مقاومة حزب الله "الإسلامية".. إرهاب صنع في إيران

17 مارس 2016
إرهاب صنع في إيران (Getty)
+ الخط -
منذ أن تفجرت الثورة السورية في وجه نظام الأسد تساقطت أوراق التوت التي كانت تواري سوءات محور الممانعة من طهران إلى بيروت مروراً بدمشق، واحدة تلو الأخرى، وتكشف العديد من الخرافات السياسية التي كانت سائدة في مرحلة ما قبل الربيع العربي، من أهمها أن نظام الأسد الأب والابن، ومعهما حزب الله في لبنان، وقبلهم نظام ولاية الفقيه في إيران هم الخلاص المنتظر للفلسطينيين والعرب والمسلمين من إسرائيل واحتلالها الجاثم على صدر الأمة منذ عقود.


عندما انخرطت إيران في التجييش والتحشيد الإعلامي والمالي والعسكري لمصلحة الأسد في مواجهة الانتفاضة الشعبية المطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية لم يكن لأحد أن يدعي أن إسرائيل هي المستفيدة من مآلات الانتفاضة، بل صرح النظام على لسان أحد رموزه (رامي مخلوف) بأن أمن دمشق من أمن تل أبيب، وهو ما يعني بالضرورة أن أمن الجانبين هو أمن مشترك وأن اضطراب أحدهما أمنياً يعني اضطراب الآخر حسب زعمه، الأمر الذي يكشف عن طبيعة الحسابات التي تدور في ذهن النظام ومن خلفه حلفاؤه، وحقيقة الأمن الذي تنعم به إسرائيل بفضل الممانعة الأسدية المزمنة.؟؟؟؟؟

مشروع حزب الله المتمثل بخدمة مشروع ولاية الفقيه الإيراني، لم يكن استثناء من محور الممانعة في التصدي لمطالب الشعب السوري وانتفاضته المجيدة، إذ لم يتردد في طاعة الولي الفقيه في قم وطهران، مرسلاً عدداً من مقاتليه ومستشاريه إلى سورية، ليشاركوا في عار قمع الانتفاضة، وهو ما يفترض أن يكون مناقضاً للعقيدة العسكرية التي يربي حزب الله مقاتليه عليها، المتمثلة بأن إسرائيل هي العدو، وأن بندقية "المقاومة" ليست مشروعة إلا في مواجهة العدو الإسرائيلي، إن سلمنا بأن هذه هي عقيدة الحزب العسكرية فعلاً.

حزب الله رفع راية المقاومة وقاتل إسرائيل في أثناء احتلالها الجنوب اللبناني، وبعد ذلك في عدوان 2006، وادعى طويلاً أن بوصلته السياسية والعسكرية لا تتزحزح عن نهج المقاومة، وعلى هذا استقطب دعم وتأييد نخب وشرائح واسعة في عالمنا العربي، فما هي الحالة الاستثنائية التي استدعت منه الخروج عن هذا النهج في قتال الشعب السوري المنتفض على نظامه، على استحياء في بداية الأمر، ثم بوقاحة بالغة فيما بعد؟.

هكذا تجري محاكمة الأمور لدى بعض النخب العربية والإسلامية وقادة العمل السياسي الإسلامي (قطاع من حماس والغنوشي مثلاً) وشرائح أخرى كانت تدعم حزب الله حتى وقت قريب، قبيل افتضاح دوره الصريح في حربه الشعواء على السوريين، تحت مسميات مختلفة، الأمر الذي أدى إلى انفضاضهم عنه "نسبياً"، على الأقل إزاء ما يفعله في سورية، لكن كيف نثمن مقاومته لإسرائيل على مدى 3 عقود قبل أن تنحرف بوصلته نحو الوجهة الخطأ؟ إذن يحمل الحزب وجهين؛ أحدهما إيجابي يجب أن يمدح عليه، وهو مقاومة العدو الإسرائيلي، والآخر سلبي يذم عليه، وهو مشاركته نظام الأسد جرائمه الشائنة بحق الشعب السوري ومعاونة الثورة المضادة... هكذا تحل المشكلة ونرتاح من تبعات رمي الحزب بالإجرام، على أساس نشاطه في سورية، وأيضاً امتداح دوره في مقاومة إسرائيل التي نود لو يعود الحزب إليها ويريحنا من التعامل المزدوج معه.

هذه المحاكمة عبر عنها كثيرون، وصدرت على لسان الغنوشي قبل أسبوعين لتفجر ردة فعل غاضبة في أوساط السوريين، وبينما عبر الرجل أولاً عن مقاربة مستفزة، تجعل من إجرام حزب الله في سورية مجرد "خطأ محل أخذ ورد" عاد واستدرك بتأكيد إدانته لإجرام الحزب في سورية وإدانة دعمه للثورة المضادة حتى في العراق واليمن.

لا يمكن إنكار أن حزب الله قاتل إسرائيل، وحقق بعض الإنجازات في زمن فرض النظام الرسمي العربي طوق الذل عنوة على شعوبه، ولكن هل مجرد التناوش مع هذا العدو المجمع على عداوته لأمتنا وتاريخنا واغتصابه لحقوق إخواننا في فلسطين يمثل صكاً ببراءة الأصل والغاية؟ إن كل مطلع على حقائق التاريخ المنشورة، وليس المكتومة، يدرك أسباب إنشاء حزب الله بقرار من الخميني وتعاون وتسهيل من حافظ الأسد.

إيران ما بعد الخميني رفعت لواء القضية الفلسطينية لكنها بداية لم تدعم إلا حركة الجهاد الإسلامي، والتي آمن مؤسسها الشيخ فتحي الشقاقي بثورة الخميني وشعار الوحدة الإسلامية الذي رفعه، خاصة أنها كانت حديثة الولادة، الأمر الذي نتج عنه تبنٍ إيراني كامل للحركة، أي أن إيران الخميني لم تشأ أن تدعم المقاومة الفلسطينية إلا من البوابة التي يمكن أن تكسب من خلالها، وكذلك فعلت مع لبنان، حيث لم تقبل بدعم إلا مليشيا أنشأتها على عينها وتؤمن بمبادئها كاملة بما فيها الخضوع لسلطة الولي الفقيه دينياً ودنيوياً.

خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، استنفرت لصده ومقاومته جميع الفصائل الفلسطينية والأحزاب القومية واليسارية اللبنانية في الوقت الذي استقبل شيعة الجنوب الدبابات والجنود الإسرائيليين بالورود والأرز كما هو موثق تاريخياً واستقوت حركة أمل (التنظيم الأم لشيعة لبنان) والمليشيات المسيحية بالاحتلال الإسرائيلي في الحرب الأهلية، وذلك بعدما كانت عمليات الفدائيين تنطلق من لبنان والمخيمات الفلسطينية في جنوب ووسط وشمال لبنان إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948.

في هذه الظروف وجدنا أن إيران الخميني بدلاً من دعم حركات المقاومة للاحتلال، توجهت نحو الشيعة اللبنانيين، لتنشئ منهم تنظيم حزب الله الذي ستعمل خلال فترة الوصاية السورية على لبنان على تضخيمه وإخلاء ساحة المقاومة مما سواه وصناعة اسمه كوكيل حصري للبطولات العربية في مواجهة العدوان الإسرائيلي.

ومن المعلوم بالنسبة للتنظيمات الفلسطينية التي نشطت في الساحة اللبنانية أن عمليات حزب الله حتى نهايات التسعينيات كانت عبارة عن عمليات تقودها الفصائل الفلسطينية المقربة من المخابرات السورية والمتحالفة مع الأسد ضد عرفات، وعلى رأسها فتح الانتفاضة، والصاعقة، والجبهة الشعبية - القيادة العامة، في حين أن هذه العمليات ظلت تنسب إعلامياً لحزب الله، الذي تلقى جميع تدريباته في فترة التأسيس على أيدي هذه الفصائل، وتسلح بسلاحها.

وحتى تحرير جنوب لبنان وجلاء المحتل الإسرائيلي عام 2000، لم تكن مشاركة الحزب في عمليات المقاومة تزيد على 40%، وفي هذه المرحلة كانت القوات السورية ومعها الحزب والفصائل الأخرى قد قضت نهائياً على حركات المقاومة اللبنانية، المناهضة لنظام الأسد، كالمرابطون والحزب الشيوعي.

وحتى عام 2006 كان الحزب قد اشتد عوده، وبدا قادراً على خوض حرب عصابات جديدة بمفرده، وهو ما حصل بالفعل، لكن المفاجأة أنه حتى في حرب تموز 2006 لم يكن الحزب وحيداً، ورغم أنه اعترف بـ"سرايا المقاومة اللبنانية"، كما سماها، والتي قدمت إعلامياً باعتبارها سرايا مساندة ينتظم فيها اللبنانيون من كل الاتجاهات والخلفيات الدينية والمذهبية، لدعم الحزب، إلا أن حقيقة الأمر أن الفصائل الفلسطينية إياها خاضت مع حزب الله ما يصل إلى 50% من عملياته، وجاءتها أوامر بفتح مخازنها من الأسلحة والذخيرة للحزب على مصراعيها، بحسب مصادر شاركت بصورة مباشرة في تلك الأحداث.

السؤال الذي يطرح نفسه على ضوء ما ذكر أعلاه، إذا كان حزب الله، والذي أطلق على قواته الميدانية اسم "المقاومة الإسلامية" صادقاً في دوره ورسالته، لماذا يخفي تلك الحقائق عن الرأي العام، رغم أنه اعترف في أحدث خطاب له بالدور الفلسطيني في المقاومة على استحياء، وكيف ينخرط في دعاية تضخم من شأنه على مدار عقود وتقلل من حجم من صنعه ودربه ومنحه البطولات العسكرية بالمجان إذا كانت مقاومة إسرائيل هدفه لا خدمة الولي الفقيه والميل معه حيثما مال؟ أليس انخراطه في الحرب السورية في حملات القمع الوحشية لشعب أعزل منتفض، إلى جانب سلوكياته الطائفية المقيتة في كل الجبهات التي قاتل فيها دليلاً على زيف دعواه وريائه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي؟

نتيجة هذه المقاربة أننا نقول إن حزب الله ليس مشروع تحرر ولا مقاومة ولا نهضة، بل هو تنظيم إرهابي منذ أول قطرة دم بريئة أسالها في لبنان، قبل أن تمتد مخالبه إلى العراق، حيث يتحالف مع المجلس الإسلامي وفيلق بدر في اعتناق ولاية الفقيه؛ وهما أيضا رأس حربة الاحتلال الأميركي هناك وشاركا في الحرب الأهلية ضد السنة العراقيين، قبل أن يضخ غدره ويمارس إرهابه وجرائمه ضد انتفاضة الكرامة في سورية، وضد الحكومة الشرعية اليمنية متحالفاً مع تلاميذ الولي الفقيه الذين تحالفوا لحسن الحظ أيضاً مع علي عبد الله صالح، لتتضح أبعاد المقاومة "الإسلامية" التي يمثلها هذا الحزب في أوضح وأكمل صورة ممكنة.

(سورية)
المساهمون