ملك السعودية يحاول إنقاذ ولي عهده بإعادة الأمراء المبعدين للمشهد... وأوّلهم متعب

13 نوفمبر 2018
الملك سلمان رفقة أمراء بينهم متعب بن عبدالله (واس)
+ الخط -
لا يزال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز يحاول تدارك أزمة تورط ابنه وولي عهده محمد بن سلمان في قضية مقتل الصحافي والكاتب جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك عبر محاولة حشد أبناء الأسرة الحاكمة لدعم الحكم السعودي الذي تعرّض لهزة، والقيام بجولة حول عدد من المناطق لافتتاح المشاريع وتوزيع الأموال على الوجهاء وشيوخ القبائل.

واستقبل العاهل السعودي عدداً من الأمراء كان من بينهم الأمير المفرج عنه متعب بن عبدالله، نجل العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز ووزير الحرس الوطني السابق، والأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات الأسبق، وأمير الرياض فيصل بن بندر بن عبدالعزيز وعدداً آخر من الأمراء وأعضاء هيئة كبار العلماء، أكبر هيئة دينية رسمية في البلاد، تزعّمهم مفتي البلاد الشيخ عبدالعزيز آل شيخ، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس".

وتأتي استضافة الأمير متعب بعد إقالته من منصبه وزيراً للحرس الوطني، أحد أهم الأجهزة الأمنية في البلاد، واحتجازه في فندق الريتز كارلتون برفقة العشرات من الأمراء ورجال الأعمال بتهمة الفساد وإجباره على التنازل عن ثروته، كدلالة على محاولة العاهل السعودي تجميع صف الأسرة الحاكمة، وتوحيدها بعد أن قام ابنه محمد بتمزيقها والقضاء على الأمراء الأقوياء فيها بسجن بعضهم وإجبار الآخرين على التنازل عن ثرواتهم.

وسبق للأمير متعب أن ظهر برفقة الملك سلمان أثناء زيارته منطقتي القصيم وحائل قبل أيام، مما يوحي بأن تقريبه بعد اتهامهم بالفساد يأتي برغبة شخصية من الملك مخالفة لرغبات ابنه، وذلك لإظهار مدى توحد الأسرة الحاكمة، رغم أن مصير شقيقه الأمير تركي، أمير الرياض الأسبق، لا يزال مجهولاً بعد انقطاع اتصال عائلته معه منذ احتجازه في الريتز كارلتون في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ومقتل مدير مكتبه اللواء علي القحطاني تحت التعذيب.

وكان الملك سلمان قد سمح لشقيقه الأمير أحمد بن عبدالعزيز بالعودة إلى الرياض من منفاه الاختياري في لندن، بعد إعلانه رفضه حرب اليمن، وتحميله الملك سلمان وابنه محمد مسؤوليتها.


وأتت عودة الأمير أحمد، الذي كان أحد أبرز المرشحين للعرش السعودي بعد الملك سلمان قبل تعرضه للإقصاء على يد الأمراء المنافسين، بعد ضمانات غربية حصل عليها بعدم تعرض ولي العهد الشاب والمندفع له، كما حصل على ضمانات من الملك سلمان بالحصول على دور أكبر في الحكم مقابل عودته التي ستعطي صورة إيجابية لوحدة العائلة المالكة.

وأفرجت السلطات السعودية، في إطار حملة الملك لإعادة وحدة العائلة الحاكمة من جديد، عن الأميرين عبدالعزيز بن فهد وخالد بن طلال بعد احتجازهما لمدة طويلة، حيث احتجز الأمير عبدالعزيز بتهمة إهانة ولي عهد إمارة أبوظبي محمد بن زايد، فيما احتجز الأمير خالد بسبب اعتراضه على حملة الريتز كارلتون واعتقال شقيقه رجل الأعمال الأمير الوليد بن طلال وإجباره على التنازل عن ثروته.

وبدا الملك بصحة جيدة وهو يخرج من عزلته التي بدأها بعد تولي ابنه الأمير محمد ولاية العهد منتصف العام الماضي بعد خلع الأمير محمد بن نايف من منصبه، إذ يحاول إيصال رسائل لشعبه بأنه لا يزال يحكم البلاد، وأن ابنه محمد الذي تورط بسبب سياساته الداخلية والخارجية المندفعة لا يزال ولياً للعهد ولا يملك كافة مقاليد الأمور.

لكن هذه التوجهات المخالفة لرغبات ابنه لم تكن وليدة اللحظة، إذ بدأت قبل أشهر عندما تدخل الملك لإيقاف محاولات محمد بن سلمان خصخصة شركة أرامكو النفطية، وأمر بإنهاء العملية بعد استشارته عدداً كبيراً من الأمراء في الأسرة الحاكمة.


وقام العاهل السعودي بجولة زار فيها منطقتي القصيم وحائل، وافتتح فيهما عدة مشاريع إسكانية وتنموية، كما قام بالإفراج عن بعض المساجين المدانين بتهم مالية، والتقى خلال الزيارتين عدداً من شيوخ القبائل ووجهاء العشائر والعائلات ورجال الأعمال المتحدرين من المنطقتين.


وتحمل هذه الزيارة، التي رافقه فيها الأمير متعب بن عبدالله، دلالة كبيرة حول محاولات من الملك لرأب الصدع الذي سببه ابنه الأمير محمد بين الأسرة المالكة وحلفائها التقليديين من شيوخ ووجهاء القبائل والعشائر، حيث زار الملك مدينة بريدة في منطقة القصيم وهي إحدى المناطق المهمة في البلاد بسبب تحدّر غالبية رجال الأعمال الذين سجنوا في فندق الريتز كارلتون منها، كما أنها تعد معقل تيار الصحوة، أكبر تيار ديني في البلاد، وهو التيار الذي استهدفته حملة الاعتقالات العنيفة التي شنها ابن سلمان في ما عُرف بحملة سبتمبر.



ونشأت جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم)، والتي تزعمت لواء المعارضة وطالبت بملكية دستورية في البلاد في المدينة ذاتها، حيث يتحدر مؤسس الجمعية المعتقل حالياً عبدالله الحامد منها، كما يتحدر أحد أعضائها الشهيرين القاضي سليمان الرشودي منها أيضاً.

كما زار الملك منطقة حائل شمال البلاد، وهي عاصمة إمارة الرشيد، المنافس التاريخي لأسرة آل سعود على حكم الجزيرة العربية، حيث التقى الملك برفقة ابنه ولي العهد شيوخَ قبيلة شمر التي تتحدر أسرة الرشيد منها، وقام بتوزيع الأموال التي تعطى عادة لشيوخ القبائل وتسمى "شرهات" في دلالة على رغبة الملك في إعادة عصر ما قبل محمد بن سلمان إلى البلاد من جديد، حيث كان ولي العهد قد قام بقطعها عن كثير من شيوخ القبائل بحجة التقشف الاقتصادي.

ويخطط الملك لجولة جديدة لمناطق أخرى في البلاد، ضمن حملته الشعبية لإصلاح الصورة في الداخل بعد انكشاف تورط نظامه في حادثة مقتل خاشقجي، وفشل الإعلام السعودي الرسمي في التعامل معها.