تضج أقسام الشرطة في قطاع غزة بآلاف الشكاوى اليومية المتعلقة بقضايا الذمم المالية وتعذر سدادها إما من قبل المواطنين أو التجار، وسط تدهور كبير في الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
وأضحت هذه القضايا تشكل عبئاً جديداً يلاحق السكان يضاف إلى أعباء الحياة اليومية نتيجة شح السيولة النقدية المتوفرة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بصورة غير مسبوقة واعتماد شريحة لا تقل عن 80 في المائة من السكان على المساعدات الإغاثية.
وتضطر الشرطة للقيام بحملات ملاحقة ضد المتعثرين في ظل تقديم أصحاب الأموال من مؤسسات وشركات وأفراد شكاوى ضدهم للمطالبة باسترداد حقوقهم المالية، ما رفع من أعداد الموقوفين في السجون.
وحتى الشباب حديثو الزواج لم يسلموا من هذه القضايا نتيجة اتجاه شريحة واسعة منهم نحو جمعيات تيسير الزواج أو الاقتراض. وخلال السنوات الأخيرة نظمت العديد من الجهات والمؤسسات الخيرية والفصائلية حملات موسمية كان يطلق عليها اسم "فكاك الغارمين" عبر تسديد الأموال عن المتعثرين والموقوفين في السجون لدى الشرطة مقابل الإفراج عنهم وإعادتهم لعائلاتهم.
ويقول المستشار زياد ثابت رئيس دائرة التفتيش القضائي في قطاع غزة إن إجمالي قضايا الذمم المالية المتوفرة لدى الجهات القضائية 142 ألفاً، بعضها مرحل من سنوات سابقة وبعضها خلال العام الجاري.
ويضيف ثابت لـ "العربي الجديد" أن الجهات القضائية استقبلت خلال عام 2020، 14 ألف قضية خلال الشهور الست الأولى، مع التنويه إلا أنه تم وقف العمل خلال شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان بسبب إجراءات مواجهة جائحة كورونا.
وخلال عام 2019 استقبلت الجهات القضائية 44 ألف قضية متعلقة بذمم مالية، أما في عام 2018، فبلغت عدد القضايا 39 ألف قضية، في حين تتراوح نسبة الزيادة السنوية في قضايا الذمم ما بين 5 إلى 10 في المائة، وفقاً لإحصائيات دائرة التفتيش القضائي.
وبحسب ثابت فإن المبالغ البسيطة والمتوسطة تشكل الغالبية العظمى من القضايا التي تصل إلى المحاكم من أجل النظر فيها، في حين من النادر أن توجد مديونيات بأرقام تتخطى 10 آلاف دولار أميركي، فيما تسجيل هذه الأعداد مرتبط بحالة التعثر الحاصلة لدى المواطنين بفعل ظروف الحصار الإسرائيلي وعدم انتظام صرف الرواتب للموظفين.
ووفقاً لثابت فإنه ومن بعد استئناف العمل وإزالة القيود الخاصة بمواجهة جائحة كورونا فإن الجهات القضائية أصدرت قرابة 5 آلاف أمر حبس لمواطنين في غزة جميعها متعلقة بقضايا الذمم المالية، وسط توقعات بارتفاعها هذا العام مع استمرار الأزمة.
ويوضح رئيس دائرة التفتيش القضائي في غزة أن عشرات الآلاف من أوامر الحبس تصدر سنوياً في قضايا الذمم المالية، غير أن ما ينفذ منها 10 في المائة، إذ يتم منح فرص لسداد المبالغ أو تأخيرها.
ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي أسامة نوفل أن إجمالي قضايا الذمم المالية وأوامر الحبس الصادرة عن الجهات الحكومية في غزة تعتبر مرتفعة إذا ما جرى مقارنتها بأعداد سكان القطاع، وهو ما يعكس حالة التردي في الأوضاع المعيشية.
ويوضح نوفل في حديثه لـ"العربي الجديد" أن من هذه القضايا يوجد قرابة ألفي قضية مرتبطة بالشباب المتزوجين حديثاً الذين حصلوا على قروض من أجل استكمال مراسم الزواج ثم أصبحوا غير قادرين على سدادها. وعمدت مؤسسات بنكية ومصرفية وحتى شركات في القطاع خلال الفترة الأخيرة لتشديد إجراءات الإقراض والمرابحات وحتى التقسيط.
ويبين نوفل أن هناك تراجعا بنسبة 30 في المائة في حجم الشيكات المرتجعة غير أن ذلك لا يقاس في شق إيجابي، إذ جاء التراجع نتيجة عدم وثوق البنوك وحتى الأفراد في الشيكات والخشية من عدم وجود تغطية مالية لها.