نقلت وسائل إعلام إثيوبية وعربية، أمس الثلاثاء، تصريحات لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، تحمل مستجدات ملحوظة بشأن المفاوضات الجارية حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة. فللمرة الأولى، تحدث أحمد عن "حتمية التوصل إلى اتفاق"، مع التأكيد على عدم الإضرار بمصر، وحقّ بلاده في الملء الأول السريع للسد للاستفادة من موسم الأمطار الغزيرة الحالي على الهضبة الحبشية، وغزارة المياه الداخلة في حوض النيل الأزرق عبر بحيرة تانا، التي يتم تطهيرها حالياً لتعظيم الاستفادة من المياه وزيادة كمياتها المنقولة إلى خزان السد.
يأتي هذا بالتوازي مع عدم إحراز أي تقدم يُذكر في المفاوضات المستمرة عن بعد، والتي تدخل اليوم الأربعاء يومها السادس، بين الوفود الفنية لمصر والسودان وإثيوبيا بإدارة الاتحاد الأفريقي ورقابة 11 طرفاً أفريقياً ودولياً. ومن المقرر أن تعقد اليوم اجتماعات ثنائية محددة المدة بين كل وفد فني وبين المراقبين المختلفين، لمراجعة حصيلة مناقشات اليومين الماضيين على المستويين الفني والقانوني.
توضح المؤشرات الواردة من إثيوبيا أن السد ليس جاهزاً حتى الآن لبدء عملية الملء
وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن تصريحات آبي أحمد تعكس الضغوط الكبيرة التي بذلت من القوى الدولية خلال الأيام الماضية، لضمان التوصل إلى حلٍّ سياسي وفني لمنع تطور الأزمة القائمة من جانب، وللحد من تدخل مجلس الأمن الدولي في القضية من جانب آخر. وأشارت هذه المصادر إلى أن فرنسا التي ترأس المجلس حالياً، لا تزال تؤدي دوراً توفيقياً في الاتصالات غير المباشرة بين واشنطن وبكين حول تطورات الأزمة، بحيث يصل المجلس إلى نقطة تمكنه فقط من إصدار بيان لمباركة توصل الدول الثلاث إلى اتفاق، دون أن يكون هناك داع لتجديد الخلاف على إصدار بيان أو قرار لصالح مصر، وهو ما كانت تصر عليه واشنطن وتم إرجاؤه لإعطاء فرصة للمفاوضات الجارية.
وأضافت المصادر أن التوصل إلى اتفاق سيسهل على الجميع تحقيق أهدافهم، فإثيوبيا ستتمكن من ملء السد قبل نهاية الشهر الحالي دون مضايقات بما يسهل لها تخزين 4.9 مليارات متر مكعب حتى الربيع المقبل، ومن ثم التمكن من تجريب الأنظمة الكهرومائية والهيدرولوجية المختلفة وتوليد الكهرباء تجريبياً قبل الانتهاء تماماً من الأعمال الإنشائية للسد. أما مصر فسوف تكون مستفيدة أيضاً من الملء السريع للسد استغلالاً لفترة الرخاء الحالية، والتي من المتوقع أن تمتد لنحو 3 سنوات أخرى، وبالتالي تقليل الأضرار التي من الوارد تأثر البلاد بها.
من جهته، قال مصدر فني مصري واسع الاطلاع على مجريات التفاوض، إن المؤشرات الواردة من إثيوبيا خلال المفاوضات توضح أن السد ليس جاهزاً حتى الآن لبدء عملية الملء، وأن الخبراء الفنيين يقدرون أن يتمكن السد من استيعاب المياه بالفعل خلال شهر أغسطس/آب المقبل. وشدد المصدر على أن الصور المتداولة لتجمعات المياه الغنية بالطمي، لا تعبر عن بدء عملية الملء، بل هي وليدة زيادة فيضان هذا العام وعدم فتح بوابات السد حتى الآن لتمريرها، مشيراً إلى أن التخزين يقتضي تغيير طبيعة المياه في هذه المرحلة وتقليل نسب الطمي والشوائب بها.
وأكد المصدر في الوقت نفسه عدم حلّ أي مشكلة عالقة حتى الآن على المستويين الفني والقانوني، كاشفاً عن "تقديم بعض المراقبين اقتراحات فنية جيدة تأخذها مصر بعين الاعتبار". وتتعلق هذه الاقتراحات، بحسب المصدر، بكميات المياه المتدفقة في فترات الجفاف الممتد تحديداً، وكذلك إنشاء الآلية التنسيقية لوضع قواعد تخزين المياه، والتي لا تزال أديس أبابا تتعنت في إقرارها مطالبة بحقها السيادي في تغيير قياسات التمرير مستندة إلى نص اتفاق المبادئ الموقع في مارس/آذار 2015.
يسعى مجلس الأمن الدولي إلى تجنب تجديد الخلاف بين أعضائه على إصدار بيان أو قرار لصالح مصر
وكان آبي أحمد قد ظهر يوم الجمعة الماضي بالرداء العسكري في خطاب للشعب الإثيوبي بمناسبة الاضطرابات التي تبعت مقتل المغني الأورومي هاشالو هونديسا والاحتجاجات، وأعلن يومها أن بلاده تتعرض لمحاولة انقلابية مدبرة من قوى داخلية وخارجية. وقبلها أيضاً أشار رئيس الوزراء الإثيوبي إلى مواجهة بلاده لمخططات تسعى لوقف الإنجازات التي يحققها.
وسبق أن قال مصدر سياسي إثيوبي لـ"العربي الجديد"، إن هناك مجموعة من الخطوط الحمراء التي لا يمكن للمفاوضين الإثيوبيين تجاوزها في المرحلة الحالية، أبرزها أن يكون الاتفاق الذي ستتوصل إليه المفاوضات ملزماً، كاشفاً عن عقد آبي أحمد اجتماعات عديدة خلال الأسبوعين الماضيين في مقر الحكومة بمجموعة من الخبراء القانونيين الإثيوبيين والأفارقة والعاملين بالاتحاد الأفريقي والمحاكم المنبثقة منه، حيث تلقى قائمة من النصائح أبرزها الحذر من أي بند يضفي الطبيعة الإلزامية على الاتفاق.
وبحسب المصدر، فإن النصائح القانونية أوصت باتباع سياسة النفس الطويل في التفاوض، مع استمرار الاعتراض على أمر آخر إلى جانب الإلزام، وهو ذكر أي لجنة أو هيئة دولية دائمة أو تشكل خصيصاً بغرض فض النزاع القانوني بين إثيوبيا ومصر والسودان، وفي النهاية يتم اقتراح اللجوء إلى منظمة دولية (الخيار الأول للإثيوبيين هو بالطبع الاتحاد الأفريقي) لتسوية الخلافات سياسياً وليس قانونياً.
وأشار المصدر إلى أن الموقف الإثيوبي في هذا الإطار لم يتم إعلانه رسمياً، ولكن تمّ ذكره ضمنياً خلال لقاءات عن بعد جمعت ممثل إثيوبيا تايي أثقيلاسيلاسي بمندوبي الدول الأعضاء، وأن الموقف "مدعوم بشدة" داخل مجلس الأمن من الصين وروسيا وبلجيكا وجنوب أفريقيا والنيجر، لكن لا ترحب به باقي الدول.