صحيح أنّ مفاوضات جنيف اليمنية أُعلن رسمياً عن فشلها في التوصل إلى هدنة رمضانية على الأقل، وبالتالي حلّ سياسي ما، إلا أن مؤشرات عدة تفيد بأن أبواب المحادثات وتبادل الرسائل لم توصد بالكامل بعد. ووصلت إلى "العربي الجديد" معلومات مؤكدة متقاطعة تفيد بأن المفاوضات غير المباشرة ستتواصل في سلطنة عُمان التي انتقل إليها أعضاء ما بات يعرف بـ"وفد صنعاء" (الذي يمثل الحوثيين وممثلي حزب المخلوع علي عبد الله صالح). فقد أقلت الطائرة، أمس الأحد، ستة من أعضاء الوفد، من جنيف إلى مسقط، بينما عاد العضو السابع إلى مقر إقامته الألمانية. بذلك، ينضم الأعضاء الستة إلى القياديين الحوثيين، الناطق باسم الحركة محمد عبدالسلام والمسؤول السياسي لحركة أنصار الله صالح الصماد.
وبحسب معلومات "العربي الجديد"، ستتواصل المفاوضات غير المباشرة في مسقط من دون أن يتجه "وفد الرياض" (ممثل الحكومة الشرعية) إلى هناك، إذ ستتكفل الوساطة العُمانية بإيصال الرسائل إلى الرياض، مقر إقامة أعضاء الحكومة الشرعية. كلام سبق أن ألمح إليه عضو الوفد الآتي من صنعاء، ممثل حزب البعث العربي الاشتراكي اليمني، محمد الزبيري، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن "المشاورات مستمرة ولن تنتهي بانتهاء مؤتمر جنيف". ولا تقتصر المؤشرات "التفاؤلية" على ذلك، إذ إنه بعد انتهاء مفاوضات جنيف رسمياً ليل الجمعة، التقى "وفد صنعاء" بعدد من أعضاء "وفد الرياض"، منهم مدير مكتب الرئيس عبدربه منصر هادي، أحمد عوض بن مبارك، وأحمد الميسري في جنيف، في لقاء غير معلن وعلمت "العربي الجديد" بحصوله. وبحسب المعلومات، سيكون أساس المفاوضات غير المباشرة في سلطنة عمان، مشروع اتفاق المبادئ العشرة التي سبق لـ"العربي الجديد" أن نشر نصها الحرفي، وتتمحور بمعظم بنودها حول شروط الهدنة وترتيباتها وضماناتها.
والنقاط العشر التي نالت موافقة وفد الشرعية، وعرقلها وفد الحوثيين وصالح هي التالية، وتحديداً البنود الثلاثة الأولى منها:
1ــ وقف إطلاق النار بالارتباط بانسحاب الانقلابيين من المناطق التي سيطروا عليها تنفيذاً للقرار 2216.
2ــ وضع آلية للهدنة وتنفيذ الانسحاب ومنع حصول فراغ أمني.
3ــ تشكيل آلية دولية لمراقبة احترام الهدنة والانسحاب.
4ــ إرسال فريق فني متخصص لتنفيذ بنود الاتفاق.
5ــ استئناف تقديم الخدمات الضرورية للشعب اليمني.
6ــ العمل مع الأطراف الإقليمية والدولية من أجل تنفيذ الاتفاق.
7ــ ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل سريع وغير مقيد.
8ــ إقرار آلية الأمم المتحدة لتفتيش البضائع التجارية الوافدة عبر البحر والبر والجو.
9ــ احترام القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين.
10ــ يواصل المبعوث الدولي المشاورات مع باقي المكونات السياسية والمجتمع المدني اليمني.
اقرأ أيضاً: ترتيبات لعودة وفد الحوثيين عبر عُمان وتواصل غارات التحالف
في هذا السياق، لا يستبعد عدد من أعضاء وفدي صنعاء والرياض، أن تعلن السعودية، في الساعات المقبلة، وقفاً للغارات من طرف واحد تحت شعار "مكرمة ملكية". وبحسب ما تسرب من لقاء وفدي صنعاء والرياض، فإنّ الحوثيين باتوا أكثر مرونة إزاء شروط الهدنة.
وكان معظم أعضاء الوفد الحكومي قد غادروا مقر إقامتهم في فندق ستيرلينغ بجنيف يوم السبت، ليبقى بعضهم في المدينة السويسرية بموازاة بقاء أعضاء وفد الحوثيين وصالح في سويسرا أيضاً، حيث استأنفوا مشاوراتهم يوم السبت مع المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ والتقوا دبلوماسيين غربيين لم يفصح الوفد عن هوياتهم.
وكان أربعة من أعضاء الوفد القادم من صنعاء وهم يحيى دويد وحمزة الحوثي وعبدالمللك الحجري ومحمد الزبيري قد عقدوا مؤتمراً صحافياً عقب الإعلان الرسمي عن انتهاء مشاورات جنيف ولوحظ أثناء المؤتمر حرص الأربعة على عدم توجيه أي انتقاد لولد الشيخ أو تحميله مسؤولية الفشل بل وعدم الاعتراف بالفشل ذاته. وقال يحيى دويد، عضو الأمانة العامة لحزب المؤتمر، إنه من المبكر الحكم على جهود ولد الشيخ بالفشل أو النجاح لأنها لا تزال مستمرة، فيما قال حمزة الحوثي إن المشاورات لم تفشل وإنما كانت مجرد تمهيد أولي لجولة لاحقة سوف يتحدد موعدها فيما بعد.
في المقابل، يبدو معسكر المتشائمين كبيراً إزاء ما قد تحمله الأحداث اليمنية، وخصوصاً أن هناك أعضاء في وفد صنعاء يرجحون إقدام الحوثيين وحلفائهم على استكمال المشروع الانقلابي بتنفيذ مضمون "الإعلان الدستوري" وتشكيل مجلس رئاسة وحكومة جديدة ليكونا بديلين لشرعية هادي وتكون الحكومة بديلة لحكومة خالد بحاح التي تعمل من الرياض.
كما تحدث آخرون عن احتمالات انتقامية أخرى إذا ما استمرت الغارات الجوية وأهمها حسب رأيهم إقدام الحوثيين وصالح على إحالة من تسميهم صنعاء بـ"الخونة" إلى القضاء، وإصدار أحكام قضائية عليهم قد تصل إلى عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد بمن فيهم الرئيس هادي نفسه ورئيس وأعضاء الحكومة الشرعية ومصادرة ممتلكاتهم في اليمن الأمر الذي قد يزيد المشكلة اليمنية تعقيداً.
سيناريو أسود شواهده كثيرة ويومية على الأرض، من خلال استمرار الغارات والمعارك البرية التي لا تزال سمتها الرئيسية في الجنوب تظهر في تراجع تحالف الحوثيين وصالح من جهة، على حساب تقدم المقاتلين المؤيدين للشرعية من جهة مقابلة.
وواصل الحوثيون أمس الأحد قصف أحياء عدن، ما أسفر عن مقتل عدد من مدنيين على وقع استمرار الغارات على مواقع الحوثيين وحلفائهم عند مداخل عدن وفي قاعدة العند الجوية في محافظة لحج، حيث أسفرت المواجهات البرية عن 12 قتيلاً بحسب مصادر محلية.
اقرأ أيضاً: ما بعد جنيف: انسحاب جزئي للحوثيين في ظلّ الحرب