أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، نهاية الشهر الماضي، عن نيتها التحقيق في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل وما زالت في الأراضي الفلسطينية المحتلة. بنسودا طلبت دعما من قضاة المحكمة لتحديد الإطار الجغرافي الإقليمي لعملها، ستحصل عليه غالباً، وسيصبح فتح التحقيق بشكل جدّي مسألة وقت فقط، علماً أن مندوبين عنها التقوا منظمات حقوقية، وحتى ممثلي فصائل فلسطينية، بعد تقديم السلطة طلبا رسميا للتحقيق في الجرائم الإسرائيلية، إثر تشكيل لجنة وطنية لهذا الغرض.
ما فعلته المدعية العامة غير مسبوق، ولأول مرة سيتم فتح تحقيق قضائي جنائي دولي ذي أنياب في ما ارتكبته إسرائيل من انتهاكات، علماً أن الأمر لا يقتصر على جرائم القتل أو الاعتقال والتضييق على الحريات، وإنما يطاول المستوطنات، كما نهب الأراضي ونهب الثروات الفلسطينية، من دون تجاهل فتوى قانونية لمحكمة العدل الدولية - 2004 - اعتبرت جدار الفصل الإسرائيلي العنصري في الضفة الغربية غير قانوني، كونه يتجاوز حدود حزيران/يونيو 67، ما يعني حكماً أن كل ما تفعله إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني أيضاً، ما يشكل بدوره أرضية مناسبة للمدعية العامة للتحقيق في تلك الجرائم.
جاء تحرك السلطة باتجاه المحكمة الجنائية متأخّراً، حيث تم رفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقبة في الأمم المتحدة منذ سبع سنوات تقريباً، وهي مدة طويلة راهنت خلالها السلطة على وهم عملية التسوية التي انتهت عملياً قبل ست سنوات على الأقل، إثر فشل جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري في عام 2014. ومع ذلك، فأن يأتي الشيء متأخّراً أفضل من ألاّ يأتي على الإطلاق.
طبعاً لا بد من عمل فلسطيني وطني كبير لمواكبة قرار المدعية العامة، عبر تحضير ورفع ملفات فردية وجماعية تتضمن ممارسات الاحتلال غير القانونية من الأساس، لأن ما بُني على باطل فهو باطل.
هذا يعني بالضرورة أهمية التنسيق وتجاوز الانقسام الداخلي، والتعاون المشترك في تقديم الملفات. وثمة أمر مهم جداً يتعلق بقرار المدعية النظر في الجرائم الإسرائيلية، فبعد التوافق الوطني وحتى توقيع الفصائل- فتح وحماس تحديداً- على طلب التقدم للمحكمة، ومع التأكيد على حق المقاومة المكفول للشعب الفلسطيني، لا بد من الحرص على اتباع أساليب تتماشى مع القانون الدولي، طالما أننا نطلب محاسبة إسرائيل على جرائمها من خلاله. خاصة أن المدعية العامة ستفحص كذلك، ومن جهة نظر قانونية، أعمال ونشاطات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه.
وبالتأكيد ثمة جهود سياسية ودبلوماسية خارجية ينبغي القيام بها في مواجهة عمل دبلوماسي سياسي إسرائيلي مكثف ومحموم لإفراغ قرار المدعية من محتواه، عبر طلب تل أبيب من قوى كبرى ومؤثرة عدم التجاوب معه، والتشكيك في صلاحية دور المحكمة فلسطينياً، ما أثمر تفاعلا إيجابيا من بعض الدول تجاه العمل الإسرائيلي، مع الانتباه إلى أن معظم دول العالم انضمت إلى المحكمة الجنائية، وهي مستعدة للتعاون معها في ظل المزاج العام ضد إسرائيل، وممارساتها بحق الشعب الفلسطيني.
لا بد كذلك من حملة سياسية دبلوماسية عربية ودولية، مع عدم التعويل على الدول العربية، كون معظمها لم تنضم أصلاً للمحكمة الجنائية، ناهيك عن ارتكاب بعضها جرائم موصوفة بحق مواطنيها، والاعتماد في المقابل على منظمات حقوقية أهلية عربية ودولية استعدت دوماً لمساعدة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
قبل 15 سنة تقريباً، أصدرت محكمة العدل الدولية فتوى قانونية ضد جدار الفصل العنصري، لم يتم الاستفادة منها فلسطينياً، أو استثمارها كما يجب، بل إن موافقة قيادة السلطة رسمياً وعلنياً على فكرة تبادل الأراضي مع إسرائيل، نسفت أو نالت من تلك الفتوى سياسياً وقانونياً أيضاً.
من هنا، لا يجب التردد والتلكؤ فلسطينياً في المضي قدماً أو الانصياع للضغوط الخارجية من أجل عرقلة عمل المدعية العامة، خاصة أن التحقيق ما زال في مراحله النظرية الأولي، وأثار منذ الآن الرعب في إسرائيل من إمكانية إصدار المحكمة مذكرات اعتقال سرية بحق قادة إسرائيليين سياسيين وعسكريين. وثمة حديث إسرائيلي عن التريث وتأجيل خطوات سياسية استيطانية جارفة مثل ضم غور الأردن أو مناطق سي في الضفة الغربية. علماً أن وزير الخارجية يسرائيل كاتس تحدّث صراحة عن عدم طرد وتشريد أهالي الخان الأحمر، وهدم بيوتهم في القدس المحتلة، بسبب الخوف من المحكمة الجنائية الدولية وتحقيقاتها.
لا شك أننا بصدد انتصار كبير سياسي وقانوني لفلسطين، لا يجب بأي حال من الأحوال استغلاله للتغطية أو حتى تعميق القبضة الاستبدادية الأحادية الداخلية، واعتباره دليلا على نجاح السلطة وسياساتها العامة خارجياً وداخلياً، بل يجب التعاطي معه كإنجاز وطني جامع خارج الانقسام والصراع الفصائلي الضيق.
وبالتأكيد، لا يجب أبداً إهداره، كما جرى مع قرار محكمة العدل الدولية، بل اعتباره مقاومة قانونية ضمن مقاومة شاملة متعددة الأشكال والأبعاد للاحتلال الإسرائيلي. علماً أن القرار مجد جدّاً كذلك في مواجهة صفقة القرن الأميركية بمضامينها حيثياتها وخطواتها التمهيدية، بما في ذلك الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، أو تشريع المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عام 1967، لأن المحكمة ستنظر في جرائم ارتكبها الاحتلال في المدينة، مع اعتبار الاستيطان جريمة بحد ذاته.
لابد من الانتباه كذلك إلى أن حصار غزة جريمة بحد ذاته، وهو ما ستحقق فيه بالتأكيد المحكمة الجنائية، وبالتالي لا بد من الحرص على مواجهته في إطار وطني جامع، وبالتأكيد بأساليب تتماشى مع القانون الدولي- نموذج المسيرات الشعبية بشكلها الجماهيري السلمي- الذي ستستند إليه المحكمة في تحقيقها في الجرائم الإسرائيلية.
ما فعلته المدعية العامة غير مسبوق، ولأول مرة سيتم فتح تحقيق قضائي جنائي دولي ذي أنياب في ما ارتكبته إسرائيل من انتهاكات، علماً أن الأمر لا يقتصر على جرائم القتل أو الاعتقال والتضييق على الحريات، وإنما يطاول المستوطنات، كما نهب الأراضي ونهب الثروات الفلسطينية، من دون تجاهل فتوى قانونية لمحكمة العدل الدولية - 2004 - اعتبرت جدار الفصل الإسرائيلي العنصري في الضفة الغربية غير قانوني، كونه يتجاوز حدود حزيران/يونيو 67، ما يعني حكماً أن كل ما تفعله إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني أيضاً، ما يشكل بدوره أرضية مناسبة للمدعية العامة للتحقيق في تلك الجرائم.
جاء تحرك السلطة باتجاه المحكمة الجنائية متأخّراً، حيث تم رفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقبة في الأمم المتحدة منذ سبع سنوات تقريباً، وهي مدة طويلة راهنت خلالها السلطة على وهم عملية التسوية التي انتهت عملياً قبل ست سنوات على الأقل، إثر فشل جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري في عام 2014. ومع ذلك، فأن يأتي الشيء متأخّراً أفضل من ألاّ يأتي على الإطلاق.
طبعاً لا بد من عمل فلسطيني وطني كبير لمواكبة قرار المدعية العامة، عبر تحضير ورفع ملفات فردية وجماعية تتضمن ممارسات الاحتلال غير القانونية من الأساس، لأن ما بُني على باطل فهو باطل.
هذا يعني بالضرورة أهمية التنسيق وتجاوز الانقسام الداخلي، والتعاون المشترك في تقديم الملفات. وثمة أمر مهم جداً يتعلق بقرار المدعية النظر في الجرائم الإسرائيلية، فبعد التوافق الوطني وحتى توقيع الفصائل- فتح وحماس تحديداً- على طلب التقدم للمحكمة، ومع التأكيد على حق المقاومة المكفول للشعب الفلسطيني، لا بد من الحرص على اتباع أساليب تتماشى مع القانون الدولي، طالما أننا نطلب محاسبة إسرائيل على جرائمها من خلاله. خاصة أن المدعية العامة ستفحص كذلك، ومن جهة نظر قانونية، أعمال ونشاطات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه.
وبالتأكيد ثمة جهود سياسية ودبلوماسية خارجية ينبغي القيام بها في مواجهة عمل دبلوماسي سياسي إسرائيلي مكثف ومحموم لإفراغ قرار المدعية من محتواه، عبر طلب تل أبيب من قوى كبرى ومؤثرة عدم التجاوب معه، والتشكيك في صلاحية دور المحكمة فلسطينياً، ما أثمر تفاعلا إيجابيا من بعض الدول تجاه العمل الإسرائيلي، مع الانتباه إلى أن معظم دول العالم انضمت إلى المحكمة الجنائية، وهي مستعدة للتعاون معها في ظل المزاج العام ضد إسرائيل، وممارساتها بحق الشعب الفلسطيني.
لا بد كذلك من حملة سياسية دبلوماسية عربية ودولية، مع عدم التعويل على الدول العربية، كون معظمها لم تنضم أصلاً للمحكمة الجنائية، ناهيك عن ارتكاب بعضها جرائم موصوفة بحق مواطنيها، والاعتماد في المقابل على منظمات حقوقية أهلية عربية ودولية استعدت دوماً لمساعدة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
قبل 15 سنة تقريباً، أصدرت محكمة العدل الدولية فتوى قانونية ضد جدار الفصل العنصري، لم يتم الاستفادة منها فلسطينياً، أو استثمارها كما يجب، بل إن موافقة قيادة السلطة رسمياً وعلنياً على فكرة تبادل الأراضي مع إسرائيل، نسفت أو نالت من تلك الفتوى سياسياً وقانونياً أيضاً.
من هنا، لا يجب التردد والتلكؤ فلسطينياً في المضي قدماً أو الانصياع للضغوط الخارجية من أجل عرقلة عمل المدعية العامة، خاصة أن التحقيق ما زال في مراحله النظرية الأولي، وأثار منذ الآن الرعب في إسرائيل من إمكانية إصدار المحكمة مذكرات اعتقال سرية بحق قادة إسرائيليين سياسيين وعسكريين. وثمة حديث إسرائيلي عن التريث وتأجيل خطوات سياسية استيطانية جارفة مثل ضم غور الأردن أو مناطق سي في الضفة الغربية. علماً أن وزير الخارجية يسرائيل كاتس تحدّث صراحة عن عدم طرد وتشريد أهالي الخان الأحمر، وهدم بيوتهم في القدس المحتلة، بسبب الخوف من المحكمة الجنائية الدولية وتحقيقاتها.
لا شك أننا بصدد انتصار كبير سياسي وقانوني لفلسطين، لا يجب بأي حال من الأحوال استغلاله للتغطية أو حتى تعميق القبضة الاستبدادية الأحادية الداخلية، واعتباره دليلا على نجاح السلطة وسياساتها العامة خارجياً وداخلياً، بل يجب التعاطي معه كإنجاز وطني جامع خارج الانقسام والصراع الفصائلي الضيق.
وبالتأكيد، لا يجب أبداً إهداره، كما جرى مع قرار محكمة العدل الدولية، بل اعتباره مقاومة قانونية ضمن مقاومة شاملة متعددة الأشكال والأبعاد للاحتلال الإسرائيلي. علماً أن القرار مجد جدّاً كذلك في مواجهة صفقة القرن الأميركية بمضامينها حيثياتها وخطواتها التمهيدية، بما في ذلك الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، أو تشريع المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عام 1967، لأن المحكمة ستنظر في جرائم ارتكبها الاحتلال في المدينة، مع اعتبار الاستيطان جريمة بحد ذاته.
لابد من الانتباه كذلك إلى أن حصار غزة جريمة بحد ذاته، وهو ما ستحقق فيه بالتأكيد المحكمة الجنائية، وبالتالي لا بد من الحرص على مواجهته في إطار وطني جامع، وبالتأكيد بأساليب تتماشى مع القانون الدولي- نموذج المسيرات الشعبية بشكلها الجماهيري السلمي- الذي ستستند إليه المحكمة في تحقيقها في الجرائم الإسرائيلية.