مفاوضات الاستخبارات التركيّة ومسلم: شروط مستحيلة وأهداف عاجلة

06 أكتوبر 2014
مسلم طالب تركيا بعدم منع تدفّق المقاتلين الأكراد (الأناضول)
+ الخط -
بدأ رئيس حزب "الاتحاد الديمقراطي"، جناح "العمال الكردستاني" في سورية، صالح مسلم، بالتفاوض مع الحكومة التركية في أنقرة عبر محادثات غير مباشرة تتم بوساطة مسؤولي جهاز الاستخبارات التركي، بحسب ما علم "العربي الجديد".

وقد عقد جهاز الاستخبارات التركي ومسلم اجتماعات مطوّلة فور وصول الأخير إلى أنقرة، يوم السبت الماضي، قادماً من العاصمة الدانماركية كوبنهاغن.

وحثّت الاستخبارات التركية مسلم، خلال اللقاءات، على اتخاذ موقف واضح معادٍ للنظام السوري وإنهاء التعاون والتنسيق معه، والانضواء تحت قيادة أركان الجيش السوري الحر.

وطالبته بإلغاء الإدارة الذاتية التي أعلن عنها "الاتحاد الديمقراطي" في كل من القامشلي وعفرين وكوباني (عين العرب)، من طرف واحد، لحين التشاور مع باقي أطراف المعارضة.

بينما طالب مسلم الاستخبارات التركية بعدم منع وصول مساعدات الأسلحة لقوات الحماية الشعبية التابعة لحزبه، وذلك بوقف الضغط على الدول الأوروربية والولايات المتحدة التي رفضت دعم قواته بالسلاح بسبب الضغوط التركية، وأيضاً عدم منع تدفق المقاتلين الأكراد الراغبين بالدفاع عن عين العرب، والسماح لقوات "العمال الكردستاني" بتقديم الدعم العسكري لقوات الحماية الشعبية عبر الأراضي التركية.

ما تطلبه تركيا من حزب "الاتحاد الديمقراطي"، يكاد يكون مستحيلاً، لأن إعلان الحزب العداء للنظام السوري، يعني دخوله في اشتباكات مع قوات النظام التي ما زالت موجودة بشكل قوي في كل من مدينة الحسكة والقامشلي وعفرين، أي في اثنين من كانتونات الإدارة الذاتية التي أعلن عنها الحزب، بينما يتهاوى ثالثهما تحت ضربات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

ويقوم النظام السوري بكافة أعبائه ومهامه كممثل للدولة، فيدفع رواتب الموظفين ويسيّر الأمور الإدارية والمحاكم كالمعتاد، بل وتساند قواته مقاتلي الحماية الشعبية في معاركها في محافظة الحسكة ضد "داعش" و"جبهة النصرة"، سواء بالمدفعية أو عبر سلاح الجو باستخدام مطار القامشلي.

وبالتالي، فإن التمرّد على النظام يعني أن يجري تدمير أكبر الكانتونات، وهو القامشلي، إذ إن النظام لن يتخلّى عن أهمّ مطاراته في الشمال بسهولة، وقد يقوم بضرب آبار النفط والغاز التي سلّمها للحزب في وقت سابق.

في غضون ذلك، فإن الانضواء تحت لواء الجيش السوري الحر، يعني أن يصبح الحزب، ومن ثم القوات التابعة له، تحت رحمة الائتلاف الذي تمتلك فيه كل من تركيا وإقليم كردستان العراق سلطات واسعة من خلال "المجلس الوطني الكردي" المكوّن من مجموعة أحزاب كردية ذات ولاء مباشر لأربيل.

ويتبادل الطرفان، أي "المجلس الوطني الكردي" و"الاتحاد الديمقراطي"، العداء الشديد، حتى أن بعض المصادر الإعلامية الكردية أعلنت، يوم الجمعة الماضي، أن اجتماع الأمانة العامة للمجلس قد تبنّى مقترح فرعه في عين العرب بضرورة تأسيس قوة عسكرية خاصة بالمجلس الوطني الكردي.

وذكرت المصادر أن المجتمعين قرروا البدء فوراً بتشكيل هذه القوة العسكرية التي ستتبع للائتلاف السوري وستتلقى منه الدعم والسلاح.

وبحسب المصادر، فإن شروط تشكيل هذه القوة هو أن تتبع للائتلاف السوري وأن تعتبر وحدات الحماية الكردية (YGP)، غير موجودة لدرجة الاصطدام معها إن لزم الأمر.

أما عن إلغاء إعلان الإدارة الذاتية التي أقرها "الاتحاد الديمقراطي" لحين التشاور مع باقي أطراف المعارضة، فهذا يعني أن يتخلى الحزب عمّا يمكن اعتباره الإنجاز الصوري الوحيد الذي قدمه على المستوى السياسي منذ اندلاع الثورة السورية وبعد مفاوضات شرسة مع النظام.

لم يكن أمراً مستغرباً أن يقوم جهاز الاستخبارات التركي بالتفاوض مع مسلم، إذ إن مناقشة ملف "العمال الكردستاني"، ومنذ بدء المفاوضات غير المباشرة عام 2012 بين الحكومة وزعيم "العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان، جرت أيضاً عبر جهاز الاستخبارات التركي وما زالت مستمرة حتى الآن.

وكانت الاستخبارات قد تسلّمت الملف الكردي بعدما اضطر الجيش إلى سحب يده عن الموضوع تحت ضغط محاكمة العديد من كبار ضباطه بتهمة محاولة الانقلاب، وبالتالي لم يعد "العمال الكردستاني" وحده من ضمن وظائف جهاز الاستخبارات التركي، بل أصبح هو وجميع فروعه بما فيها "الاتحاد الديمقراطي".

إن السياسة التركية واضحة ضمن الائتلاف الدولي لمحاربة "داعش"، والأولوية إسقاط النظام السوري الذي سبّب كل هذا، وفي سبيل ذلك، لا بد في البداية من إبعاد حلفائه عنه مهما كان الثمن، ومن ثم توحيد المعارضة المسلحة تحت سقف قيادة أركان الجيش السوري الحر التابع للائتلاف.

فإن نجحت تركيا في هذا الأمر، فإنها تستطيع أن تجنّب قواتها المسلحة الدخول في معركة مباشرة داخل الأراضي السورية، مكتفية بإدارة المعركة وتقديم المساعدات عن بُعد، ولا تعود بحاجة إلى المنطقة العازلة، وتستطيع أيضاً فك الارتباط، ولو إلى حين، بين "العمال الكردستاني" وذراعه الأهم في المنطقة، أي ضربة أخرى لعدوها الأول، بينما تدير معه مفاوضات حل القضية الكردية في تركيا.

في المقابل، فإن "الاتحاد الديمقراطي"، لو نجح في المفاوضات مع أنقرة، فإن هذا سيفتح له أبواب الدخول إلى الحلف الأميركي من أوسع أبوابه، بكل ما يعنيه ذلك من دعم عسكري وإمكانية تنسيق مباشر معه لتغطية المعارك جوياً، وخصوصاً أن قيادات الحماية الشعبية ما زالت تشتكي من عدم فعالية الضربات الجوية ضد "داعش" بسبب عدم وجود تنسيق بينها وبين الحلف.