تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة بين اللغة العربية ولغات العالم المختلفة اليوم.
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟ وما هو أول كتاب ترجمته وكيف جرى تلقيه؟
لم يكن مشروع الترجمة هاجساً لديّ، لكن تراكم القراءة والاطلاع على مجالات الإبداع من خلال نافذة اللغة البلغارية، القريبة إلى حدّ بعيد من لغات الجوار، المقدونية والصربية والروسية وغيرها، ساهما بتحفيزي على الترجمة وتعريف القارئ العربي بالآداب الأجنبية. أوّل كتاب ترجمته كان مجموعة نصوص للمستشرق إميل تسانكوف غيورغييف بعنوان "هدايا شهرزاد السبعة"، (دار البيروني، عمّان)، وقد صدر بالعربية قبل صدوره باللغة البلغارية. الكتاب يتضمن قرائن موثقة تفيد بفضل العرب والمشرق عامة في تطوير الحضارات العالمية.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
آخر ترجماتي ديوان لشعراء مدينة برغاس الساحلية صادر عن "دار الدراويش" في مدينة بلوفديف البلغارية، وأعمل حالياً على ترجمة رواية للكاتب البلغاري الألماني فكتور باسكوف بعنوان "أنشودة لغورغ هينيك"، تُرجمت لما يزيد على 30 لغة. باسكوف ذو ثقافة موسيقية مميزة، وأسلوبه مطعّم بمصطلحات موسيقية كثيرة. أتوقّع الانتهاء من ترجمة الرواية مع بداية صيف 2019.
■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية، وكمترجم إليها؟
العقبات في معظمها مرتبطة بقصور واضح بالتعرّف إلى المصطلحات العربية والمرادفات التقنية والعلمية. على الرغم من قدرات اللغة العربية الكامنة، هناك عجز واضح في عمل المعاجم العربية، إضافة لقصور إمكانيات التواصل بين مجامع اللغة الغربية، لذلك فعلى المترجم أن يجتهد كثيراً لتقديم ترجمة جيّدة، في الوقت الذي ألاحظ فيه نمو اللغات "الصغيرة"، البلغارية وغيرها، لاستفادتها من المفردات ذات الأصول اللاتينية والغربية، والعمل بشكل دائم على إثرائها ومواكبة المستجدات اللغوية.
■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر؟ وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
قد لا أوافق على ذلك كثيراً، هناك اهتمام كبير بالفكر العربي والفلسفة الإسلامية وغيرها من العلوم الإنسانية. مؤخراً، ترجمتُ بعض أعمال الغزالي، والكثير من الأعمال ذات الطابع الصوفي وغيرها. هذا النشاط يحسب للأكاديميين المستشرقين. عدا عن ذلك، تكمن المشكلة في الطابع الرسمي العربي، والذي يفتقر لاستراتيجية واضحة المعالم لدعم مشاريع ترجمة فاعلة. في أوروبا، هناك الكثير من المدارس المختصّة. هذه المدارس مرتبطة بالمراكز الثقافية ومراكز البحث والسفارات، وتوجد موازنات خاصّة لدعم مشاريع الترجمة، كما يبدأ تأهيل المترجمين في مراحل الثانوية العامة للتمكّن باكراً من إتقان اللغات الأجنبية، إضافة إلى المراكز الثقافية للدول الأجنبية الوفيرة في صوفيا وغيرها من العواصم، في الوقت الذي لا تتواجد مراكز عربية فاعلة، ما يحدّ من النشاط الثقافي والتبادل المعرفي والترجمة. لكن يمكن أن نشير إلى بلدان المغرب العربي وبخاصة المغرب، فهي ذات حضور قويّ وواضح في هذا السياق.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
علاقتي مع الناشر استراتيجية باعتباره شريكاً أساسياً في نشاط الترجمة. لكن يبقى الخيار مرتبطاً بذوقي في ما يتعلق بالأعمال المرشحة للترجمة، لكن الناشر يأخذ بالاعتبار حاجة السوق والقدرة على تسويق الأعمال المترجمة. للشعر حضور قويّ للغاية في بلغاريا، في الوقت الذي تتراجع أهميته في المنتديات والمكتبات العربية. ترجمت الكثير من الشعر البلغاري المعاصر، وبصدد الانتقال لترجمة النثر والرواية، وإذا توفّر الدعم فقد ألجأ لترجمة دراسات في مجالات أخرى.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك الأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
جزءٌ من الطبقة الليبرالية المثقفة الجديدة لما بعد المرحلة الانتقالية في أوروبا الشرقية، يعاني من خلفية سياسية رافضة لكلّ مخلّفات المرحلة الاشتراكية، بما في ذلك العلاقات مع المشرق بالتزامن مع قصور الحضور والتأثير العربي في الإقليم. ولم تبدِ هذه المجموعة من الكتّاب اهتماماً بنقل أعمالها والاطلاع على آدابنا سوى بشقّ الأنفس، والفضل في ذلك يعود للمنتديات واللقاءات الثقافية الدولية. لكن لا يوجد لديّ أيّة حواجز لنقل المادّة الموسومة بطابع سياسي، وأبتغي الأمانة ونقل وجهة النظر حتى وإن كانت عدائية على أن تكون موضوعية، تاركاً الحكم للقارئ والمحلل والدارس.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
تربطني علاقات شخصية قوية مع معظم الكتّاب المعاصرين الذين أترجم لهم، وهذا مهم لفهم طريقة تفكيرهم، وقد ألجأ أحياناً للتواصل معهم خلال مرحلة الترجمة لمعرفة المزيد أو لتوضيح بعض الملابسات.
■ كثيراً ما يكون المترجم كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
نعم أنا كاتب قصة وروائي وشاعر ومهتمّ بالمسرح وصحافي قبل أن أكون مترجماً، لذا تجد الكاتب فيّ يتدخّل لنقل التجربة والزخم الإبداعي في العمل المترجم خاصّة في مجال الشعر. الترجمة في نهاية المطاف تسرق نزراً من الطاقة الإبداعية، وليس مصادفة تعريف المترجم بأنّه شريك في العمل الإبداعي، وأعتقد أنّ لي بصمتي الخاصّة في أسلوب ونسق الترجمة.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
هي قواعد ومبادئ بسيطة أساسية، أهمّها أن ينال العمل المترجم إعجابي ووجود ثقة متبادلة ما بين الطرفين. غالباً ما أتفرّغ نسبيًا لترجمة العمل المعنيّ، وقد أفشل بكتابة أو تتمة أعمال إبداعية لي بدأتها قبل الشروع بترجمة أعمال طويلة، مختارات قصصية أو رواية. عادة ما أعمل لوقت متأخر من الليل وفي الصيف أعمل في ساعات الصباح الباكر، الصمت والسكينة لا يمكن الاستغناء عنهما لإنجاز أعمال ترجمة أو إبداعية جيدة.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
نعم هناك أعمال ندمت على ترجمتها، ولا أضعها في سيرتي الذاتية. احتراماً لأسماء الكتّاب المعنيين، لن أذكر أسماء محدّدة. تعود الأسباب للتسرّع بقبول الترجمة دون تقييم العمل جيّداً، والخجل لاحقاً عن التراجع. لكنّي مؤخّراً بدأت أحسن رفض ما لا يروق لي من الأعمال لإدراكي قيمة الوقت وأهمية الترفّع عن الأعمال الرثّة واحترام الذات.
■ ما الذي تتمناه للترجمة، سواء من اللغة العربية أو إليها، وما هو حلمك كمترجم؟
أتمنّى للترجمة في العالم العربي أن تنال المكانة الرفيعة التي تستحقها. بالمناسبة يصلني الكثير من روابط المواد المترجمة من اللغة الإسبانية المنشورة على صفحات الثقافة في "العربي الجديد" من بعض كتّاب أميركا اللاتينية وحتى من الكتّاب البلغار، ما يدلّ على الرسالة التي يتبنّاها موقع وصحيفة "العربي الجديد". أمّا بالنسبة للحلم وأعتقد بأنّه ممكن التحقق لاحقاً، فأتمنّى أن أتمكّن من ترجمة كتاب معرفي قيّم وضخم للغاية يحمل عنوان "إنسان البلقان"، للكاتب والمفكر يوردان فيلتشيف، يتناول فيه تاريخ البلقان وعلاقته بالحضارات المختلفة بما فيها المشرق. الكتاب يزيد على الألف صفحة ويحتاج لتمويل وجهد كبير لإنجازه.
بطاقة
ولد خيري حمدان عام 1962 في قرية دير شرف في نابلس بفلسطين. درس في الزرقاء ثمّ غادر لدراسة الهندسة، ونال شهادة الماجستير في صوفيا حيث يقيم حالياً. تفرّغ للعمل في مجال الصحافة والترجمة في تسعينيات القرن الماضي. من أعماله باللغة البلغارية روايتا "أحياء في مملكة السرطان" (2005)، و"أوروبي في الوقت الضائع" (2007). وله مجموعات شعرية: "مريمين" (2000)، و"حياة واحدة لا تكفي (2016)، و"المخرج الأخير" (2018)، ومجموعة تحت الطبع بعنوان "أنا البدويّ". كما كتب مسرحية "هل يسمعني أحد" (2008).
أما بالعربية، فمن رواياته: "انعتاق" (2013)، و"أرواح لا تنام" (2016)، و"حدائق البندق" (2018). كما كتب نص مسرحية "دعني أعِش، دعني أمُت" (2010)، والمجموعة القصصة "غواية منتصف العمر" (2015).
على مستوى الترجمة من اللغة البلغارية إلى العربية، صدرت له نصوص بعنوان "هدايا شهرزاد السبعة" (2016)، ومختارات من الشعر البلغاري المعاصر بعنوان "الرياح بعثرت كلّ كلماتي" (2015)، ومختارات من القصة البلغارية بعنوان "في البدء كانت الخاتمة" (2017).
من العربية إلى البلغارية، ترجم مجموعة قصصية بعنوان "مكالمة منتصف الليل" (2015) لـ محمود الريماوي، وأخرى بعنوان "المستهدف" (2016) لـ جمال ناجي، وخواطر بعنوان "الصبية والصندوق" (2018) لـ سلوى عمارين. كما نقل الكثير من النصوص الشعرية العربية. ترجمت بعض أعماله إلى الإنكليزية، والإسبانية، والفرنسية، والسويدية، والتركية، والمقدونية، الأوكرانية وغيرها.