بعد أقل من عشرة أيام من انتهاء قائد "قوات البرلمان"، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، من زيارته المفاجئة للعاصمة الروسية موسكو؛ يتوجّه خلال الساعات القادمة من نهار اليوم الثلاثاء رئيس البرلمان، عقيلة صالح، بزيارة أخرى إلى موسكو.
وكان السفير الروسي لدى ليبيا، إيفان ملوتكوف، قد التقى، مساء أمس الاثنين، وزير الدفاع المكلف من المجلس الرئاسي، المهدي البرغثي، حيث نقلت مصادر إعلامية ليبية أن السفير وجّه دعوة للبرغثي لزيارة روسيا.
وأثارت الزيارات المتكررة لمسؤولين ليبيين أسئلة حول الدور الروسي في ليبيا، حيث يبدو أن موسكو بعد شعورها بما حققته من مكاسب ميدانية إثر دعمها الدموي لنظام بشار الأسد في سورية، والذي ترك دمارًا هائلًا وآلاف القتلى والجرحى، لا سيما في مدينة حلب؛ تسعى موسكو لإعادة السيناريو ذاته في ليبيا، من خلال تواصلها الكثيف مع حليفها العسكري المقرب حفتر، في إطار رغبتها في توسيع نفوذها، واسترداد دورها المفقود في الشرق الأوسط.
وبعيد انتهاء زيارة حفتر لموسكو بأيام، حقق الأخير بعض التقدم العسكري بسيطرته على قاعدة براك، أهم قواعد الجنوب الليبي العسكرية، كما أنه أطلق غارات جوية لقصف أهداف لمعارضيه العسكريين في قاعدة الجفرة، وفي اتجاه آخر، قرر فرض حظر جوي وبري وبحري من الهلال النفطي على المناطق المتاخمة لسرت، والتي تعتبر نقطة تماس مع قوات "البنيان المرصوص"، المعسكِرة في سرت حتى الآن.
وبعد مضي سنتين من استمرار دعم دولتي مصر والإمارات عسكريًّا لحراكه، يبدو أن الجنرال شعر أنه غير مجدٍ، مما جعله يبحث عن دعم دولي لتوسيع رقعة وجوده العسكري في البلاد، وعلى الأغلب، شكّلت روسيا، الساعية للعب دور أكبر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجهته المفضّلة.
التقارب بين روسيا وحفتر لم يكن جديدًا؛ فقد بدأ عندما أقدمت سلطات البرلمان في شرق ليبيا على طباعة 4 مليارات دينار ليبي (ما يعادل 2.9 مليار دولار) في روسيا، وبموافقة المؤسسة الرسمية لطباعة العملة التابعة للكرملين، وهو ما يعني، ضمنيًّا، توفير المال لتسليح قوات حفتر، التي اعتبرها مراقبون خطوة البداية لإعلان روسيا اعتماد حفتر حليفًا لها.
وبحسب صحف غربية، فإن الاهتمام الروسي المتزايد في ليبيا يأتي في إطار استراتيجية واسعة لموسكو لاستعادة دورها الدولي، بدءًا من سورية، التي ألقت فيها بكل ثقلها لدعم حليفها الأسد، مستثمرة انحسار دور أميركا، أو على الأقل انشغالها برتيبات اعتلاء الرئيس الجديد سدة الحكم، والحديث المتنامي عن نية واشنطن مراجعة سياساتها الخارجية.
ويبدو أن موسكو رأت في النجاحات التي حققتها في سورية، وعلى رأسها تمكّنها من نشر قواعد لها في المنطقة، نموذجًا مثاليًّا يمكن تصديره إلى بلدان أخرى تتوفر فيها ظروف مماثلة، ولا سيما في شمال أفريقيا، وبالتالي تمكّنها من تحقيق مكاسب استراتيجية في المنطقة.
هذا التحليل قد لا يتفق مع السياسية الروسية الظاهرة في تأييدها لكل قرارات الأمم المتحدة بشأن ليبيا، ولقاءاتها المتزايدة مع مسؤولي حكومة الوفاق في طرابلس، وإعلانها غير مرة أنها تحافظ على روابط وعلاقات وثيقة مع جميع الفرقاء الليبيين لدعم التسوية السياسية في البلاد، إلا أن كل ذلك يبقى، في ظلّ المعطيات الراهنة، مجرّد مناورة "صوريّة".