مقتطفات من الحرز
... لماذا أتجاوز في حقك، وأطلب منك أن تنفعل؟ هل لديك بنت أو أخت أو زوجة تم انتهاك عرضها في مقر من مقرات أمن الدولة؟ هل علقوك على الشواية، كأنك كلب ضال؟ هل عصبوا عينيك و"كلبشوك خلفي"، ثم رموك في زنزانة انقطعت فيها عن العالم، حتى كدت تفقد عقلك؟ هل قاموا بتعريتك من ملابسك، وأخذوا يسبون لك الدين ويشتمون أمك بأحط الألفاظ؟ هل ظللت محتجزاً في سجن سري، في مقر من مقرات أمن الدولة، في نفس الوقت الذي يقسم فيه رئيس الوزراء ووزير الداخلية أن مصر لا يوجد فيها معتقلون سياسيون؟ هل تعرضت للتنصت على هاتفك وانتهاك خصوصياتك؟ هل حاربوك في رزقك، وحرموك من حقك، لأنك لم تكن عبداً لهم؟ هل شعرت بالقهر، وأنت ترى من هو أحط منك قدراً وأقل كفاءة، وهو يحصل على مكانةٍ كنت تستحقها لمجرد أنه مخبر أو واطي أو لحّاس أعتاب؟ هل شعرت بالإهانة، وأنت ترى حرامي آثار أو تاجر مخدرات أو لص أراضي يمثلك في البرلمان، لمجرد أنه واصل ومسنود؟ هل غرق عزيز عليك في عَبّارة متهالكة، أو احترق لك صديق في مسرح ضيق، أو قطار حقير، أو شَحَت قريب لك لكي يتعالج؟ هل حرموك من وظيفة تستحقها، لأنك غير لائق اجتماعياً، أو لأن قريباً لك من الدرجة الرابعة لديه انتماء معارض؟ هل أهينت كرامتك، وأنت ترى رئيسك يفخر بصداقة الإسرائيليين، بينما يسحل أبناء وطنه في السجون والشوارع؟ هل غرق لك أقارب فقراء، وهم يحاولون الهروب من بلاد يُكَدِّس حاكمها المليارات، هو وأسرته وأصدقاؤه؟ هل شعرت بالقهر، وأنت ترى حقك في العدالة يذهب إلى غيرك بمكالمة تليفون؟ هل اقتحموا بيتك في الفجر، ليأخذوك من وسط أولادك، فيما زوجتك تحاول أن تستر نفسها وتهدئ أطفالك؟ هل كادت عينا أمك تعميان من البكاء، لأنها فقط تريد أن تراك قبل أن تموت؟ هل تمنى أهلك الموت كل يوم، لكي يرتاحوا من عذاب عدم معرفتهم، أحي أنت أم ميت؟ هل مات طفلك بين يديك، لأنه لم يجد علاجاً آدمياً في مستشفى حكومي؟
نعم، أنا أنفعل، لأنني رأيت كل هذا، وعرفته وشاهدت ضحاياه بأم عينيّ، أنفعل حتى لو لم يحدث لي مباشرة، فأنا أؤمن بأن الله سيحاسبني، إذا سكتُّ على الظلم والفساد والتعذيب والقمع والتزوير، وإذا لم أختر، من اليوم فصاعداً، لرئاسة بلادي ومجالسها النيابية والمحلية شخصاً لم يتلوث بفساد أو ظلم أو تزوير أو تواطؤ مع الماضي المباركي. صدقني، أنا رجل واقعي على عكس ما قد تظن. ولذلك، أؤمن أن الحياة سلف ودين، وأنني، ذات يوم، سأدفع الثمن غالياً إذا تخيلت أن أمني الشخصي أهم من حرية الوطن، أو تصورت أن مصلحتي أبدى من مصلحة المستضعفين والمقموعين، عندها قد أموت في تفجير داخل مول، يقوم به شاب تعرض لهتك عرضه في مقر أمني، وخرج يائساً من كل شيء، ربما تُغتصب قريبة لي على أيدي أوغاد، انشغل عنهم ضابط شرطة، مشغول بجمع الإتاوات وتأمين الكبار، سيتعرض بيتي للنهب والسرقة، بفعل ثورة الجياع، سيُصاب ابني بمرض عضال، بسبب تلوث كل شيء يأكله ويشربه ويتنفسه، بفعل الفساد والإهمال، ستتعرض حريتي الشخصية للترويع على أيدي المتطرفين الذين أنتجهم نظام تعليمي فاشل، وثقافة مشوشة، سينفجر وطني، بفعل فتنة طائفية، يذكيها نظام فاسد، يستغلها لإلهاء الشعب عن فساده، سيدمن ابني المخدرات، لأن المسؤول عن مكافحتها ليس حريصاً على أداء واجبه، لأن بقاءه في منصبه ليس متوقفاً على صوتي الانتخابي، بل على رضا مسؤوليه عنه. باختصار، هناك ألف طريقة للبلاء ستصيبني، إذا لم أدرك أنني يجب أن أكون منفعلاً من أجل أن تعيش بلادي قطيعة كاملة مع الماضي المباركي اللعين.
... من حقك أن لا تنفعل، لكنني سأظل منفعلاً، حتى أرى مصر وقد طالت أيدي العدالة فيها مبارك وأسرته وأذنابه، سأظل منفعلاً حتى تنعم مصر برئيس منتخب مُقيّد السلطات، ودستور عصري ومجالس نيابية غير مزورة، وقضاء مستقل وإعلام حر وأمن يستمد هيبته من القانون لا من شخطة الضابط وتعليم ديمقراطي وتأمين صحي للجميع. عندها فقط سأُعَلِّق انفعالي مؤقتاً، وسأستعير هدوءك المستفز، لأسأل أول منفعل أقابله "أنا نفسي أفهم إنت منفعل ليه؟".
مقتطفات من مقال (لماذا أنت منفعل)، نُشر في 9 مارس/آذار 2011، والذي قرأت قبل أيام، عن تقديمه مع كليبات لإليسا وأفلام كوميدية و"ثقافية"، كأحراز في قضية التجسس الهزلية المتهم فيها سيئ الذكر الدكتور محمد مرسي.