مكفوفات لكن منتجات

23 نوفمبر 2015
يتبادلن، من حين إلى آخر، بعض المزاح (العربي الجديد)
+ الخط -

آسيا الحاج، امرأة ثلاثينية ولدت فاقدة البصر بين خمسة شبان، ومع ذلك تحدّت إعاقتها. لم تتوقف عند حدود ذاتها، بل فتحت منزلها المتواضع في ضواحي الخرطوم لتدريب نساء مكفوفات على الأشغال اليدوية والأعمال المنزلية.
بإمكانات محدودة وبدعم متواضع من بعض الخيّرين، يعمل مركز آسيا الذي أطلقت عليه اسم "الزهراء" على اسم والدتها تكريماً وتقديراً لها ولصبرها عليها.

تهتم آسيا التي تدربت في أحد مراكز الأشخاص المعوقين في العاصمة السودانية، بتعليم 10 مكفوفات، اليوم، صنع المعجنات كالبيتزا والفطائر. كذلك تعلمهن الأشغال اليدوية، وصنع إكسسوارات الخرز والكريستال، وتنسيق الألوان بدقة قد يعجز أمامها غير المكفوفين.
تواجه النسوة جملة من التحديات بدورهن. ومن ذلك التنقل في المواصلات الذي يواجهن صعوبة كبيرة فيه، خصوصاً أنّ أماكن سكنهن بعيدة، وقد تتطلب الاستعانة بثلاث وسائل مواصلات. كما يشتكين من الإمكانات الضعيفة التي يعملن بها في ظل غياب كامل للدعم الحكومي. تحاول آسيا، منذ ثلاث سنوات، تجهيز مركز بمطبخ حديث، لكنّها لم تتمكن من ذلك. فتعمل المتدربات بطرق بدائية، وتستعين آسيا من أجلهن بمقتنيات بيت أهلها.

تقول آسيا لـ"العربي الجديد": "صحيح فقدنا نعمة البصر، لكننا نملك نعمة البصيرة.. وهي الرسالة التي أريد أن أوصلها من خلال فكرة المركز. صحيح أننا مكفوفات، لكننا قادرات على أن نكون فاعلات في المجتمع أسوة بغيرنا، خصوصاً أنّنا منتجات أيضاً". تتابع: "في المركز نؤهل المتدربات للعمل بغرض الربح وكذلك للإسهام في عمل المنزل". تؤكد أنّ المتدربات نجحن في تسويق منتجاتهن على قلتها في الأحياء والمحال التجارية في المنطقة.

تشير آسيا إلى أنّ من التحديات الرئيسية في مركزها ضعف الإمكانيات وتغيّب المتدربات بسبب فشلهن في تأمين تعرفة المواصلات. وتؤكد أنّ خدمة المركز تقدمها مجاناً لهن، ومع ذلك لا يحصل مركزها على أيّ دعم حكومي. وتعيد السبب إلى عدم تسجيل المركز بصورة رسمية، فالأمر يتطلب إجراءات كثيرة، بحسب ما تقول. وتشرح أن معظم المتدربات من زميلاتها وصديقاتها اللواتي التقت بهن في دروب مختلفة، فضلاً عن بعض قريباتها. وتذكر أنّ الشعار الذي رفعنه هو "خيرنا لغيرنا". وتشير إلى أنّها تتلقى اتصالات يومية من مكفوفات راغبات في الانضمام إلى المركز، لكنها تعتذر بسبب ضعف القدرة على استيعاب أعداد أكبر.

في المقابل، يشكو المجلس القومي للأشخاص المعوقين التابع لوزارة الرعاية الاجتماعية في السودان من ضيق ذات اليد. ويؤكد أنه لا يملك المال الكافي لدعم الأشخاص المعوقين بالصورة المطلوبة، وهم الذين يبلغ عددهم نحو 225 ألفاً، ويواجهون ظروفاً معيشية قاسية. وعلى الرغم من القوانين التي تؤكد حقهم في الحصول على عمل، فالمؤسسات لا تلتزم بها.
يقول مدير المجلس، أبو أسامة عبدالله، إنّ مجلسه يشجع مبادرات الأشخاص المعوقين، من قبيل مبادرة آسيا، لكنّ قلة الأموال المخصصة للمجلس لا تمكنه من دعمها كلّها.

من جهتها، احتلت آسيا من أجل مبادرتها مساحة كبيرة من باحة منزل الأسرة، بنت لها سقفاً معدنياً، لكن من دون تغطية الجوانب. وضعت في الباحة عدداً من الطاولات، منها ما هو قديم، ومجموعة من كراسي البلاستيك للمتدربات. وإلى جانب كلّ واحدة منهن عدة العمل الخاصة بها، بحسب تخصصها. فهناك مجموعة من سعف النخيل، وأوانٍ ملئت بالخرز والكريستال بألوان مختلفة، وأخرى تحتوي أدوات صنع العطر السوداني والبخور التي تستخدمها العرائس والمتزوجات كجزء من الزينة.
تبدأ المتدربات العمل، في وقت مبكر، من النهار في تنسيق تام. يتبادلن، من حين إلى آخر، بعض المزاح، ويتعالى ضحكهن. يطلقن نكاتاً عن إعاقتهن، فتؤكد إحداهن لزميلاتها عدم رغبتها في الإبصار مجدداً، لأنها باتت مكفوفة منذ وقت قصير. ومع ذلك، تقول أخرى ولدت مكفوفة: "شخصياً أتمنى أن أبصر لأرى الدنيا وألوانها وأشاهد وجوه أطفالي".

بدورها، تؤكد المتدربة أميرة لـ"العربي الجديد" استفادتها القصوى من المركز. وتقول: "بتّ أحضّر في المنزل المعجنات والبخور السوداني وأبيعه لنساء الحي، ما يدرّ عليّ دخلاً جيداً. كذلك، بتّ أعتمد على نفسي في استقبال الزائرين في المنزل وتقديم الضيافة لهم". ومع ذلك، تؤكد بحزن أنّ أكثر ما يواجهها كمكفوفة، هي وغيرها، التمييز الذي ينلنه من المجتمع، ويؤدي بهن إلى الإحباط أحياناً. وتضيف: "لا أشعر بإعاقتي إلاّ عندما أخرج من المنزل أو مركز التدريب".

اقرأ أيضاً: المرأة لحلّ النزاعات
دلالات
المساهمون