تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات العالمية المختلفة اليوم. "تتقاعس دور نشر كثيرة عن الترجمات بحجة ارتفاع نفقاتها" يقول المترجم المصري السيد إمام في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- بدأت حكايتي مع الترجمة منذ كنت طالباً بكلية الآداب أدرس اللغة الإنكليزية وآدابها. بدأت بترجمة بعض المقتطفات من روايات كانت تعجبني. لم يكن اهتمامي الأول بالترجمة على أي حال، وإنما بالنقد. ومن أجل توسيع معرفتي بما تحقّق في المدارس الأوروبية في مجال النقد ونظرية الأدب، حرصتُ على قراءة الكتب الحديثة في هذا المجال، ثم سألت نفسي لماذا لا أترجم بعض هذه الكتب لأعمّم الفائدة وأشرك الكثيرين من أمثالي في التعرّف على منجز النظرية الأدبية الحديثة واستيعاب مفرداتها. وكان أن بدأتُ بكتاب "الشعرية البنيوية" لجوناثان كلر وهي أول ترجمة له إلى العربية، ثم كتاب ديفيد لودج "التوسل بالبنيوية"، ثم "قاموس السرديات" لجيرارد برنس وهلم جرّا. واستمرت السلسلة إلى أن وصلت الآن إلى ما يربو على خمسة عشر كتاباً تدور كلها ضمن هذا المشروع من بينها أعمال إيهاب حسن وموسوعة ألف ليلة وليلة التي أصدرها "المركز القومي للترجمة" في مصر.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- آخر الترجمات التي أنجزتها كان كتاب "تقطيع أوصال أورفيوس" لإيهاب حسن، وهو الكتاب الأساس الذي دشّن لتيار ما بعد الحداثة فى الأدب. الكتاب قيد الطبع ويصدر قريباً، وهو يناقش أعمال الماركيز دى ساد، وإرنست همنغواي، وفرانتس كافكا، وجيرار جينيه، وصامويل بيكيت. أنا الآن في فترة استراحة، وفي الحقيقة أنا أتأهب لترجمة كتاب كنت قد ترجمت بعض فصوله ونشرتها من زمن بعيد وأقصد به السيرة التي كتبها أندريه مورواه عن مرسيل بروست والتي تحمل عنوان "البحث عن بروست".
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- أبرز العقبات التي تواجه المترجم العربي هي مسألة حقوق الملكية التي تدفع بعض دور النشر التي تبتغي الربح الخالص، للتقاعس عن قبول الكتب المترجمة توفيراً للنفقات. ولحسن الحظ أن ذلك ليس ديدن كل دور النشر. العقبة الثانية تتمثل في تدنّي المردود المادي الذي يتقاضاه المترجم مقابل الجهد الضخم الذي تقتضيه عملية الترجمة مما يدفع الكثيرين للانصراف عن هذا النشاط الحيوي والخطير.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- وأنا ممّن لا يعترفون بدور المحرر. الكتاب المترجَم مسؤولية المترجم من الألف للياء. وظيفة المحرر في البلاد العربية مُبهمة، ولا يوجد في رأيي محرّرون محترفون على الوجه الذي نجده في أوروبا إلا في ما ندر.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- بالنسبة لمسألة اختيار العناوين، فإنها تقع على عاتقي إلا إذا اقترح عليّ الناشر عملاً أراه يندرج ضمن دائرة اهتمامي أو المشروع الذي كرّست نفسي للعمل فيه. عملية الترجمة ليست عشوائية ولا ينبغي أن تكون، بل يجب أن تؤطرها رؤية وأن تكون ضمن مشروع. ويجب أن تخضع لسؤال: أترجم ماذا؟ ولماذا؟ أنا شخصياً لا أترجم عملاً لا أحبه. أترجم في العادة كتاباً أرى أنه سوف يضيف شيئاً لمعرفتي، ومعرفة القارئ بطبيعة الحال. الكتاب الجديد يجب أن يقدم إضاءة جديدة لزاوية من زوايا الوجود، وإلا فما الجدوى من الكتابة بالأساس؟ باختصار، علاقتي بالكتاب الذي أترجمه تقوم على "المحبة"، علاقة حوار خلاق بين ما استقر في وعيي من معرفة وما يقدمه الكتاب من معارف وأفكار.
بطاقة
ناقد ومترجم مصري. من ترجماته: "الشعرية البنيوية" و"أقنعة بارت" لـ جوناثان كلر، "قاموس السرديات" لجيرارد برنس، و"موسوعة ألف ليلة وليلة" لـ أورليش مارزوف وريتشارد فان ليفن. في السنوات الأخيرة أنكبّ على ترجمة أعمال المنظر الأدبي المصري- الأميركي إيهاب حسن (1925 - 2015)، ومن ذلك: "تحوّلات الخطاب النقدي لما بعد الحداثة"، و"النقد النظير"، و"الخروج من مصر.. مشاهد ومجادلات من سيرة ذاتية" و"أوديب أو تطوّر ما بعد الحداثة"، وتصدر قريباً ترجمته لكتاب "تقطيع أوصال أورفيوس".