مقارنة إسرائيلية بين نتنياهو ومرسي!

04 ديسمبر 2014

نتنياهو مع حاخام أمام حائط البراق (22أكتوبر/2013/Getty)

+ الخط -

المقارنة الطريفة التي يجريها رئيس الشاباك الإسرائيلي السابق، يوفال ديسكين، بين رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس المصري المعزول محمد مرسي، تطرح مسألة عميقة وإشكالية في مدى تغلغل البعد الديني في المشروعين، الصهيوني والإسلامي، والذي يحلو لكثيرين أن يعقدوا مقارنة بينهما، إلى حدّ أن يقول قائلهم، إن من يطالبون بقيام دولة إسلامية، يفتحون الطريق للاعتراف بـ "شرعية" القوننة الإسرائيلية الوشيكة ليهودية الدولة، باعتبارها الوطن القومي للشعب الإسرائيلي، وهم يعنون بذلك معسكر ما يُسمّى "الإسلام السياسي"، وفي بؤرتهم جماعة الإخوان المسلمين، وهكذا، نرى اتفاقاً في التقويم والتشخيص بين جناحين، يفترض أنهما كانا طوال عقود على طرفيْ نقيض، وهم القوميون العرب، والقوميون اليهود، وتلك مفارقة لا تقل في فجائعيتها عن التحالف العربي الصهيوني السري والعلني، لقمع ثورات الربيع العربي، والتكاتف والتعاطف لإذكاء نيران الثورات المضادة، للإجهاز على آخر أمل للشعوب العربية في الانعتاق من قيود الديكتاتوريات المتهالكة!

يوفال ديسكين، سبق أن وجه نقداً شديداً لنتنياهو، بعد يوم من مصادقته على "قانون القومية" المثير للجدل في الحكومة الإسرائيلية، وقد قال إن هناك خطوط تشابه كبيرة وبارزة، بين مشروع نتنياهو، الذي يبدو فيه تفضيل للجانب "اليهودي" في دولة إسرائيل على الجانب الديمقراطي فيها، ومحاولة الرئيس المصري المُنقلب عليه محمد مرسي، الفاشلة، بأن "يفرض" الإسلام ديناً للدولة، (بتعبيرات ديسكين نفسه).

وللتدليل على وجهة نظره، يورد ديسكين البند الثاني من مشروع الدستور المصري الذي طُرِح في عهد مُرسي، وفيه: "الإسلام هو دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". ويقول إن هناك ثلاثة عناصر شبيهة موجودة في مشروع القانون الذي صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية: فقد جاء في القانون أن إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، وأن اللغة العبرية هي اللغة الرسمية، والشريعة اليهودية هي مصدر القانون والقضاء الإسرائيلي، ويخلص إلى نتيجة تقول إن البند الثاني من الدستور المصري مثل قانون القومية، لم يجلب جديداً، وكان معتدلاً حتى مقارنة بمطالب الحزب السلفي. مُلمّحاً بهذا إلى أن نتنياهو شأن مرسي، وقع تحت ضغوط كبيرة، ممن يسمّيهم "المتطرفين السلفيين"، قائلاً، إن هذا هو حال نتنياهو مع أحزاب اليمين المتطرف، أمثال "البيت اليهودي"، بل إن "الإخوان المسلمين" يحملون الصفات نفسها التي تحملها الأحزاب الدينية في إسرائيل، والبارزة منها تمثلت في البند 219 من الدستور، والذي نص على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة".  ويقول ديسكين إن "مثقفين مصريين كثيرين ادعوا أن هذه الأشياء لا تدفع نحو تحقيق المساواة بالحقوق، بل إنها تناقضها تماماً"، وهذا هو شعور إسرائيليين كثيرين فيما يخصّ "قانون القومية" الذي أقرّه نتنياهو، كما يقول. وفي النهاية، يبدي ديسكين قناعة بأن النقاش حول الدستور المصري هو الذي قاد، في نهاية الأمر، إلى سقوط مُرسي، مُلمحاً بهذا إلى أن نتنياهو قد يسقط للأسباب نفسها!

في المقارنة نوع من التعسف الأخلاقي، فلا علاقة لحركة الإخوان، أو غيرها من الحركات الإسلامية بأي من تلك المبادئ العنصرية التي قامت عليها تنظيمات اليمين الإسرائيلي، وليس لها مثل تاريخها المليء بالقتل والمذابح، والتطهير العرقي، ولا حالة العداء للآخر التي تستوطن فكر اليمين، فضلاً عن قيامه، أصلاً، على الفكرة الصهيونية المرتكزة على احتلال إحلالي لأرض وشعب، بزعم أن تلك الأرض بلا شعب.

قد نفهم مقاربات ديسكين في سياق السجال السياسي، والمناكفات الحزبية التي يشتعل بها المشهد الإسرائيلي، بين يدي الصراع المرير بين الأحزاب والقوى المؤثرة في ذلك الكيان، لكنها تؤشر، في حقيقتها، إلى مسألة شغلت، ولم تزل، النخب المهتمة بالحركات الإسلامية المشتغلة بالسياسة، وهي تلك "المسحة" الدينية التي تصر هذه الحركات على صبغها بأنظمتها الداخلية، وقوانينها الأساسية، إلى حدّ إخراجها من دائرة "الأحزاب البرامجية" إلى دائرة "الأحزاب الأيديولوجية"، وهو ما جرّ عليها كل هذا العداء والاستفزاز، من القوى المناهضة لتفكيك الديكتاتوريات العربية، وكان في وسع هذه الحركات أن تضمّن برامجها كل ما تريد من أخلاقيات وقيم من دون أن تنص مباشرة على "إسلاميتها"، على غرار ما فعل أردوغان في تركيا. وهنا، نستذكر "قانون القومية" الإسرائيلي، والمؤاخذات التي ثارت حوله، حتى من قوى إسرائيلية يمينية ويسارية، باعتباره لا يضيف جديداً ليهودية الدولة وعنصريتها، حيث أنها تطبق سياسات هي، في حقيقتها، ذات ما جاء في القانون، ولكن بلا "لافتة" قانونية صارخة، تستدعي نقداً مريراً من المجتمع الدولي، يبعث روحاً جديداً فيما يُسمّى حركة "نزع الشرعية" عن الدولة العبرية.

نتيناهو (الذي أجرى تخابراً غير مباشر مع حركة حماس، وعقد معها صفقات هدنة، وتهدئة!) لن يجد مصير مرسي المتهم بالتخابر مع "إخوانه" بحكم منصبه، فليس في نظام إسرائيل شيء يسمى انقلاباً، ولا مليونيات هوليوودية، ولا جيش يترك مهامه الحربية ليطارد أبناء شعبه في حرم الجامعات، لكنه قد يجد نفسه خارج التاريخ، بقوة صندوق الاقتراع الذي أصبح هدفاً للاغتيال في بلاد العرب!

A99D1147-B045-41D9-BF62-AB547E776D3E
حلمي الأسمر

كاتب وصحافي من الأردن