ملاحظات على مقالاتنا

05 فبراير 2015

صحف عربية في بغداد (21 مايو/2005/ أ.ف.ب)

+ الخط -
كم عدد الكتاب الصحافيين العرب؟ وكم مقالة يكتبون في اليوم؟ ما معدل عدد المقالات المنشورة يومياً في الصحف عربية؟ وكم عدد من يقرأونها فعلا؟ وكم قارئا لكل كاتب على حدة؟ وهل ما ينشر من أرقام في زاوية "الأكثر قراءة" في بعض مواقع الصحف يعكس الحقيقة فعلاً؟ أم أنه خاضع لحسابات إلكترونية، لا تهتم بعدد القراء الفعليين لكل مقال، بقدر اهتمامها بعدد من يفتحون صفحة ذلك المقال، قرأوه أو لم يقرأوه ربما؟
ليست لدي إجابات محددة على هذه الأسئلة التي خطرت على بالي، وأنا أتجول، في عادتي اليومية، بين مواقع صحف ومجلات عربية ورقية وإلكترونية مختلفة، للاطلاع على أبواب المقالات فيها. العدد مهول جداً، ولعله يفوق عشرات آلاف المقالات اليومية! ففي كل مرة أحاول فيها أن أحدد وقتاً لجولتي اليومية، أجدني قد تجاوزته وانتهيت إلى صداع مؤقت، يخفف من وطأته على صباحاتي بعض الاكتشافات شبه المجهولة، لكتاب رائعين، لكنهم مغمورون، ولا يتمتعون بشهرة آخرين، يكررون أنفسهم، منذ عشرات السنين، في إطار العلاقات الصحافية العامة والمصالح المشتركة والرعايات الرسمية وشبه الرسمية، من دون موهبة حقيقية في الكتابة.
منذ افتتحت مشروعي الصحافي الصغير على "تويتر" بعنوان "كيف تكتب مقالة؟" قبل عام تقريبا، وأنا مهتمة بمتابعة وقراءة مقالات كتابٍ عربٍ عديدين، في صحف ومواقع عربية مختلفة، أكثر من أي وقت مضى. كنت، في السابق، أنتقي ما أقرأ انتقاء دقيقاً جداً، يعتمد على معايير أصبحت من عادات القراءة الصحافية وتقاليدها بالنسبة لي، لكنني، الآن، أقرأ مقالات عربية يومية كثيرة، في معظم الصحف والمواقع بشكل سريع، لاختيار ما أنشره منها في صفحة "كيف تكتب مقالة"، نماذج للمقالات الناجحة، بغض النظر عن اتفاقي أو عدمه مع آراء كتابها. وقد أتاحت لي هذه الممارسة، المرهقة، أن أنظر إلى المشهد العربي بعيون هؤلاء الكتاب، بشكل أوسع، وأكثر شمولية، وبما يتجاوز حدود المحيط والخليج بكثير.
من ملاحظاتي الأولية أن المشهد إيجابي، على الرغم من كمية البؤس والتشاؤم والسوداوية التي يصوره بها لنا معظم هؤلاء الكتاب، على اختلاف مشاربهم. أما الإيجابية فنابعة من الحرية النسبية التي أصبح الكتاب العرب يكتبون بها مقالاتهم، وخصوصا في المواقع الإلكترونية التي أتاحت لهم مساحات واسعة، وحرة، بعيدة عن الرقابة الرسمية التي تعاني منها معظم الصحف العربية، بشكل مباشر أحياناً، وغير مباشر غالبا. وعلى الرغم من أن هذه الحرية النسبية أنتجت كتابات منفلتة تحريرياً وموضوعياً، إلا أن هذا الانفلات، كما أرى، مؤقت وغير مؤثر في المحصلة النهائية، بشكل كبير.
ومن ملاحظات أخرى، رصدتها في أثناء تجوالي اليومي، أن موضوعات العرب واحدة تقريباً، على الرغم من اختلاف المشكلات المحلية لكل بلد، فهذه المشكلات الخاصة لا تستغرق سوى أقل نسبة من اهتمامات الكتاب العرب، أما النسبة الأكبر من هذه الاهتمامات فيخصصونها للهموم والقضايا المشتركة، على الصعيدين العربي والعالمي، أيضاً، مع تشابه كبير، يصل إلى حد التطابق، أحياناً، في أساليب المعالجة، ولا ينجو من ذلك التشابه إلا قلة قليلة من الكتاب، تصل إلى حد الندرة.
وثالث ملاحظاتي، وليس آخرها، فالملاحظات أكثر من حصرها في مقالة، أن أنجح المقالات في الانتشار والرواج ما يأتي على حساب الموضوعية والاعتدال في الطرح، لحساب الاستقطاب الحاد، وخصوصا في الآراء السياسية والدينية. ويبدو أن الناس أصبحوا يختارون كتابهم المفضلين، ويقرأون لهم، كما يشجعون فرقهم الكروية المفضلة. وبالتالي، خضع كثيرون من الكتاب لوطأة الحاجة للظهور في قوائم الأكثر قراءة، للتمادي في الانغماس بلعبة الاستقطاب بشكل حاد جداً، فعلى طريق المشجع المشجعين البرشلوني والمدريدي، أصبح لدينا الكاتب الإسلامي مقابل الكاتب الليبرالي، والكاتب الإخواني مقابل الكاتب السلفي، والثوري مقابل الانقلابي.. والقائمة تطول على حساب فن المقالة الصحافية للأسف.
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.