02 سبتمبر 2020
+ الخط -

الخطوة التي أقدمت عليها الإمارات أمس الثلاثاء تعد الأخطر في ملف التطبيع الاقتصادي والمالي المرتقب مع دولة الاحتلال، فقد اتفق الطرفان على تشكيل لجنة مشتركة للتعاون في الخدمات المالية والمصرفية بهدف تشجيع الاستثمار بين البلدين، حسب بيان صادر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

واكب تلك الخطوة دخول بنك الإمارات دبي الوطني، أحد المؤسسات المصرفية الإماراتية التابعة للدولة، في مفاوضات جدية مع بنك لئومي، أكبر البنوك الإسرائيلية، لإبرام شراكات وصفقات مالية واقتصادية واستثمارية، والتوصل إلى اتفاق تعاون في مجال تقديم الخدمات المصرفية للشركات المحلية في كلا البلدين من تمويل مشروعات وضمانات بنكية وتمويل استثمارات وغيره.

واكب الخطوتين أيضا تطورات متسارعة أخرى تُسرع من خطوات التطبيع الاقتصادي بين الطرفين منها إصدار رئيس الإمارات، الشيخ خليفة بن زايد، مرسوماً يوم السبت الماضي، يلغي بموجبه قانون مقاطعة إسرائيل، وبما يسمح بعقد اتفاقيات تجارية أو مالية وغيرها مع هيئات وشركات أو أفراد إسرائيليين، وكذا تسيير أول رحلة جوية من تل أبيب إلى أبوظبي عبر الأراضي السعودية أول من أمس الاثنين.

كما سبق الخطوتين إبرام اتفاق تجاري بين شركة أبيكس الوطنية للاستثمار الإماراتية ومجموعة تيرا الإسرائيلية للتعاون في مجال الأبحاث والتطوير المرتبط بمرض كوفيد-19.

التعاون المصرفي بين الإمارات ودولة الاحتلال هو رأس الحربة في تعاون مالي واستثماري وتجاري مستقبلي غير مسبوق، فهذا التعاون يسهل حركة نقل الأموال من أبوظبي إلى البنوك الإسرائيلية وبالطرق الرسمية، وبالتالي يعطي شرعية لتحركات تلك الأموال.

ومن خلال ذلك التعاون يتم فتح الاعتمادات المستندية وإصدار خطابات الضمان لصالح التجار ورجال الأعمال في البلدين والراغبين في إبرام صفقات تجارية مشتركة يتم عبرها أما استيراد سلع ومنتجات إسرائيلية لصالح السوق الإماراتي، أو تصدير النفط الإماراتي لإسرائيل، وبالتالي توفير احتياجاتها من الطاقة، وربما تصبح دبي لاحقاً منفذاً مهما للسلع الإسرائيلية إلى أسواق العالم كافة، ومنها السوق العربي الضخم.

وعبر بنوك الإمارات يمكن للمستثمرين الإسرائيليين الحصول على قروض دولارية ضخمة يتم ضخها في مشروعات وأنشطة اقتصادية وإنتاجية متنوعة تقام داخل دولة الاحتلال وفي الأراضي المحتلة، وكذا في الخارج.

وعبر ذلك التعاون المصرفي المرتقب يمكن لحكومة دولة الاحتلال والبنك المركزي الإسرائيلي الحصول على ودائع وقروض "مساندة" وبأسعار فائدة مميزة وبمليارات الدولارات يتم ضخها في ميزانية إسرائيل لعلاج عجز الموازنة العامة وتراجع إيرادات الدولة، وتمويل إقامة المدارس والمستشفيات والبنية التحتية وشبكات الطرق وإنتاج الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وتوفير فرص عمل للشباب الإسرائيلي العاطل، وبالتالي توفير الرفاهية لمواطني دولة الاحتلال.

وربما يمتد المال الإماراتي إلى تمويل صفقات شراء إسرائيل أسلحة وطائرات وأنظمة صواريخ متطورة تضرب بها أهالينا في غزة والضفة الغربية وسورية ولبنان، وتهدد بها الدول العربية الأخرى، خاصة تلك التي تحتل دولة الاحتلال أراضي بها، أو الرافضة التطبيع معها.

وقد نشهد لاحقاً وبشكل سريع إدراج شركات إماراتية في بورصة تل أبيب، وفي المقابل إدراج شركات إسرائيلية في بورصتي دبي وأبوظبي، وهو ما يتيح للمستثمرين الإسرائيليين شراء أسهم في الشركات والبنوك الإماراتية، كما يتيح لرجال الأعمال العرب والأجانب شراء أسهم شركات مقامة داخل دولة الاحتلال وعلى أراضي المستوطنات.

التطورات السريعة والمتلاحقة التي أعقبت قرار الإمارات تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، تؤكد أن تجربة الدولة الخليجية مع التطبيع الاقتصادي ستكون مختلفة وبشكل جذري عن التجربتين المصرية والأردنية، وأن سيلاً من الصفقات التجارية والشراكات الاقتصادية والمصرفية والاستثمارية بين الطرفين في الطريق، وأن جزءاً من أموال صندوق أبو ظبي السيادي، والبالغ قيمتها نحو 580 مليار دولار، سيتم ضخه في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي المتعثر بسبب خسائر كورونا وإصابة قطاع السياحة بالشلل والانكماش الاقتصادي، وهو ما ينعكس ايجاباً على الخدمات المقدمة لمعظم الإسرائيليين الذين يراهنون على التطبيع مع الإمارات في إنقاذهم من الفقر والبطالة والجوع.

المساهمون