27 سبتمبر 2018
مفاجأة الضربة الأميركية
ظهر أن القصف الأميركي لقاعدة الشعيرات السورية الجوية بصواريخ توما هوك وكأنه تغيّرٌ في الموقف الأميركي في الشأن السوري، أو بالتحديد في موقف دونالد ترامب الذي كان يبدو أقرب إلى التفاهم مع النظام الذي كان وأتباعه يهللون لتأكيد إدارة ترامب على بقاء الأسد في السلطة، وأنجح النظام سياسته بتحويل ما جرى من حراكٍ ضده إلى "حربٍ ضد الإرهاب". ولا شك في أن الرئيس السابق، باراك أوباما، كان مصمماً على عدم القيام بخطوة مماثلة، وغادر البيت الأبيض فرحاً ومزهوّاً بما قرره.
لهذا، بدت خطوة ترامب مفاجئة، الأمر الذي أطلق العنان لتخيلاتٍ تعتقد أن أميركا "قرّرت أخيراً التدخل المباشر في سورية". كما أعاد تعالي صوت الممانعة ضد "الهجوم الإمبريالي الغاشم"، وضد "الاعتداء على السيادة الوطنية للدولة السورية". هذا ما أطلق الآمال من جديد لدى قطاعٍ من المعارضين السوريين بقرب التدخل الأميركي، بعد أن كانوا قد يئسوا من ذلك، واعتقدوا أن أميركا باتت مع "عدوهم". وأطلق الخوف لدى الممانعة التي أخذت تحشد (في البيانات) لمواجهة الهجمة الأميركية.
لا شك في أن الخطوة الأميركية مفاجئة، بعد كل الكلام عن التقارب مع النظام السوري. لكن، لا بدّ من ملاحظة عدد من الأمور:
أولها أن ترامب في موقع الاتهام حول علاقته مع روسيا، والتحقيق ما زال قائماً بصدد ذلك. كما أنه كان يعيب على أوباما أنه تصرّف بشكل خاطئ، حين استخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية سنة 2013، وأظهر ضعفاً في الرد، بعد أن اعتبر استخدام الأسلحة الكيماوية خطاً أحمر. لهذا، إذا كان النظام يعتقد أن استخدام السلاح الكيماوي ممكن على ضوء التقارب مع أميركا، وهو يسعى إلى حسم سريع للصراع، فقد كان ترامب في موقفٍ حرج، نتيجة ما أشرت إليه، وبالتالي، لم يكن أمامه سوى الرد.
وثانيها أن ترامب الرئيس بات يرى "العنجهية الروسية" التي تريد الاستفراد بالملفات، وهنا بالملف السوري، وهو الأمر الذي يعني "التصرّف الفردي" في ترتيب وضع العالم. الأمر الذي يعني أن روسيا تسعى إلى أن تفرض هيمنةً عالميةً، بديلاً للهيمنة الأميركية، وإذا كان ذلك ظاهراً في فترة أوباما الأخيرة، ولم يكن ترامب يوليه أهميةً، لاعتقاده أنه قادر على التفاهم مع روسيا، فقد اصطدم في وضعٍ ينتقص من هيبة أميركا. لهذا، قرّر أن يتدخل مباشرة، لكي يفرض إيقاعاً جديداً في العلاقة مع روسيا. حيث يجب أن يلتزم الروس بالتوافق مع أميركا، وأن يتخلّوا عن "التصرّف الفردي".
ثالثها، وهو ما توضّح في قمة السبعة الكبار، حيث جرى إقرار مبدأ أن الحل في سورية يفرض رحيل "عائلة الأسد"، وهو ما ذهب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، إلى موسكو لتبليغه للروس. ما يمثّل انقلاباً في الموقف الأميركي الذي كان يريد التعامل مع بشار الأسد رئيسا (ورحّب النظام بذلك، وأيضاً عقد الآمال عليه)، لكنه بات معنياً بإزاحة العائلة.
ذلك كله يعني أن أميركا لم تغيّر إستراتيجياً في موقفها، بل قامت بخطوةٍ "ضرورية" بالنسبة لها، من أجل إعادة إقحام ذاتها في الحل السياسي، راسمة حدود هذا الحل. طبعاً ربما يحتاج الأمر إلى ضرباتٍ أخرى، لشكل قدرات طيران النظام، وتحجيم فاعليته. لكن يأتي ذلك في سياق الوصول إلى حل، كما كان قائماً منذ البدء، أي عبر التفاهم الأميركي الروسي، ويبدأ بإزاحة بشار الأسد، لكن روسيا هي من سيلعب الدور الأساسي في صياغة "النظام الجديد" برضى أميركي. وفي ظل استمرار الهيمنة الروسية على سورية، فليس من طموح أميركي لدور أساسي في سورية.
ما يبدو هنا أن أميركا معنيةٌ بكسر العنجهية الروسية، وتدمير طموحها للهيمنة العالمية، أكثر مما هي معنية بالوضع السوري، إلا بمدخلٍ لذلك، فقد وافقت، منذ زمن، على هيمنة روسية على سورية.
لهذا، بدت خطوة ترامب مفاجئة، الأمر الذي أطلق العنان لتخيلاتٍ تعتقد أن أميركا "قرّرت أخيراً التدخل المباشر في سورية". كما أعاد تعالي صوت الممانعة ضد "الهجوم الإمبريالي الغاشم"، وضد "الاعتداء على السيادة الوطنية للدولة السورية". هذا ما أطلق الآمال من جديد لدى قطاعٍ من المعارضين السوريين بقرب التدخل الأميركي، بعد أن كانوا قد يئسوا من ذلك، واعتقدوا أن أميركا باتت مع "عدوهم". وأطلق الخوف لدى الممانعة التي أخذت تحشد (في البيانات) لمواجهة الهجمة الأميركية.
لا شك في أن الخطوة الأميركية مفاجئة، بعد كل الكلام عن التقارب مع النظام السوري. لكن، لا بدّ من ملاحظة عدد من الأمور:
أولها أن ترامب في موقع الاتهام حول علاقته مع روسيا، والتحقيق ما زال قائماً بصدد ذلك. كما أنه كان يعيب على أوباما أنه تصرّف بشكل خاطئ، حين استخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية سنة 2013، وأظهر ضعفاً في الرد، بعد أن اعتبر استخدام الأسلحة الكيماوية خطاً أحمر. لهذا، إذا كان النظام يعتقد أن استخدام السلاح الكيماوي ممكن على ضوء التقارب مع أميركا، وهو يسعى إلى حسم سريع للصراع، فقد كان ترامب في موقفٍ حرج، نتيجة ما أشرت إليه، وبالتالي، لم يكن أمامه سوى الرد.
وثانيها أن ترامب الرئيس بات يرى "العنجهية الروسية" التي تريد الاستفراد بالملفات، وهنا بالملف السوري، وهو الأمر الذي يعني "التصرّف الفردي" في ترتيب وضع العالم. الأمر الذي يعني أن روسيا تسعى إلى أن تفرض هيمنةً عالميةً، بديلاً للهيمنة الأميركية، وإذا كان ذلك ظاهراً في فترة أوباما الأخيرة، ولم يكن ترامب يوليه أهميةً، لاعتقاده أنه قادر على التفاهم مع روسيا، فقد اصطدم في وضعٍ ينتقص من هيبة أميركا. لهذا، قرّر أن يتدخل مباشرة، لكي يفرض إيقاعاً جديداً في العلاقة مع روسيا. حيث يجب أن يلتزم الروس بالتوافق مع أميركا، وأن يتخلّوا عن "التصرّف الفردي".
ثالثها، وهو ما توضّح في قمة السبعة الكبار، حيث جرى إقرار مبدأ أن الحل في سورية يفرض رحيل "عائلة الأسد"، وهو ما ذهب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، إلى موسكو لتبليغه للروس. ما يمثّل انقلاباً في الموقف الأميركي الذي كان يريد التعامل مع بشار الأسد رئيسا (ورحّب النظام بذلك، وأيضاً عقد الآمال عليه)، لكنه بات معنياً بإزاحة العائلة.
ذلك كله يعني أن أميركا لم تغيّر إستراتيجياً في موقفها، بل قامت بخطوةٍ "ضرورية" بالنسبة لها، من أجل إعادة إقحام ذاتها في الحل السياسي، راسمة حدود هذا الحل. طبعاً ربما يحتاج الأمر إلى ضرباتٍ أخرى، لشكل قدرات طيران النظام، وتحجيم فاعليته. لكن يأتي ذلك في سياق الوصول إلى حل، كما كان قائماً منذ البدء، أي عبر التفاهم الأميركي الروسي، ويبدأ بإزاحة بشار الأسد، لكن روسيا هي من سيلعب الدور الأساسي في صياغة "النظام الجديد" برضى أميركي. وفي ظل استمرار الهيمنة الروسية على سورية، فليس من طموح أميركي لدور أساسي في سورية.
ما يبدو هنا أن أميركا معنيةٌ بكسر العنجهية الروسية، وتدمير طموحها للهيمنة العالمية، أكثر مما هي معنية بالوضع السوري، إلا بمدخلٍ لذلك، فقد وافقت، منذ زمن، على هيمنة روسية على سورية.