14 نوفمبر 2024
مفترق جدّة.. اليمن وحيداً
حدث في 29 من الشهر الماضي (أغسطس/ آب)، وعلى خلفية استمرار الصراع على السلطة في مدينة عدن بين السلطة الشرعية، المعترف بها دولياً، والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، أن الطيران الإماراتي قصف القوات التابعة للشرعية، المتمركزة في نقطة "العَلَم"، المدخل الشرقي لمدينة عدن، ما تسبب في مقتل وجرح عشرات الجنود من قوات الشرعية. وبقدر ما شكل ذلك نقطة تحوّل في سياق الحرب والأزمة اليمنيتين، لأبعاده السياسية والعسكرية، فإنه قد عرّى أهداف القوى المتدخلة في اليمن، إذ انتهكت القوانين الدولية، ساعية، وبكل إصرار، إلى تمزيق اليمن، مصادرة بذلك إرادة اليمنيين، وحقهم الأصيل في تقرير شكل دولتهم المستقبلية، محتكرةً، وبتواطؤ دولي، الوصاية على هذا البلد وأهله، ضاربة بعرض الحائط مهامها الوظيفية التي تحدّدت، قانونياً بموجب طلب السلطة الشرعية، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، لاسترداد السلطة من المتمرّدين الحوثيين، وليس صياغة شكل السلطة في اليمن، وتقرير مصير البلاد نيابة عن حلفائها، فضلاً عن تدخلها السافر في إدارة السلطة الشرعية، وإزاحة قوى سياسية يمنية، وتصعيد قوى أخرى موالية لها.
خلافاً لحوادث شهدتها جبهات الحرب في اليمن، والمتمثلة في استهداف طيران التحالف العربي قوات تابعة للسلطة الشرعية، في جبل صبر، في مدينة تعز، وجبهة نهم، شرق صنعاء، وغيرها من الحوادث الموثقة، والتي تم التعاطي معها حينها باعتبارها "نيرانا صديقة" لا أكثر، جاء الحادث المشار إليه أعلاه في سياق سياسي وعسكري مختلف، دخول الإمارات معادلة الصراع على السلطة في جنوب اليمن، إلى جانب حليفها المحلي، المجلس الانتقالي الجنوبي. وعلى الرغم من اعتراف قيادة التحالف العربي ببعض الحوادث، بأنها نتاج خطأ استخباراتي غير مقصود، فإن اعترافها لا يعفيها أبداً من المسؤولية السياسية والأخلاقية حيال مقتل مئات من الضحايا العسكريين، حتى مع تغاضي السلطة الشرعية حينها عن مقتل جنودها بيد حُماتها، لأسباب سياسية، وبالطبع غير أخلاقية، إلا أن تعمّد الطيران الإماراتي قصف القوات التابعة للشرعية أخيرا، والتسبب في خسائر بشرية بشكل عمدي، يعد إعلان حرب على السلطة الشرعية، إذ تبنت الإمارات رسمياً قصفها قوات الرئيس هادي في عدن، ما يؤكد أنها ستستعرض قوتها العسكرية في المدينة، بما يضمن سيطرة حليفها المحلي، المجلس الانتقالي الجنوبي، على جنوب اليمن، وهو ما يعني تدخّل طيرانها ضد أي تحرّك عسكري للقوات التابعة للشرعية تجاه عدن في المستقبل، بغرض منع أي محاولة لعودة السلطة الشرعية إلى المدينة، ومن ثم تضييق الخناق عليها في مدينة شبوة، وحصارها بداية هناك، قبل الإجهاز على قواتها في كل مناطق جنوب اليمن، وبشكل حاسم.
لم تكن الإدارة الإماراتية، على رعونتها، لتبدو بهذه الصفاقة واللامبالاة حيال استهداف السلطة الشرعية عسكرياً، لولا امتلاكها غطاءً دوليا وإقليميا يشرعن أجنداتها في جنوب اليمن، إذ لم تستهتر هذه الإدارة بسلطة الرئيس هادي، المعترف بها دولياً فقط، وإنما جرّدته من سلطته
السيادية رئيسا لليمن الموحد؛ فقد تجاهلت مناشدته السعودية وقف الدعم الإماراتي عن المجلس الانتقالي الجنوبي، ونقلت سلطته من مربع مظلومية الاعتداء عليها (سلطته) إلى تورّطه في حماية إرهابيين، فقد صرّحت أبوظبي في بيان لها بأن استهداف قوات الرئيس هادي في عدن كان في سياق الدفاع عن النفس من عناصر إرهابية، إذ أكدت مضامين البيان المظلة السياسية التي ستتحرّك بها الإمارات لحماية أطماعها في جنوب اليمن، وهو مؤشّر خطير على تحوّل قوات الرئيس هادي إلى هدف مشروع مستقبلاً، في حال تعارضها مع أجنداتها في جنوب اليمن، إضافة إلى وصمها قواتٍ تابعةً للشرعية بالإرهاب، بما يؤدي إلى تحجيم شرعية هادي، وعزلها عن أي تعاطفٍ دولي، وهو ما تجلّى في موقف مجلس الأمن الدولي الذي لم ينظر بجدّية إلى شكوى الشرعية ضد قصف الإمارات قواتها في عدن.
في السياق نفسه، يبدو أن السعودية حدّدت قواعد اللعبة في جنوب اليمن، والتي تديرها الإمارات، بعِلمها، بحيث تنتهي أخيراً في يديها، فحتى مع تذبذب الموقف السعودي الرسمي حيال قصف الإمارات قوات الرئيس هادي، وما ترتب عليه من سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة عدن، فإن الخلاف السعودي - الإماراتي المعلن يقتصر على كيفية إدارة الملف الجنوبي، وكيفية التعاطي مع الشركاء المحليين، فالجلي هنا، أنه مهما تباينت التحليلات حيال وجود خلاف سعودي - إماراتي في جنوب اليمن، فقيادة التحالف العربي التي ترأسها السعودية، تعلم مسبقاً بمشاركة الطيران الإماراتي في معركة عدن، إلى جانب حليفها، المجلس الانتقالي. ومن جهة أخرى، فإن الصراع الإماراتي - الانتقالي - السلطة الشرعية في جنوب اليمن، مكّن السعودية من توجيه قوات عسكرية ضخمة إلى مدينة شبوة، بما يضمن تعزيز نفوذها في مدينة المهرة، البوابة الشرقية لليمن، على حدود سلطنة عُمان. ومن جهة ثانية، وحتى لو تعارضت الأجندات السعودية والإماراتية في جنوب اليمن، فإن السعودية غير مستعدة للتضحية بحليفها الإقليمي، على الأقل في هذه المرحلة، لصالح سلطةٍ ضعيفةٍ في اليمن. إضافة إلى أن السعودية قد حدّدت سلفاً مضامين حل الصراع بين فرقاء السلطة في جنوب اليمن، من خلال مشاركتهما في حوار جدّة، وهو ما يعني تحديد السلطة الشرعية طرفا سياسيا، وليس سلطة شرعية جامعة للقوى اليمنية، مقابل المجلس الانتقالي الجنوبي. وبعيداً عن أي تسويةٍ سياسيةٍ قد يسفر عنها لقاء جدّة، في حال انعقاده، فالثابت هنا أنه مهما تغيرت موازين القوى العسكرية بين فرقاء السلطة في جنوب اليمن، لا يمكن تجاوز حوار جدّة.
تعكس مضامين الموقف السعودي في إدارة صراع فرقاء السلطة في جنوب اليمن توجهاً دولياً، برز منذ تعثّر مفاوضات السويد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ أن إفشال جماعة الحوثي اتفاقية مدينة الحديدة، وعجز السلطة الشرعية عن تغيير المعادلة العسكرية لصالحها، جعل الموقف الدولي يتجه إلى ضرورة إشراك قوى سياسية أخرى في المفاوضات المقبلة، بحيث تكون قوة مرجّحة. وبقدر ما يعني التوجه الدولي الجديد الانقلاب فعلياً على قرار مجلس الأمن 2216 بشأن اليمن، والذي يعترف بسلطة الرئيس هادي شرعية ضد المتمردين الحوثيين، وضمنياً ضد أي قوى سياسية محلية متمرّدة، مهما كانت أجنداتها، على شرعية هادي، بحيث يحدّد التسوية السياسية بين السلطة الشرعية المعترف بها دولياً والمتمرّدين الحوثيين، وهو ما يعني مراجعة دولية للأزمة السياسية والحرب في اليمن؛ إذ تمظهر ذلك في تبنّي مجلس الأمن حوار جدّة المرتقب بين فرقاء السلطة في الجنوب، ما يؤكّد أن المجتمع الدولي ينظر إلى السلطة الشرعية طرفا سياسيا، يمكن تجاوزه في حال فرضت التطورات العسكرية على الأرض هذا الخيار.
يبدو أن شرعية هادي أمام معادلة صعبة، إذ من الصعب على شخصه تفكيك التحالف الإماراتي - الانتقالي في جنوب اليمن، أو إعادة صياغة علاقة الشرعية بمنظومة التحالف العربي، حيث
أثبت صراع الرئيس هادي مع المجلس الانتقالي في جنوب اليمن، ورفضه أجندات إماراتية في جنوب اليمن، أن قرار بقاء الإمارات في التحالف العربي من عدمه ليس سيادياً يمكنه المشاركة في اتخاذه، وإنما سعودي في المقام الأول. كما أن فشل توسلات الشرعية للقيادة السعودية لاتخاذ موقف لصالحها يكشف أن المصالح السعودية - الإماراتية تتجاوز إرادة سلطة هادي. ومن جهة أخرى، يتبدّى الموقف الدولي حيال هذه السلطة أكثر صرامة، إذ تحكمه حزمة المصالح التي يتحصّل عليها، من خلال ضمان استمرار المساعدات الإنسانية السعودية - الإماراتية لليمن، مهما كانت جرائمهما بحق اليمنيين، وتورّطهما في تقسيم اليمن، أو صفقات الأسلحة الإماراتية - السعودية، ومن ثم لا ينحاز المجتمع الدولي إلا للممول، والشرعية التي يعترف بها هي شرعية القوة والغلبة، مهما كان موقف اليمنيين منها، ومن ثم تتضاءل خيارات الرئيس هادي في مواجهة مصيره.
في تراجيديا الحرب ومآلاتها في اليمن، لا منطق إلا لإرادة المتغلبين وحلفائهم اليمنيين. ومع بشاعة ما يعيشه اليمنيون اليوم، فقد أجهزت خمس سنوات من حربٍ عبثية على أحلامهم وحقهم في الحياة، ليدركوا أخيراً، وبمرارة، تشابه المنقذين الإقليميين الذين هللوا لهم يوما ما، لنصرتهم، مع القوى المليشياوية، على اختلاف تموضعاتها، وأجنداتها، ليس فقط في قتلهم اليمنيين، وتدمير البنية التحتية، وخلق كارثة إنسانية غير مسبوقة، وإنما في غايتهم النهائية لتقسيم اليمن ونهب خيراته. ربما كان الدرس قاسياً، لكنه يتضمن وعي الحكمة، وعي من خسر كل شيء، ولم يبق لديه سوى حلم أخير في أن تظل بلاده وبلاد أجداده موحّدة، حتى لو أن هذا الحلم الفقير، يصطدم اليوم بإرادة إقليمية ودولية، في تفتيت اليمن.
لم تكن الإدارة الإماراتية، على رعونتها، لتبدو بهذه الصفاقة واللامبالاة حيال استهداف السلطة الشرعية عسكرياً، لولا امتلاكها غطاءً دوليا وإقليميا يشرعن أجنداتها في جنوب اليمن، إذ لم تستهتر هذه الإدارة بسلطة الرئيس هادي، المعترف بها دولياً فقط، وإنما جرّدته من سلطته
في السياق نفسه، يبدو أن السعودية حدّدت قواعد اللعبة في جنوب اليمن، والتي تديرها الإمارات، بعِلمها، بحيث تنتهي أخيراً في يديها، فحتى مع تذبذب الموقف السعودي الرسمي حيال قصف الإمارات قوات الرئيس هادي، وما ترتب عليه من سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة عدن، فإن الخلاف السعودي - الإماراتي المعلن يقتصر على كيفية إدارة الملف الجنوبي، وكيفية التعاطي مع الشركاء المحليين، فالجلي هنا، أنه مهما تباينت التحليلات حيال وجود خلاف سعودي - إماراتي في جنوب اليمن، فقيادة التحالف العربي التي ترأسها السعودية، تعلم مسبقاً بمشاركة الطيران الإماراتي في معركة عدن، إلى جانب حليفها، المجلس الانتقالي. ومن جهة أخرى، فإن الصراع الإماراتي - الانتقالي - السلطة الشرعية في جنوب اليمن، مكّن السعودية من توجيه قوات عسكرية ضخمة إلى مدينة شبوة، بما يضمن تعزيز نفوذها في مدينة المهرة، البوابة الشرقية لليمن، على حدود سلطنة عُمان. ومن جهة ثانية، وحتى لو تعارضت الأجندات السعودية والإماراتية في جنوب اليمن، فإن السعودية غير مستعدة للتضحية بحليفها الإقليمي، على الأقل في هذه المرحلة، لصالح سلطةٍ ضعيفةٍ في اليمن. إضافة إلى أن السعودية قد حدّدت سلفاً مضامين حل الصراع بين فرقاء السلطة في جنوب اليمن، من خلال مشاركتهما في حوار جدّة، وهو ما يعني تحديد السلطة الشرعية طرفا سياسيا، وليس سلطة شرعية جامعة للقوى اليمنية، مقابل المجلس الانتقالي الجنوبي. وبعيداً عن أي تسويةٍ سياسيةٍ قد يسفر عنها لقاء جدّة، في حال انعقاده، فالثابت هنا أنه مهما تغيرت موازين القوى العسكرية بين فرقاء السلطة في جنوب اليمن، لا يمكن تجاوز حوار جدّة.
تعكس مضامين الموقف السعودي في إدارة صراع فرقاء السلطة في جنوب اليمن توجهاً دولياً، برز منذ تعثّر مفاوضات السويد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ أن إفشال جماعة الحوثي اتفاقية مدينة الحديدة، وعجز السلطة الشرعية عن تغيير المعادلة العسكرية لصالحها، جعل الموقف الدولي يتجه إلى ضرورة إشراك قوى سياسية أخرى في المفاوضات المقبلة، بحيث تكون قوة مرجّحة. وبقدر ما يعني التوجه الدولي الجديد الانقلاب فعلياً على قرار مجلس الأمن 2216 بشأن اليمن، والذي يعترف بسلطة الرئيس هادي شرعية ضد المتمردين الحوثيين، وضمنياً ضد أي قوى سياسية محلية متمرّدة، مهما كانت أجنداتها، على شرعية هادي، بحيث يحدّد التسوية السياسية بين السلطة الشرعية المعترف بها دولياً والمتمرّدين الحوثيين، وهو ما يعني مراجعة دولية للأزمة السياسية والحرب في اليمن؛ إذ تمظهر ذلك في تبنّي مجلس الأمن حوار جدّة المرتقب بين فرقاء السلطة في الجنوب، ما يؤكّد أن المجتمع الدولي ينظر إلى السلطة الشرعية طرفا سياسيا، يمكن تجاوزه في حال فرضت التطورات العسكرية على الأرض هذا الخيار.
يبدو أن شرعية هادي أمام معادلة صعبة، إذ من الصعب على شخصه تفكيك التحالف الإماراتي - الانتقالي في جنوب اليمن، أو إعادة صياغة علاقة الشرعية بمنظومة التحالف العربي، حيث
في تراجيديا الحرب ومآلاتها في اليمن، لا منطق إلا لإرادة المتغلبين وحلفائهم اليمنيين. ومع بشاعة ما يعيشه اليمنيون اليوم، فقد أجهزت خمس سنوات من حربٍ عبثية على أحلامهم وحقهم في الحياة، ليدركوا أخيراً، وبمرارة، تشابه المنقذين الإقليميين الذين هللوا لهم يوما ما، لنصرتهم، مع القوى المليشياوية، على اختلاف تموضعاتها، وأجنداتها، ليس فقط في قتلهم اليمنيين، وتدمير البنية التحتية، وخلق كارثة إنسانية غير مسبوقة، وإنما في غايتهم النهائية لتقسيم اليمن ونهب خيراته. ربما كان الدرس قاسياً، لكنه يتضمن وعي الحكمة، وعي من خسر كل شيء، ولم يبق لديه سوى حلم أخير في أن تظل بلاده وبلاد أجداده موحّدة، حتى لو أن هذا الحلم الفقير، يصطدم اليوم بإرادة إقليمية ودولية، في تفتيت اليمن.