مكاسب الهدنة

01 مارس 2016
+ الخط -
اقتصر إعلان وقف الأعمال العدائية في سورية على شخصَي وزيري الخارجية الروسي والأميركي، من دون وجود عسكري أو سياسي يمثل أياً من الأطراف التي ستلتزم بهذه الهدنة، وبغياب مسؤولي الدول الإقليمية التي تدعم الأطراف المتقاتلة على الأرض.
كان واضحاً أن روسيا وأميركا تمتلكان ما يؤهلهما لإقرار إعلانٍ من هذا النوع، ولديهما الضمانات الكافية بأن ما سيتم إقراره سيجري التقيد به، وظهورهما منفردين يؤكد أنهما يأخذان الأمر على محمل الجد، وأن ثمة هدوءاً سيعم جبهاتٍ بعينها. تفيد تقارير الأيام الأولى بأن الالتزام كان جيداً بالقياس على ما كان يجري قبل إعلان الهدنة، وأبدى مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، سعادة أممية بالهدوء الأخير، وأظهر تفاؤلاً دولياً باستمرار هذا الركود العسكري الذي سيمهد لتنفيذ خطته التي أقرها مجلس الأمن في قراره رقم 2254 .
إعلان الهدنة المقترن بصرامة عضوين من أعضاء مجلس الأمن الدائمين جاء بعد فشل افتتاح مؤتمر جنيف الثالث، الذي جعل دي ميستورا حينها يضطر للتأجيل منعاً للحرج الذي سيسببه إعلان الفشل النهائي، خصوصاً إذا تذكّرنا ما رافق المؤتمر، أو حتى ما سبقه، من ضجيج حول عدم الاتفاق على الوفود التي ستحضر، مع الإصرار الروسي على أسماء محدّدة، وطريقة محادثات معينة، لكونها، أي روسيا، غير مستعدة أن تخسر على الطاولات الدبلوماسية كل ما حققته من مكاسب عسكرية..
تجاوز بشار الأسد أمر إعلان الهدنة، وصرّح، خارج السياق، عن نيته إجراء انتخابات نيابية في إبريل/ نيسان! متجاوزاً أحد أهم بنود قرار مجلس الأمن، ولم يتلق على ذلك ردوداً "تقريعية" من روسيا على نمط الإهانات السابقة التي وصلت إليه منها.
تعتقد روسيا أن موسم القطاف قد حان، فوقف إطلاق النار يعطي شرعية، وإن كانت معنوية، لنظام بشار الأسد، ما يجعل إصرار الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على أن مكانه الطبيعي خارج النظام وخارج سورية كلها، بلا قيمةٍ فعليةٍ، فالتعامل مع وقف إطلاق النار سيكون مع قوات بشار الأسد بشكل رئيسي، وستلي تحقيق هذا الوقف عمليات إغاثية، قد تحرص روسيا على أن تكون واسعةً، وربما سيساعد على توسيعها ثباتُ وقف إطلاق النار، ما يعني تعاوناً دولياً جديداً مع نظام الأسد، وإعادة تلميعه على أرضية المساعدة في العمليات الإنسانية، بعد أن تتراجع أخبار البراميل والقتل الجماعي.
لكن حقيقة الأمر أن روسيا ترغب من وراء "وقف الأعمال العدائية" أكثر مما يظهر، فهي تراهن على زيادة الانقسامات الداخلية في صفوف المعارضة الرئيسية للنظام، وربما تطمح إلى تحويل هذه المعارضة إلى مجرد شظايا، فتصبح الجبهتان الوحيدتان العدوتان هما تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، وبعد أن تستجمع قوات النظام نفسها قد تبدأ هجوماً، بمساعدة الروس، على تنظيم الدولة في الرقة، وقد يسبقه هجوم على التنظيم في جبهة تدمر الأضعف، عندها تتحول القضية السورية برمتها إلى مجرد حرب ضد الإرهاب..
أما الجائزة الكبرى لروسيا فهي عزل تركيا وإبقاؤها على الطرف الآخر من الحدود مع استمرار اعتراضات كلامية لمسؤوليها يملأ صداها فراغ خلفه غياب أصوات المدافع.
أعلن دي ميستورا السعيد بهدوء بعض الجبهات أن المفاوضات ستعود في السابع من شهر مارس/ آذار الحالي، وسيكون المتغير الوحيد، عند بدء الجولة الجديدة من المفاوضات، هو الكسب المعنوي الذي حققته روسيا، فيما بقي كل شيء على حاله في الميادين الأخرى، كالخلاف على أسماء الوفود، وبند المعتقلين، وبند مصير الأسد الذي تحول إلى مجرد بلاهةٍ خطابيةٍ بدون محتوى عملي، الأمر الذي يُظهر أميركا في موقع المتواطئ، خصوصاً بعد تراجع تركيا والسعودية عن تصريحاتهما بشأن التدخل البري، والرمي به خلف إعلان الهدنة الذي يثبِّت فيه النظام أقدامه على الأرض التي اكتسبها في الهجمات العسكرية الروسية الأخيرة، وفي الوقت نفسه، يأخذ الطيارون الروس جرعة تنفس واستجمام على الشاطئ الأزرق، وكأن المطلوب من وقف الأعمال العدائية الإفادة من بريق الكلمة، للتخلص من وزر أخلاقي كبير.