انفجار مرفأ بيروت/ حسين بيضون
08 سبتمبر 2020
+ الخط -

بدأت المخاوف من التدخل في نتائج التحقيق اللبناني المحلّي في انفجار مرفأ بيروت تظهر صحّتها، وتترجم ميدانياً من خلال تدخلات ظهرت إلى العلن في الفترة الأخيرة بهدف الإفراج عن قادة أمنيين أو التعاطي معهم باستنسابية لناحية طريقة المعاملة في مراكز التوقيف، أو إحالتهم الى سجون أخرى تابعة للمديرية المعنيّة بهم.
وأكد مصدرٌ مطلعٌ على التحقيق لـ "العربي الجديد"، اشترط عدم ذكر اسمه، أنّ المدير العام للجمارك، بدري ضاهر، طلب عبر موكله نقله إلى سجن الجمارك (علماً أن ليس لديها سجن)، أسوةً بالمديريات الأخرى التي طلبت توقيف ضباطها في السجون التابعة لها. لكن المحقق العدلي القاضي فادي صوان بعد الموافقة على الطلب عاد وتراجع عن ذلك، وقرر إبقاءه في سجن الريحانية التابع للشرطة العسكرية.

 

ويعرف أن ضاهر الذي تحوم حوله الكثير من الشبهات في ملفات فساد تسبق انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب الماضي، وهو من المقربين من رئيس الجمهورية، ميشال عون، الذي بدوره لم يوقع حتى الساعة مرسوم إعفاء ضاهر من منصبه كمدير عام للجمارك. وهو ما نفته أوساط قصر بعبدا، حيث مقر الرئاسة، بذريعة أنّ المرسوم لم يصل إليها بعد، في حين تؤكد مصادر السرايا الحكومة أن رئيس الحكومة المستقيل، حسان دياب، أرسل المرسوم إلى عون بعد التوقيع عليه مرفقاً أيضاً بتوقيع وزير المال غازي وزنة.
وكشف المصدر المطلع على التحقيق، أنّ القاضي صوان سيستمع في الأيام المقبلة الى عددٍ من الوزراء الحاليين والسابقين المعنيين بفاجعة مرفأ بيروت تبعاً لصلاحياتهم، بدءاً بوزراء الأشغال الذين تعاقبوا على الوزارة منذ دخول نيترات الأمونيوم إلى المرفأ عام 2014. ويأتي ذلك في خطوة ثانية على صعيد التحقيق مع سياسيين، سبقها استماع المحقق العدلي الأسبوع الماضي إلى دياب في مكتبه بالسرايا الحكومي، حول المراسلات التي تلقّاها من الأجهزة الأمنية والسبب وراء تأجيل زيارته المرفأ قبيل أيام على وقوع الانفجار.
في المقابل، قالت "منظمة العفو الدولية" في بيان تفصيلي نشرته على موقعها الرسمي أمس الاثنين، إنّه "بعد مرور شهر على الانفجار الدامي الذي وقع في مرفأ بيروت، بات من الواضح على نحو متزايدٍ أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات اللبنانية للنظر في الأحداث المأساوية التي وقعت في الرابع من أغسطس/ آب ليست مستقلّة ولا حيادية".
وجدّدت المنظمة التأكيد على ضرورة إنشاء آلية دولية لتقصي الحقائق لضمان حقوق الضحايا وتحقيق العدالة وإتاحة سبل الإنصاف.
وأضاف بيان "منظمة العفو الدولية"، "منذ الانفجار المأساوي الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 190 شخصاً، وإصابة أكثر من 6500 آخرين، وترك نحو 300 ألف إنسانٍ مشرد أو بلا مأوى، كانت هناك دعوات إلى إجراء تحقيق دولي من جانب الضحايا وذويهم، ومنظمات أخرى لحقوق الإنسان. وقد رفضتها مختلف السلطات اللبنانية، ومن بينها رئاسة الجمهورية". 
وأوضح البيان كذلك أنه "كانت المطالبة بإجراء المساءلة أيضاً من بين المطالبات الرئيسية التي رفعها آلاف المحتجين الذين تدفقوا إلى الشوارع بعد أربعة أيام من الانفجار وجوبهوا بالاستخدام المفرط للقوة من جانب القوات العسكرية وقوات الأمن. وقد أدى ذلك إلى وقوع مئات الإصابات التي ضاعفت بدورها أعداد المصابين أصلاً من جراء الانفجار".


وفي تعليقها على ذلك، قالت مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالنيابة بالمنظمة، لين معلوف، إنّه "بعد مرور أكثر من شهر على الانفجار، أوضحت كل خطوة تمت أو إجراء اتُّخذ أو بيان صدر حتى الآن، ولا سيما من قبل كبار المسؤولين في البلاد، أن السلطات لا تعتزم على الإطلاق الوفاء بمسؤولياتها في إجراء تحقيق فعال وشفاف وحيادي".
وأضافت "لقد أحالت الحكومة التحقيق إلى المجلس العدلي، وهو محكمة تفتقر إجراءاتها في طبيعتها إلى الاستقلالية والنزاهة وتتقاعس عن تلبية المعايير الدولية للمحاكمة العادلة"، موضحة أنه "في هذه الحالة الاستثنائية التي تشهد ادعاءات على هذا القدر من الخطورة ضد مؤسسات الدولة، من الغريب أن يتم تحويل القضية إلى المجلس العدلي الذي لا يملك سلطة مقاضاة المسؤولين الحاليين في السلطة، بما في ذلك الرئيس والوزراء".

 

وختمت بالقول "بالنظر إلى تاريخ الإفلات من العقاب، الذي دام لعقود من الزمن في لبنان، وحجم المأساة التي أوقعها انفجار 4 أغسطس، فإن إيجاد آلية دولية لتقصي الحقائق هو السبيل الوحيد لضمان حقوق الضحايا في الكشف عن الحقيقة، وتحقيق العدالة، وإتاحة سبل الإنصاف"، مشددة على أنه "ينبغي أن تمتلك هذه الآلية التفويض اللازم ليتمكن التحقيق من تقييم المسؤوليات المتعلقة بالانفجار وما نجم عنه من وفيات وإصابات ودمار، ونشر النتائج التي يُتوصّل إليها على الملأ. كما ينبغي أن يكون شاملاً، مستقلاً، حيادياً وشفافاً".
ورفض لبنان إجراء تحقيق دولي، بعد انقسام الآراء حول الموضوع، شعبياً وسياسياً، فيما يشارك في التحقيق الحالي فريق فرنسي وآخر من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي. ويفوق عدد الموقوفين في الملف العشرين شخصاً بين أمنيين وإداريين.

المساهمون