كتفا لكتف وخدا لخد يجلس الشبان والشابات معا، تحوم من موقعهم سحابة كثيفة من الدخان تملأ فضاء المقهى القليل الإنارة وسط طهران فيما تصدح أغنية بوب ديلان في الأرجاء.
ويتردد الشباب الإيراني بالهواتف الذكية وعلب السجائر الأميركية غالبا على المقهى لاقتناص فرصة من التفريج عن النفس، بعيدا من أعين شيوخ المواعظ. ويشكلون كتلة دعم قوية للرئيس المعتدل حسن روحاني الذي يعمل على توفير حرية اجتماعية أكبر في الجمهورية الإسلامية.
ويمثل ذلك انعكاسا لطفرة في ثقافة المقاهي في إيران دفعت إلى كثرة غير مسبوقة في عدد المقاهي خلال العامين المنصرمين، ما وفر متنفسا للشباب الإيراني من أبناء الطبقة الوسطى الذين كانت تنقصهم الأماكن العامة التي تمدهم بخلوة لقاء ممتع.
وتقول مهناز قاسمي (20 عاما) وعلبة من سجائر المالبورو على مائدتها وهي التي صوتت لصالح روحاني في يونيو/ حزيران، إنها تأتي الى المقهى للحرية التي توفرها، مضيفة: "هنا أستطيع التدخين بحرية. في البيت أبي وأمي دائما التذمر من ذلك".
مجيد روحانيان (24 عاما) يرتشف قهوته فيما يتحدث مع صديقته مريم. كلاهما صوت لروحاني، يقول "في الماضي كانت تتوفر لنا القليل من الفرص للقاء. في السنوات الأخيرة توفر لنا الكثير من الفرص بسبب زيادة عدد هذه الأماكن العامة".
انفتاح رسمي
انفتاح رسمي
ولسنوات، أبقت السلطات الإيرانية على محدودية عدد المقاهي في البلاد كونها نموذجا للتأثير الغربي، وأماكن لنشر المعتقدات والأفكار غير الإسلامية. لكن الأنباء المتواترة عن إغلاق المقاهي كونها تخالف "المثل الإسلامية" انخفضت الى حد كبير في الأشهر الماضية ما يوحي بتنامي سياسة التسامح التي أصبحت تتبعها السلطات.
وخلال حملته الانتخابية، تعهد روحاني بمنح الشباب المزيد من الحرية الاجتماعية. وقال "علينا عدم التدخل في الحياة الخاصة.. علينا أن نعرف أن الشباب يتمتعون بالنشاط وبالتالي علينا ألا نكون قساة تجاههم".
ويعتقد المحلل السياسي والاقتصادي سعيد ليلاز من طهران، إن المقاهي ترمز إلى شبكة من الشباب الذين لعبوا دورا أساسيا في فوز روحاني. ويقول "دور الشباب الذين يجلسون في المقاهي كان جزءا مهما في نجاح روحاني (في الانتخابات)".
وأضاف ليلاز أن السلطات أدركت إن عليها منح الشباب الكثير من الحرية ودورا أكبر في المجتمع بعد أن باتت الإخفاقات الاقتصادية للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد أكثر حدة في السنوات الأخيرة. السماح بفتح المزيد من المقاهي يرمز إلى هذا الانفتاح.
ويقول: "إن بات الحصول على رخصة لفتح المقهى أكثر سهولة فإن عدد المقاهي في طهران سيوازي عدد المساجد". وثمة ألفا مسجد في طهران وفقا للإحصائيات الحكومية.
تضاعف عدد المقاهي
تضاعف عدد المقاهي
وقال إسكندر أزموده رئيس رابطة أصحاب المقاهي إن عدد المقاهي تضاعف بنحو أربع مرات على مدار العامين الأخيرين، من نحو عشرين أو ثلاثين مقهى إلى نحو ثمانين.
وقال فاشد أصلاني، وهو يجلس في أحد فروع مقهى "رئيس" الذي يملكه في شمال طهران إن عدد المقاهي ينمو بسرعة، ما يعكس تغيرا في المجتمع الذي كان الشاي فيه لقرون عديدة هو المشروب الساخن الرئيسي.
أكثر من نصف سكان إيران البالغ عددهم 76 مليون نسمة تقل أعمارهم عن ثلاثين عاما، وحول الكثيرون من أصحاب محال العصير الذين شاهدوا تدفق هؤلاء الشباب على المقاهي نشاطهم إلى مقاهٍ لمواكبة هذا التغيير.
وأصبحت السلطات الآن أكثر تسامحا وقبولا للموسيقى الغربية الصاخبة التي كانت فيما مضى محظورة باعتبارها تتنافى والتقاليد الإسلامية عقب ثورة 1979 التي جاءت بإسلاميين للسلطة. وتزدان العديد من المقاهي الجديدة بصور مقلدة للوحات مشاهير أجانب ومحليين، كما تقدم في العادة خدمة إنترنت سريع، وهو مصدر جذب كبير للعملاء.
وبدأ هذا التحرر التدريجي من القيود حتى قبل انتخاب روحاني.
عدد المقاهي ذات النمط الغربي التي ظهرت لأول مرة في إيران في العشرينيات من القرن الماضي، بدأ في التصاعد في 2011، أي بعد عامين من إعادة انتخاب أحمدي نجاد التي أثارت جدلا واسعا وأدت إلى شن حملة ملاحقة واسعة على ناشطي المعارضة.
وفي مقهى بشارع غاندي بطهران قالت أناهيتا كاظمي (21 عاما) وهي طالبة فنون إن المكان ملجأ وملاذ لها ولأصدقائها حيث يتمتعون بصحبة بعضهم، مضيفة: "نجلس بحرية معا هنا لنتحدث عن معارض الرسم والأفلام والمشاهير، كما كنا نفعل في الحدائق والمتنزهات أو الأماكن الخاصة في الماضي".
أماكن للقاء
أماكن للقاء
ويضيف مساعد أزموده، محمد خوشنيات، أن المقاهي تقدم مكانا للشباب الذين لا يجدون أمامهم الكثير من الخيارات، "من يرغبون في اللقاء. أو الخطبة. يختارون المقاهي للخطوات واللقاءات الأولى".
ويقول مهرداد خضير، كاتب عمود في موقع عصر إيران الإلكتروني المعتدل إن المقاهي تفرض "قيودا أقل على العلاقات بين الجنسين" مقارنة بأماكن أخرى في المجتمع الإيراني، مستطردا أن "الشابات والشباب يشعرون بالأمان هنا" وأن مرتادي المقاهي "أيدوا روحاني في انتخابات 2013 لأن روحاني ببساطة وعد بمزيد من الحريات الاجتماعية".
ويرى بيجمان موسوي، وهو كاتب مقالات آخر بطهران يعمل بصحيفة "اعتماد" اليومية الموالية للإصلاح، إن شباب الطبقة الوسطى يسعى لأنماط حياة غير تقليدية، ويقول "جيل جديد من شباب الطبقة الوسطى يسعى لنمط جديد من الحياة، مختلف عن والديه".