مقهى دوزان: آخر ركن جالسه محمود درويش في حيفا

15 اغسطس 2015
ارتاد محمود درويش مقهى دوزان بانتظام للقاء أصدقائه والأهل
+ الخط -


بين ميناء حيفا وحدائق قبة عباس، ومنحدرات سفوح جبل الكرمل تشهد مدينة حيفا المحتلة حيزاً ومكاناً من الحياة الثقافية والسياسية، وفسحة من الفضاء العربي لفلسطينيي الداخل.
فشارع جادة الكرمل، الاسم الفلسطيني في حي الألمانية في حيفا، واليوم شارع "بن غوريون" تحوّل في العقد والنصف الأخير إلى مساحة الأنشطة السياسية والتظاهرات والاحتجاجات السياسية من الفلسطينيين ضد السلطات والحكومة الإسرائيلية. فيشتمل الشارع على جانبي الجادة على العشرات من المطاعم والمقاهي العربية.

ويطلق الفلسطينيون اسم ساحة الأسير، على باحة في مركز الشارع تضامنا مع إضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وكان عرب حيفا قد أطلقوا اسم أبي النواس على الشارع كي لا يتداولوا اسم "بن غوريون"؛ وهو أول رئيس حكومة في (إسرائيل).
فللمثقفين والفنانين والأدباء والسياسيين مكان وحيز للقاء في المقاهي في جادة الكرمل. فكانت حيفا أحد أهم مراكز الإشعاع الفكري في فلسطين قبل النكبة. أما اليوم فهم يشكلون أقلية من بعد النكبة بحيفا، ولكنها غير هامشية ويجتمع بها ويقطنها مثقفون وأكاديميون وفنانون. وصدرت منها أفضل المجلات الأدبية والصحف.

أما أيقونة فلسطين الشاعر محمود درويش، فكان قد عاش فيها بفترة صباه قبل مغادرته الوطن. وعاد إليها بزيارات كثيرة في السنوات الأخيرة من حياته، وكان قد قدم بها أمسية شعرية قبل رحيله بعام. وصادف هذا الأسبوع الذكرى السابعة لرحيله بيوم 9 أغسطس/آب.
كانت حيفا نقطة الانطلاق التي عاش فيها الشاعر من سنة 1961 حتى عام 1970 وكانت النقطة الأخيرة قبل مغادرته من فلسطين، وكان استقر بها وقطنها بأيام صباه الأولى وبدايات شعره.

اقرأ أيضاً: معرض ربيع القدس.."على هذه الأرض ما يستحق الحياة"

وكتب في العام نفسه الذي رحل فيه، قبل مغادرته إلى الولايات المتحدة الأميركية لإجراء عملية جراحية: "أفرح كلما جئت إلى دوزان وأتمنى لو أتمكن من العودة دائما، مع تحياتي بمزيد من النجاح وكل عام وأنت بخير - 2-1-2008".

وتزين صورة الشاعر جدران المقهى مع كتابة خط يده في دفتر الزوار للمقهى، وفي حديث مع فادي نجار صاحب مقهى دوزان قال: كان محمود درويش يجلس في الزوايا في مقعدين ثابتين، إما في الغرفة الداخلية في الزاوية وبجانبها رفوف مكتبة، فجميع لقاءاته مع أصدقائه كانت في الغرفة الداخلية في المقهى، يخاصة قبل عقد أمسية شعرية له بحيفا ولقاءاته العائلية، وعندما كان يريد التدخين كان يجلس أيضا في زاوية في باحة المقهى بالخارج مع عائلته أيضا. وتابع "كان يطلب باستمرار قهوة الإسبريسو والنبيذ الأحمر الكابرنيه".

يقول الناقد والشاعر مرزوق الحلبي، الذي التقى درويش بعد أمسيته الشعرية في حيفا: لقد دعاني محمود للقائه، بعدما أرسلت إليه مادة نقد على قصائده الأخيرة، فهو كان قد طلب أن ننسى قصائده الأولى، ونركز على محمود الأخير؛ فأنا عرفته في فترة متأخرة. حيفا هي مدينته الأولى، عشقه الأول، السيجارة الأولى، والحب الأول. سكن حيفا 9 سنوات وكانت غالبية الوقت تحت الإقامة الجبرية.

درويش ترك الوطن من حيفا وعاد إليها، العودة إلى حيفا هي تنازل حلمه الكبير إلى حلمه الأصغر. فهو في فترته الأخيرة أراد العيش بحيفا. شعره تطور بشكل دائم في ضوء تجربته فهو مفكر لكونه شاعرا. ففي أغلب نصوصه كان شاعرا حكيما، كان يصل مدركاته بالنسبة لنفسه وللآخر. درويش كان الشاعر الذي تجاوز ذاته. فهو من أفضل الشعراء العالميين من أرقى ما أقرأ ولم يقف الإنتاج، يقول الحلبي.

أما صديقه منذ الصبا أستاذ اللغة العربية، سليمان جبران، الذي كان يلتقي معه بشكل دائم في مقهى دوزان: "تعلمنا في نفس المدرسة الثانوية، في كفر ياسيف، وكنت أكبره بعامين. فهو كان بصف أخي سالم، وفي فترة العزوبية سكنت حيفا مدة ثلاث سنوات وعندها قضينا أوقاتا معا، لم ألتق معه كل هذه السنين فقط، عندما سمح له بالسنين الأخيرة من حياته بزيارة حيفا، عدنا وجددنا اللقاءات".

ويتذكر جبران: "عندما وصل الأراضي الفلسطينية، اتصل بي فقط بعدما سمح له بزيارة حيفا فهو نفسه عزيزة جدا، وهو خجول والتقينا عدة مرات". وتابع "عندما كان في حيفا بسنوات الستينيات كان مع الحزب الشيوعي، ليس بكل المدة، وهويته الأولى كانت أنه فلسطيني، ولم يكن مع الفكر الشيوعي أصلاً".

ويتابع: "لم أكتب عن شعر محمود في حياته ولا مرة، كونه صديقي، ولكن بعد غيابه أنا أكتب كتابا عن شعره حاليا، ووصلت إلى الجزء الأخير منه، أتمنى أن أنهيه قريبا. فأرى أن محمود درويش أحسن شاعر عربي بعد الحرب العالمية الثانية".

إقرأ أيضاً: "ابن خالة" محمود درويش و"أبو الخير" بمقهى حلبيّ
المساهمون