مفاوضات كيري- لافروف... غموض حول إمكانية تنفيذ الاتفاق الهش

09 سبتمبر 2016
رفع الحصار عن حلب نقطة محورية بالمحادثات(كيفن لامارك/فرانس برس)
+ الخط -
ساعات طويلة قضاها وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، الجمعة، في جنيف، في محاولة للتوصل إلى اتفاق حول سورية، لتعكس الساعات الطويلة وقلة التسريبات حول ما يجري داخل غرفة الاجتماع صعوبة المحادثات التي تتواصل منذ أسابيع بشكل مكثف.

وخرج لافروف من بعدها، ليشير إلى أن الولايات المتحدة تعطل اتفاقاً بشأن سورية، وأنه "ربما يلتقيان مجدداً الأسبوع المقبل".

وقال لافروف للصحافيين الذين كانوا ينتظرون الإعلان عن اتفاق محتمل في مؤتمر صحافي "نعتقد أنه ربما نوقفها (المحادثات).. ربما نجتمع الأسبوع المقبل". وأضاف بحسب ما نقلت "رويترز" "أعتقد أن من المهم بالنسبة للوفد الأميركي أن يراجع الأمر مع واشنطن".

في المقابل سئل مسؤول بالإدارة الأميركية عن تعليقات لافروف، فأكّد أن كيري مستمر في بحث المقترحات مع زملائه في واشنطن.

ويأمل الطرفان الأميركي والروسي التوصل إلى اتفاق، ولو هش، لكنه يتيح التفاهم أولاً على وقف للأعمال القتالية خلال عيد الأضحى، على أمل أن تمدد المدة، لتكون بوابة العودة إلى المفاوضات السورية، في الوقت الذي كانت فيه التطورات الميدانية، خصوصاً في حلب، تشير بوضوح إلى خطة يقودها النظام السوري وروسيا، لزيادة الضغط على فصائل المعارضة وقضم المزيد من الأراضي، على أمل تحويل التحولات الميدانية إلى مكاسب سياسية.

وبينما كانت الأنظار تتركز على جنيف التي عقد فيها كيري ولافروف لقاءهما، فضلاً عن المباحثات التي أجريت مع المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، كانت تركيا تشهد لليوم الثاني على التوالي مشاورات سياسية تصدرها الملف السوري، حملت المزيد من الرسائل حول الدور التركي خلال المرحلة المقبلة والتمسك بـ"المنطقة الآمنة" بما يحقق الأهداف العسكرية التي تريدها أنقرة.


مباحثات كيري لافروف

المحادثات بين وزيري الخارجية الأميركي والروسي في جنيف، بات محسوماً أنها تركزت على اتفاق وقف إطلاق النار وتوسيع المساعدات الإنسانية، خصوصاً في المناطق المحاصرة، إلا أن الخلافات تكمن حول التفاصيل والآليات التي تضمن الالتزام ببنود أي اتفاق يتم التوصل إليه، وهو ما يفسر تراجع التسريبات طوال يوم أمس حول فحوى محادثات كيري ولافروف.

على الرغم من ذلك، جاءت تصريحات وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، لتوضح بعض الملامح للاتفاق المتوقع، إذ أشار إلى أن الاتفاق الذي تجري مناقشته يتضمن وقف القتال في سورية لمدة 7-10 أيام. وأوضح أن الطرفين الأميركي والروسي حققا تقدماً، لكن لا تزال هناك قضيتان أو ثلاث لم تحل بعد. وأعرب عن أمله في تسوية الخلافات المتبقية في الأيام المقبلة. 

وفي هذا السياق، علم "العربي الجديد" أن الروس قدموا صيغة للاتفاق، وحاول مسؤولون أميركيون جسّ نبض فصائل المعارضة حول بنوده، فيما لخصت مصادر مقربة من المعارضة فحواه بالقول إن "المكسب الوحيد للولايات المتحدة أنها تقوم بتوسيع استهدافها للنصرة (جبهة فتح الشام حالياً)، فيما يكسب الروس شروطاً تضعف المعارضة".


وبحسب التسريبات، تركز بنود الاتفاق المقترح على مدينة حلب، إذ يتضمن السماح للمدنيين والعسكريين المغادرة من حلب، شرط تحديد الوجهة، أي السماح بالمغادرة دون عودة، على غرار ما حدث من تهجير في حمص وداريا.

كذلك تتضمن بنود الاتفاق المقترح منطقة منزوعة السلاح هي الكاستيلو، عبر جعلها ممراً للمساعدات الإنسانية مقابل تجاهل طريق الراموسة. وهو ما كانت فصائل المعارضة قد أعلنت رفضها له.

وبحسب المصادر نفسها، يعطي الاتفاق النظام أفضلية في الوجود العسكري. كما يتضمن بنداً بألا يقوم النظام بنشاطات عسكرية جوية إلا ضد الفصائل الجهادية المحسوبة خصوصاً على تنظيم القاعدة.

ووفقاً للمصادر أيضاً، فإن المعارضة ترى أن فرص توقيع الاتفاق "كبيرة جداً"، فيما الدول الإقليمية المعنية بالملف السوري تعتبر أنه متى أعلن الاتفاق لا خيار أمامها سوى دعمه على الرغم من عدم حماستها له وقناعتها بأنه يغيّر الكثير من الأمور.

وبحسب المصادر، تعمل هذه الدول على الاستفادة من الاتفاق والتعديل على البنود الخاصة باستهداف جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) بحيث لا يؤدي ذلك إلى استهداف المعارضة وإضعافها. ووفقاً للمصادر، يعلم الجميع أن أي هدنة لن تعمّر طويلاً وأن الجميع سيعمل على تحصيل أقصى ما يمكن من مكاسب وأقل ما يمكن من تحقيق التزامات.




تبريرات أميركية
وقبيل استئناف المشاورات بين كيري ولافروف، برر المسؤولون الأميركيون العودة إلى طاولة المفاوضات مع روسيا بالقول إن "تقدماً مطرداً" حدث في الأسابيع الأخيرة، مقرّين بوجود "قضايا عالقة لم نستطع إغلاقها". ولخص مسؤول أميركي لوكالة "رويترز" الوضع بالقول "لا يمكننا أن نضمن في هذه المرحلة أننا على وشك الانتهاء"، مشيراً إلى أن القضايا العالقة تنطوي على أمور فنية كثيرة وبالغة التعقيد.

كذلك أعاد أحد المسؤولين التأكيد أن "للصبر حدوداً"، وأن واشنطن لن تواصل ببساطة المحادثات إذا لم يتم التوصل لنتيجة "في وقت قريب نسبياً". وأضاف "إذا وصلنا لنقطة نعتقد فيها أنهم يضيعون الوقت، فعندها ستروننا على الأرجح نسلك اتجاهاً مختلفاً"، من دون أن يحدد مساره.

وأقرّ المسؤول الأميركي نفسه بأن أي اتفاق مع روسيا ينبغي أن يتضمن رفعاً للحصار الذي تفرضه قوات الحكومة حول حلب، قائلاً "لا يزال هذا بشكل كبير النقطة المحورية في المحادثات التي نجريها وسيكون موضوعاً (للنقاش) بشكل كبير".



دي ميستورا حاضر
من جهته، لم يغب المبعوث الأممي إلى سورية عن المحادثات الأميركية الروسية التي وصفها بأنها "على درجة من التعقيد والصعوبة"، من دون أن تحمل تصريحاته، أمس، جديداً، خصوصاً بعدما كرر تعويله على نجاح المحادثات الأميركية الروسية.

وقال دي ميستورا خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ ستيفن أوبراين، إن "النتائج يمكن أن تحدث فارقاً كبيراً لإعادة العمل بوقف الأعمال القتالية، وأن تترك أثراً كبيراً على المساعدات الإنسانية وعلى الطريقة التي تستأنف بها العملية السياسية".

وأوضح أنه التقى، ليل الخميس الجمعة، بالوزيرين الأميركي والروسي، مشيراً إلى أن اجتماعه مع لافروف قد استغرق أكثر من ساعة. وأضاف دي ميستورا أن الأمم المتحدة ستدعم النتائج الإيجابية التي قد يتوصل إليها وزيرا الخارجية الروسي والأميركي. 

بدوره، أكد أوبراين أن الوضع في شرقي مدينة حلب السورية "الآن في غاية الهشاشة"، ما يتطلب هدنة لمدة 48 ساعة على الأقل مرة وبشكل أسبوعي.


تركيا تتمسك بالمنطقة الآمنة
في موازاة ذلك، أعادت تركيا التأكيد على ثوابتها في ما يتعلق بالملف السوري. وفي السياق، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، أمس الجمعة، إن جهود تركيا لإقامة منطقة آمنة في سورية ستستمر إلى حين تأمين الحدود التركية والقضاء على التهديدات التي تواجهها بلاده.

وأضاف "يكمن هدفنا في إطار العملية (عملية درع الفرات) في حماية حدودنا من الإرهابيين الذين يطلقون الصواريخ على أراضينا. وليست العملية موجهة ضد وحدة الأراضي السورية".
وشدد على أن "العملية ستستمر حتى تحقيق الأهداف، التي تضعها أنقرة نصب عيونها مائة بالمائة".

من جهته، أعلن الجيش التركي، أمس، مقتل ثلاثة جنود أتراك وإصابة واحد بعد هجوم لـ"داعش" على دبابة تركية داخل الأراضي التركية.

كما أفاد الجيش التركي، في بيان، أمس، بأن ضربات جوية نفذتها طائراته دمرت أربعة أهداف ثابتة شمال سورية. وكانت تركيا قد بدأت هجوماً واسع النطاق في شمال سورية الشهر الماضي بهدف تطهير حدودها المشتركة مع سورية من مقاتلي "داعش". 

من جهته، شدد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أمس الجمعة، خلال مؤتمر صحافي مع وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، على مواصلة تركيا مساعيها الرامية إلى وقف إطلاق النار وإيجاد حل سياسي للأزمة يضمن وحدة أراضي سورية.

ودعا جاويش أوغلو الاتحاد الأوروبي إلى تبني رؤية سياسية موحدة مع تركيا في مواجهة الأزمات المستمرة في أوروبا والمنطقة.

بدورها، أوضحت موغيريني أن الاتحاد وتركيا يتفقان على أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للصراع السوري وأن الحل السياسي فقط هو الذي يمكنه إحلال السلام في هذا البلد الذي مزقته الحرب. وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي وتركيا يعملان معاً لصياغة اتفاق لوقف إطلاق النار في سورية. وأضافت أنه يجب أن يكون هناك انتقال سياسي من القيادة السورية الحالية، وأنه يجب ضمان سلامة أراضي البلاد ووحدتها وحماية جميع الأقليات فيها.

انتقادات الجبير
في غضون ذلك، وصف وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، رئيس النظام السوري بشار الأسد بأنه "مغناطيس يجذب الإرهابيين"، وشدَّد على ضرورة إزاحته من أجل القضاء على الإرهاب.

وأشار في ندوة خاصة عقدها مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (سيتا) في العاصمة أنقرة، إلى أنه لا دور لبشار الأسد في مستقبل سورية. وأضاف "هذا الشخص (الأسد) تسبب في مقتل 600 ألف شخص، وتهجير 12 مليوناً من منازلهم، وتدمير بلد، ونحن نؤمن بشكل قطعي أنه لا دور للأسد في مستقبل سورية، ويتوجب عليه الرحيل، وموقف تركيا متطابق مع هذا الموقف".