مفردات بذيئة تهيمن على المجتمع الجزائري

17 نوفمبر 2016
لم تعد الشوارع "آمنة" (فايز نور الدين/ فرانس برس)
+ الخط -
يلاحظ العائد إلى الشارع الجزائري بعد غياب طويل، مغالاة الشباب في استعمال الكلمات النابية

تُصنّف المفردات الجنسية في الجزائر، في خانة المحرّمات أو التابو. ويُمنع ذكرها في أوساط الأقارب، الذكور تحديداً، إذ من الجائز اجتماعياً أن تُرفع الكلفة بين الأمهات وبناتهنّ والجدات وحفيداتهنّ. ومن الطرائف المرتبطة بهذا الموضوع أنّ الأسر الأمازيغية بمعظمها كانت تقاطع نشرات الأخبار طيلة فترة حكم جورج بوش الأب وكذلك جورج دبليو بوش في الولايات المتحدة الأميركية، لأنّ كلمة "بوش" تعني باللغة الأمازيغية العضو الذكري.

الجزائريون من غير الأقارب، باختلاف أجيالهم، لا يجدون حرجاً في استعمال مفردات جنسية أو ذات إيحاءات في أحاديثهم. وثمّة مناطق تغالي في هذا الشأن، ويلخّص الانتشار الواسع للنكتة الجنسية ولع الجزائريين بتلك المفردات، غير أنّهم يجمعون على أنّ الأمر عيب ووقاحة إذا تعدّى المجلس الضيق ووصل إلى مسامع الناس في الأماكن العامة. وإذا ما اطلعنا سريعاً على أرشيف القضاء، سوف نجد عدداً معتبراً من القضايا الجنائية التي وقعت على خلفية تفوّه أحدهم بما هو غير لائق في مكان عام.

في الفترة الأخيرة، يبدو أنّ الجزائريين تصالحوا مع الأمر الواقع، وباتوا يتجنّبون المشاكل عبر التقليل من اصطحاب قريباتهم والسير معهنّ في الشارع، إذ إنّ الحذر في استعمال المفردات البذيئة تراجع إلى أدنى مستوياته. أكثر من ذلك، فقد باتت الكلمة البذيئة تنطلق من الشارع لتصل إلى مسامع الأسرة داخل البيت أو في وسائل النقل العامة. فيقول هنا سلسبيل ل. (27 عاماً) باستهجان: "لم يعد مستبعداً أن يفسدوا عليك خروجك مع والدتك أو قريبة لك، إذ قد تسمع ما يخدش الحياء في أيّ لحظة وفي أيّ مكان. حينها سوف تجد نفسك إما ذليلاً بالصمت وإما جانياً بتأديب الجاني".

ويتحدّث سلسبيل الذي يعمل في بيع التذاكر في محطة القطارات، عن قريب له "كان يتنزّه مع أسرته في حديقة، وإذا بشابَين راحا يتفوهان بكلام وقح، من دون مراعاة الطابع العائلي للمكان. وهو الموقف الذي دفع به إلى نهرهما، فتفاقم الوضع إذ تحوّل إلى شجار أسفر عن فقدان أحد الشابَين عينه". يضيف أنّ "المستغرب في الأمر هو إلزام القضاء قريبي بتعويض ماليّ ضخم وبالسجن خمس سنوات".

في هذا السياق، يقول الكاتب فتحي كافي: "عندما كان الشارع الجزائري محكوماً بمنظومة منسجمة مع عناصرها الاجتماعية من أسرة ومدرسة وجامعة وجمعيّة وجامع، كان الاحتشام عرفاً مهيمناً عليه. أمّا اليوم، بعدما تفككت المنظومة الاجتماعية، فقد صار التجوّل برفقة الأهل مغامرة غير مأمونة العواقب". وينسب صاحب مسرحية "القرص الأصفر" في حديث إلى "العربي الجديد" هيمنة "القاموس الفاحش" إلى جملة من العوامل، "منها المنظومة السياسية التي أفرغت المجتمع من المشاريع الحضارية، والمنظومة التربوية التي باتت تعلّم ولا تربي فخرّجت جيلاً يحفظ نصوصاً عن الأخلاق والحياة المشتركة من أجل الامتحانات لا من أجل الحياة".

ويذهب كافي إلى القول بأنّ "هذا القاموس الذي يستخدمه الجيل الجديد، إنما هو موقف من الأوضاع السائدة والسياسات الحاكمة". ويشرح أنّه "بعد فشل انتفاضات الشارع الجزائري في مسعى مطالبته بحياة أفضل، لم يجد الشباب طريقة يعبّرون من خلالها عن رفضهم إلا الخروج عن القواعد العامة بتفسيخ ألسنتهم، فانتعشت النكتة الجنسية". يضيف: "هذه رسالة إلى السياسي الفاشل والمعلّم الفاشل والأب الفاشل والمثقّف الفاشل والإداري الفاشل ورجل الدين الفاشل، والذين لم يفهموها حتى اليوم مكتفين بشجب الواقع".

من جهته، ينفي الناشط الاجتماعي أسامة شرياف أن يكون الجيل الجديد كلّه في سلة واحدة، قياساً على العنف في الملاعب التي تعدّ أكثر الفضاءات احتضاناً للكلام الفاحش. ويشدّد لـ العربي الجديد" على أنّه "من التعسّف القول إنّ كلّ من يذهب إلى الملعب هو عنيف وإنّ كل شاب هو فاحش بالضرورة". يضيف: "علينا كذلك التنبّه إلى السلوك الفاحش. أليس من الفحش أن يستولي وزير على أموال الشعب وهو يخاطبه بقاموس مهذّب ومعسول؟ ولا أجد غير أغنية الراب انتبه إلى هذه الزاوية".

وأغنية الراب هذه لم تسلم من القاموس المفخخ بكلمات نابية في العرف الجزائري. فيدافع أحد أصواتها الجديدة حليم آش. تيه. أم. عن هذ المنحى بالقول إنّ "الفحش الذي يسجّل في الشارع اليوم هو ثمرة الفراغ الفكري والروحي والأوضاع المعيشية المزرية. أما ذاك الموجود في كلمات بعض مغنّي الراب، فثمرة طبيعة هذا الفن الذي يأخذ مصداقيته من لعبه دور المرآة التي تعكس ملامح الواقع".

تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة كتاباً وإعلاميين وفنانين معروفين باستعمال الكلمات المحظورة اجتماعياً في منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. فيسأل الكاتب محمد قسط: "هل البذاءة تختلف إذا كُتبت بالعامية، عنها إذا كتبت بالفصحى؟". يضيف أنّ "ثمّة مثقفين يوجدون سياقاً فنياً مبرراً لتوظيف البذاءات، ما يدلّ على اهتزاز أخلاقي ونفسي. هم لا يحترمون حرّية الآخرين ولا الاختلافات الفكرية، إذ إنّ البذاءة تصبح فعلاً إقصائياً ومنافياً لمُنطلقها كفعل تنفيسي يستوعب كمّ المشاعر المتناقضة والمحتدمة، عندما تعجز طرق التعبير العادية عن استيعاب الأفكار".