من هذا السجن؟ تمر الأيام وما زلت أنتظر صدور حكم بحقي. هل تحتسب هذه الأيام من فترة سجني؟ وكم من الوقت سيبقى لي للحصول على فرصة جديدة في الحياة؟".
سجين آخر يقول إنني "أحمل قضية إنسانية لسجناء غيري على الرغم من أنني في حاجة إلى من يساعدني. الشعور الأجمل هو عندما رأيت مواطنين مدنيين داخل السجن، وقد جاؤوا من جميع المناطق اللبنانية لمشاهدتنا ودعمنا واكتشاف مواهبنا. شعرت أن هذا الجمهور هو بيتي الذي أتمناه وأهلي الذين اشتقت إلى رؤيتهم. لا نقود معركة بقاء بل نطالب بحقوق أفراد متواجدين في المبنى الأزرق الذي يرمز إلى الحرية. لكنهم محرومون من معناه الحقيقي".
شعر هؤلاء المساجين بتفاؤل، وقد وجدوا في العمل المسرحي فرصة للتعبير عن معاناة ومآسٍ عايشوها منذ دخولهم إلى السجن. الجميع متفق على أن الفقر والعوز هما السبب الرئيسي لتوقيفهم. ويقول البعض إنهم "لو علموا مسبقاً ماذا يعني سجن رومية، والواقع الذي يعيشه كل سجين داخل هذه القضبان، لتمنوا العيش في الفقر على الدخول إلى هذا المكان المشؤوم".
يوضح أحد السجناء: "خسرت كل شيء. من كانت زوجتي تزوجت بآخر وأنجبت منه أطفالاً. لن أعرف وجوه أطفال شقيقتي في حال رأيتهم صدفة. أشعر بالوحدة والكآبة. لم أكن أعرف التمثيل لكن رغبتي بإيصال ألمي ووجعي إلى الناس دفعتني إلى تعلم التمثيل وإظهار كل ما في داخلي للخارج. لا أملك موهبة التمثيل لكن كل المعاناة جعلتني قادراً على إظهارها".
تجدر الإشارة إلى أن المركز اللبناني للعلاج بالدراما "كثارسيس"، كان قد أعد دراسة تحت عنوان "الصحة النفسيّة في السجون اللبنانية"، أشارت إلى زيادة الاضطرابات النفسيّة بين السجناء في سجني بعبدا ورومية. وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد في السجون اللبنانية، التي يصل عددها إلى 22 سجناً في مختلف المناطق اللبنانية، مركز صحي متخصّص في العلاج النفسي، باستثناء سجن رومية الذي يضم مركزاً صغيراً يسمى المأوى الاحترازي (المبنى الأزرق)، وقد أنشأ عام 2002.
شملت الدراسة 198سجيناً و14 سجينة. وتبيّن أن 26 في المائة من هؤلاء قد أتموا دراسة المرحلة الابتدائية، و66 في المائة منهم يعانون من اضطرابات عصبية. واللافت أن 55 في المائة منهم ما زالوا ينتظرون صدور الحكم بحقهم. على الرغم من معاناتهم الكثيرة، تبقى هذه المسرحيات بمثابة أمل بالنسبة إليهم.
اقــرأ أيضاً
بعد نجاح مسرحية "12 لبناني غاضب" ومسرحية "شهرزاد ببعبدا"، أنهت المخرجة اللبنانية والمعالجة بالدراما زينة دكاش مسرحيّتها "جوهر في مهب الريح"، والتي يشارك فيها 40 سجيناً خضعوا للعلاج من خلال المسرح لمدة عام ونصف العام، لتحكي "قصّة منسييّن خلف القضبان". تولى المركز اللبناني للعلاج بالدراما "كتارسيس" تنفيذ هذا المشروع بدعم من الاتحاد الأوروبي، وبالتعاون مع وزارتي الداخلية والعمل، بهدف تحسين الوضع النفسي والقانوني للسجناء الذين يعانون من أمراض نفسية، وأولئك المحكوم عليهم بالمؤبد. يروي السجناء قصصهم وقصص زملائهم لبضع ساعات من خلال خمسة عروض تستمر حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
تتحدّث دكاش عن القانون التي تعمل من أجل تعديله. تقول لـ "العربي الجديد" إن المادة 232 من قانون العقوبات اللبناني تتضمن أنه من ثبت اقترافه جناية أو جنحة مقصودة، وقضي بعدم مسؤوليته بسبب فقدانه العقل حُجز بموجب فقرة خاصة من حكم التبرئة في مأوى احترازي يستمر الحجز إلى أن يثبت شفاء المجنون بقرار تصدره المحكمة التي قضت بالحجز. كيف يمكننا، في القرن الواحد والعشرين، أن ننتظر شفاء المجنون وهو شخص يعاني من مرض نفسي؟ كيف ما زلنا نسمح باستخدام عبارة مجنون"؟.
من داخل سجن رومية، تنقل المسرحية "قصص منسيين" من خلال مونولوجات ومشاهد قصيرة. في أحد المشاهد، يقول سجين: "لعل أقسى الأقدار وأكثرها ظلماً تلك التي تحكم على المريض النفسي حكماً غير معروف الأمد في سجني.. سجن القضبان الخارجي وسجنه الداخلي".
سجين آخر يقول: "نقدّم عملاً مسرحياً من أجل سجناء المبنى الأزرق الذين ينعتون بأبشع الصفات، كالمعتوه والمعوق والمجنون، والذي يمنع من الحرية إلى أن يشفى. تحدينا أنفسنا من أجل السجناء الذين حكم عليهم بالإعدام والمؤبد وهم مسجونين في غرفة رطبة ولا يصلها ضوء الشمس". يوضح آخر: "الصبر مفتاح الفرج. أيام وتمر قبل أن أبدأ حياتي من جديد. لن أكرر ما فعلته من أخطاء. الندم أرهق جسدي. لكن ما أسأله طوال اليوم: متى سيأتي هذا اليوم الذي أخرج فيه من هذا السجن؟ تمر الأيام وما زلت أنتظر صدور حكم بحقي. هل تحتسب هذه الأيام من فترة سجني؟ وكم من الوقت سيبقى لي للحصول على فرصة جديدة في الحياة؟".
سجين آخر يقول إنني "أحمل قضية إنسانية لسجناء غيري على الرغم من أنني في حاجة إلى من يساعدني. الشعور الأجمل هو عندما رأيت مواطنين مدنيين داخل السجن، وقد جاؤوا من جميع المناطق اللبنانية لمشاهدتنا ودعمنا واكتشاف مواهبنا. شعرت أن هذا الجمهور هو بيتي الذي أتمناه وأهلي الذين اشتقت إلى رؤيتهم. لا نقود معركة بقاء بل نطالب بحقوق أفراد متواجدين في المبنى الأزرق الذي يرمز إلى الحرية. لكنهم محرومون من معناه الحقيقي".
شعر هؤلاء المساجين بتفاؤل، وقد وجدوا في العمل المسرحي فرصة للتعبير عن معاناة ومآسٍ عايشوها منذ دخولهم إلى السجن. الجميع متفق على أن الفقر والعوز هما السبب الرئيسي لتوقيفهم. ويقول البعض إنهم "لو علموا مسبقاً ماذا يعني سجن رومية، والواقع الذي يعيشه كل سجين داخل هذه القضبان، لتمنوا العيش في الفقر على الدخول إلى هذا المكان المشؤوم".
يوضح أحد السجناء: "خسرت كل شيء. من كانت زوجتي تزوجت بآخر وأنجبت منه أطفالاً. لن أعرف وجوه أطفال شقيقتي في حال رأيتهم صدفة. أشعر بالوحدة والكآبة. لم أكن أعرف التمثيل لكن رغبتي بإيصال ألمي ووجعي إلى الناس دفعتني إلى تعلم التمثيل وإظهار كل ما في داخلي للخارج. لا أملك موهبة التمثيل لكن كل المعاناة جعلتني قادراً على إظهارها".
تجدر الإشارة إلى أن المركز اللبناني للعلاج بالدراما "كثارسيس"، كان قد أعد دراسة تحت عنوان "الصحة النفسيّة في السجون اللبنانية"، أشارت إلى زيادة الاضطرابات النفسيّة بين السجناء في سجني بعبدا ورومية. وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد في السجون اللبنانية، التي يصل عددها إلى 22 سجناً في مختلف المناطق اللبنانية، مركز صحي متخصّص في العلاج النفسي، باستثناء سجن رومية الذي يضم مركزاً صغيراً يسمى المأوى الاحترازي (المبنى الأزرق)، وقد أنشأ عام 2002.
شملت الدراسة 198سجيناً و14 سجينة. وتبيّن أن 26 في المائة من هؤلاء قد أتموا دراسة المرحلة الابتدائية، و66 في المائة منهم يعانون من اضطرابات عصبية. واللافت أن 55 في المائة منهم ما زالوا ينتظرون صدور الحكم بحقهم. على الرغم من معاناتهم الكثيرة، تبقى هذه المسرحيات بمثابة أمل بالنسبة إليهم.