مقاومة الجواسيس

02 يناير 2016

لولا الاختراق الأمني لما اغتيل القنطار ومغنية بسهولة

+ الخط -
لا بد لأي متابع لتاريخ سورية ولبنان المعاصر من الاعتراف بأن بين كل جاسوسين إسرائيليين كبيرين داخل حزب الله والمخابرات السورية جاسوس ثالث أكبر منهما. ولا يظلم الحزب والنظام الأسدي من يقول إن معظم جواسيس إسرائيل ينتمون إلى جهازهما الأمني، المكلف بمكافحة جواسيس إسرائيل وحفظ أمن قادة الحزب والنظام الطائفيين.
لولا الجواسيس الذين يعج حزب ونظام الممانعة والتحرير بهم، لما أمكن قتل عماد مغنية، رجل أمن الحزب الذي لم تعل سلطة فيه على سلطته. ولولا الاختراقات، لما عمل مسؤول الأمن الخارجي في الحزب جاسوساً لإسرائيل، واعتقد كثيرون أنه أعلمها بأمكنة اختباء حسن نصر الله التي لم يخرج منها بعد "نصره الإلهي" عام 2006. ولولا اختراقات عميقة ترصد بدقة، ولحظة بلحظة، حركات كبار قادة الحزب وسكناتهم، لما أمكن رصد سمير القنطار ومتابعته وقتله، وهو الذي توهم أنه آمن في دمشق، ونسي أن عماد مغنية قُتل على بعد أمتار من مكتب العماد آصف شوكت، رئيس المخابرات العسكرية السورية، وفقد رأسه بعبوة زُرعت في مسند رأس مقعده الخلفي، ولو كانت زُرعت حين كان عند أصدقائه في الزبداني، لقتل على الطريق إلى مقر المخابرات العسكرية، وليس داخل حرمها.
ونسي القنطار أن الجاسوس إيلي كوهين كان رفيق سكن حافظ الأسد سبعة أشهر، وأن الأخير زار لندن عام 1963، واختفى من الوفد الرسمي الذي زارها، ثم تبين أنه التحق ببيت ريفي تملكه وزارة المستعمرات البريطانية، أمضى أياماً ثلاثة فيه، بقي ما تم خلالها سرياً، مع أن الأسد كان مجرد رائد في الجيش، وأن هذه الواقعة المعروفة جعلت جورج صدقني، أحد قادة حزب البعث التاريخيين، يقول، بعد انقلاب الأسد عام 1970، إن عميل المخابرات البريطانية استولى على السلطة.
كان القنطار يخال نفسه آمناً، ونسي، أو تناسى، مقتل أحد كبار قادة حركة حماس في مخيم اليرموك بطريقةٍ تماثل التي قتل هو نفسه بها، كما أنه جهل، أو تجاهل، أن حملة اعتقالات طاولت ثمانيةً من 11 ضابطاً في قسم مكافحة التجسس في المخابرات العسكرية السورية، اتهموا بالعمالة للمخابرات الإسرائيلية. صدّق القنطار ما سمعته أذناه من أكاذيب عن الممانعة والمقاومة، وكذّب ما تراه عيناه من صداقة مع "العدو"، فقتل في دمشق، المخترقة من رأسها إلى أخمص قدميها، بوشاية من مرافقيه، أو من ضابط مخابرات سوري، أو جاسوس في حزب الله، وانتهى بالأسلوب الذي سبقه إليه كثيرون، تحت أنقاض بنايةٍ، وتسبب في موت سكان أبرياء فيها، فسقط ضحية غباءٍ منعه من رؤية الحقيقة، وهي أن رهطاً من الممانعين والمقاومين المزعومين اعتادوا بيع أنفسهم "للعدو"، وتغطية عمالتهم له بجعجعةٍ كلاميةٍ عن تصميمهم على طرده من مزارع شبعا وتلال كفار شوبا والقرى السبع، بينما يمارس من أسماهم نصر الله "أشرف وأطهر الناس" عمليات تجسس، يتساقط ضحاياها قتلى يوماً بعد يوم.
كنا نتساءل دوماً إن كان الحزب الذي يمثل نصف طائفة يستطيع تحريرنا من الاحتلال، والتصدّي الناجع لأعداء أمةٍ، يشارك بفاعلية في قهرها وإخراجها من المعركة ضدهم. واليوم، نتساءل إن كان حزب يعج بالجواسيس يستطيع غزو سورية، من دون غض نظر (أو موافقة) جهات توهم القنطار أنه يحاربها، بينما كان في قبضتها، وأنه يقاتلها، مع أنها كانت قادرة على قتله في أي وقت، بمساعدة جواسيسها المقاومين/ الممانعين من أعضاء حزب الله والنظام الأسدي الذين يلازمونه في حله وترحاله، ولم يتردّدوا في تحضيره للقتل، وقتلوه في غمضة عين، حين جاء موعد رحيله.
هل يصدّق أي عاقل أن قوات الاحتلال الروسي في سورية لم تكشف، بما لديها من أجهزة فائقة التقدم، وجهة طيران إسرائيل وهدفه، وأن رادارات صواريخها التي تغطي معظم المجال الجوي لفلسطين المحتلة وسورية لم تلتقطه، وهو يقصف جرمانا؟ ولماذا لم تتخذ روسيا أي قرار حيال تعاونها الاستراتيجي مع الأركان العامة الإسرائيلية، إن كانت ضد مقتل القنطار؟ وهل خدم قتله إيران وحزب الله، أم كان خطوة على طريق إضعافهما وإحكام قبضة روسيا على النظام ومؤسساته، وسط مؤشراتٍ كثيرةٍ تؤكد أن موسكو تدير ظهرها أكثر فأكثر للشراكة مع طهران، في كل ما يتعلق بإدارة الأوضاع السورية، وتقرير أدوار المنخرطين فيها؟
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.