ملامح "صفقة القرن": تصفية القضية الفلسطينية بإسقاط قضايا الحل النهائي

21 مايو 2018
القدس خارج دائرة التفاوض وفق الصفقة (علي جادالله/ الأناضول)
+ الخط -
في حال أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالفعل عن مشروعها لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يُطلق عليه "صفقة القرن"، في يونيو/ حزيران المقبل، كما أشارت تسريبات صحافية، فمن غير المرجح أن يسفر هذا الإعلان عن مفاجآت كبيرة تتجاوز ما تضمّنته التسريبات حول بنود الصفقة، التي نُسبت في الآونة الأخيرة لجهات أميركية وفلسطينية وإسرائيلية. وسيكون في حكم المؤكد أن بنود الصفقة ستمثّل عملياً وصفة لتصفية القضية الفلسطينية، وستتطابق إلى حد كبير مع المنطلقات الأيديولوجية التي تحتكم إليها حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل.

التوصل إلى هذا الاستنتاج لا يأتي فقط من العودة إلى التسريبات غير الرسمية بشأن بنود الصفقة، بل إن ما يعززه المواقف التي تتعلق بكيفية حل القضايا الرئيسية في الصراع، والتي صدرت بشكل رسمي وغير رسمي عن الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية وبعض أنظمة الحكم العربية التي تعتمد عليها واشنطن في محاولة تمرير الصفقة.
ويمنح التقرير السياسي الذي رفعه مكتب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قبيل انعقاد المجلس المركزي، الذي تم تسريبه لقناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة قبل ثلاثة أشهر، وحصل "العربي الجديد" على نسخة منه، صورة وافية عن تفاصيل الصفقة. ومما أضفى صدقية على تسريبات عريقات أن زميله في "تنفيذية" منظمة التحرير أحمد مجدلاني قد كشف في مقابلات صحافية عدة أن كثيراً مما ورد في هذه التسريبات قد نقله بالفعل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لعباس.

الطروحات المقدّمة في الصفقة تجاه القضايا الأساسية في الصراع يمكن تلخيصها بالآتي: بالنسبة لمدينة القدس المحتلة، تتبنّى الصفقة بشكل عام الموقف الإسرائيلي الذي يصرّ على إخراج المدينة من دائرة التفاوض، والرافض إعادة تقسيمها. وفي المقابل، فإن الصفقة تقترح أن يتم الإعلان عن عاصمة دولة فلسطينية في البلدات والأحياء المحيطة بالقدس: أبو ديس، شعفاط، العيسوية. وحسب تسريب آخر، فإن الصفقة تقترح ضم حي "جبل المكبر" إلى هذه البلدات. ومن الواضح أن سلخ هذه المناطق عن القدس يهدف أيضاً إلى تخليص إسرائيل من "العبء" الديمغرافي الذي يمثّله الفلسطينيون القاطنون في المنطقة، فضلاً عن أنه يحسّن من قدرة إسرائيل على مواجهة التحديات الأمنية. فعلى سبيل المثال، بسبب التحديات التي يشكّلها "جبل المكبر"، فإن بلدية الاحتلال قد بنت سوراً يحول بينه وبين الأحياء اليهودية في القدس الشرقية.

ومما يضفي صدقية على هذه التسريبات، حقيقة أن ترامب أعلن بشكل واضح خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على هامش مؤتمر "دافوس" الأخير، أن القدس لم تعد على طاولة التفاوض. في حين أن جاريد كوشنر، كبير مستشاري ترامب وصهره، قد ذهب أبعد من ذلك، عندما أعلن خلال كلمته في احتفال نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة الأسبوع الماضي، أن إسرائيل هي صاحبة الوصاية الوحيدة على القدس. ويمكن أن يمثّل هذا التصريح تمهيداً لتجريد الأردن من حق الوصاية على الأماكن المقدسة في المدينة.


أما بالنسبة إلى حق عودة اللاجئين، فلا حديث عن عودتهم إلى الأراضي التي شُرّدوا منها، وتقترح الخطة بحث تدشين مشاريع لتوطين اللاجئين في المناطق التي يوجدون فيها حالياً.
موضوع آخر رئيسي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو المستوطنات والسيادة والأرض والحدود، وعلى الرغم من أن الصفقة الأميركية تعرض هذه القضايا في بنود منفصلة، إلا أنه عند قراءة هذه البنود سوية تتبيّن خطورة دور الطرح الأميركي في تصفية القضية الفلسطينية.

فحسب ما ذكره المجدلاني، يتضح مما نقله بن سلمان إلى عباس أن الصفقة تنصّ على بقاء كل المستوطنات اليهودية القائمة في الضفة الغربية، إلى جانب إبقاء الحدود مع الضفة تحت السيادة الإسرائيلية المطلقة. في حين تشير تسريبات عريقات إلى أن الخطة تنصّ على ضم التجمّعات الاستيطانية الكبرى إلى إسرائيل. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن للصفقة أن توفّق بين ضم التجمّعات الاستيطانية، التي تشكل 10 في المائة من مساحة الضفة، إلى إسرائيل، وفي الوقت ذاته تنصّ على بقاء كل المستوطنات، وضمنها العشرات من المستوطنات النائية التي تنتشر في طول الضفة الغربية وعرضها؟
هذا السؤال أجاب عنه نتنياهو بشكل غير مباشر عندما أشاد بـ"إبداع" فريق ترامب المسؤول عن بلورة "صفقة القرن"، وتحديداً بسبب تصميمه فكرة الدولة الفلسطينية العتيدة لتكون دولة ذات "سيادة منقوصة". ومن أهم مظاهر السيادة المنقوصة هو أن تظل المستوطنات اليهودية النائية المنتشرة على أرض الدولة الفلسطينية ضمن السيادة الإسرائيلية.

كما أن تسريبات عريقات تشير إلى أن الصفقة تنص على أن إسرائيل وحدها تحتكر الصلاحيات الأمنية في كل مناطق الضفة الغربية. وهذا يعني أن ما تقترحه "صفقة القرن" هو مجرد حكم ذاتي.

أما بالنسبة إلى قطاع غزة، فعلى الرغم من كثرة التسريبات المتعلقة بـ"صفقة القرن"، فإن هناك غموضاً واضحاً بشأن مستقبل الأوضاع في قطاع غزة، فالأميركيون يعمدون إلى عدم الإفصاح عن مستقبل الأوضاع في القطاع في ظل الصفقة، وذلك بسبب حساسية القضية لأطراف إقليمية.
لكن عند إمعان النظر في بعض التحركات والتصريحات التي رافقت الجدل حول "صفقة القرن"، يُلاحَظ أن وسائل إعلام إسرائيلية وغربية أشارت إلى أن الإدارة الأميركية، والنظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، وإسرائيل، تدرس فكرة تدشين ميناء ومطار في العريش، شمال سيناء، لخدمة الدولة الفلسطينية العتيدة. وأخذاً بعين الاعتبار عدداً من التصريحات الرسمية التي صدرت عن مسؤولين إسرائيليين، والتي تتحدث عن اقتطاع جزء من مساحة شمال سيناء وضمه إلى غزة لكي يكون القطاع هو عصب "الدولة الفلسطينية"، فإن هذا قد يؤشر إلى أن كلاً من المطار والميناء في العريش سيكونان ضمن نطاق "الدولة الفلسطينية"، التي سيكون قطاع غزة مركز ثقلها.
ويتضح مما تقدّم أنه في حال تم السماح بتطبيق هذه البنود، فإنها ستفضي إلى تصفية القضية الفلسطينية بالضربة القاضية، وتمكّن إسرائيل من الانفراد بشكل نهائي بالقدس والضفة الغربية.