01 فبراير 2019
مغرب الاحتجاج
لا حديث في المغرب يعلو، هذه الأيام، على احتجاجات الأساتذة المتدربين الذين يطالبون بمراجعة تصور الحكومة للفصل بين التكوين والتشغيل، هذه الاحتجاجات التي كثيراً ما أدت إلى تدخلاتٍ عنيفة من السلطات، كما وقع الأسبوع الماضي، تذكّر بما شهدته شوارع العاصمة الرباط من احتجاجات كبيرة، في السنة المنصرمة، قادها طلاب كليات الطب والأطباء الداخليون، ضد توجه الحكومة إلى فرض سنتين من الخدمة الإجبارية في المناطق النائية لكل الأطباء المتخرجين. فضلاً عمّا شهدته طنجة من سلسلة احتجاجات شعبية غير مسبوقة، عمت مصالح شركة التدبير المفوض المكلفة بتوزيع الماء والكهرباء.
هذا كله يجعل المغرب أمام ظاهرة حقيقية، هي تنامي الاحتجاج. ظاهرةٌ تخترق كل الفئات: العاطلين، سكان البوادي، قدماء العسكريين، القضاة، النساء، الشباب الحضري، الطلبة، الأمازيغيين، السلفيين، الحقوقيين، ولا تعوزها الأشكال التي تبدو متعددة وكثيرة: الاعتصامات، الوقفات، مسيرات الجوع، التظاهرات...، بكثافةٍ تجعلها تصل إلى حدود معدلٍ يتجاوز خمسين احتجاجاً في اليوم، بمتوسط 2790 محتجاً كل يوم.
أدى انفجار الطلب الاجتماعي لمجتمع يعيش تحوله الديمغرافي الكبير، وداخل سياق سياسي محفز على الحرية، إلى أن يُصبح الأمر حالة عامة، مهيكلة للمجتمع الذي أصبح يعتبر "الاحتجاج" سلوكاً يومياً وثقافة طبيعية، ما يدعو إلى التساؤل حول دلالات هذا التحول وأبعاده في علاقة بمنطق البناء الديمقراطي، وبارتباط بردود فعل الدولة من زاوية المعالجة الحقوقية من جهة، ومن باب الأجوبة الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى، وتسمح بطرح إشكالية أكبر تتعلق باشتغال (أو الأصح بعطب) آليات الوساطة بكل صيغها: التمثيلية، السياسية والحزبية، والنقابية والمدنية.
إلى حدود التسعينيات، ظلت الاحتجاجات خاضعة لدورية "منتظمة"، حيث شهدت البلاد سلسلة من الانفجارات الكبرى و"الدموية" خلال التواريخ التي أصبحت محفورة في التاريخ السياسي المغربي: الدارالبيضاء/ مارس، آذار 1965، الدارالبيضاء/ يونيو، حزيران 1981، أحداث 1984، فاس / ديسمبر، كانون أول 1990.
إذ شكلت الحواضر الكبرى الوعاء السوسيولوجي لهذه الانفجارات الاجتماعية التي ارتبطت، في الغالب، بتوتر الصراع بين اليسار والدولة، ما جعلها احتجاجاتٍ بعنوان سياسي أو نقابي واضح (اليسار الجديد، الاتحاد الاشتراكي، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الكونفدرالية والاتحاد العام للشغالين..).
ومن بدايات التسعينيات، ومع تشكيل الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين في المغرب،
سيبرز جيل جديد من الاحتجاج الذي جعل من الصراع حول الفضاء العمومي أحد رهاناته الاستراتيجية، وهو ما ستستثمره فيما بعد باقي حركات العاطلين عن العمل، العنوان السيميائي و"الفرجوي/ المشهدي" لهذا التحول، سيلخصه تحول شارع محمد الخامس في الرباط مع قدوم حكومة التناوب إلى مشهد يومي للاحتجاج، جعل الوزير الأول في حينه، عبد الرحمن اليوسفي، في إحدى جمله الصغيرة المعبرة، يتحدث عمّا يشبه "مايو 68" دائماً!
في السنوات الأخيرة، دورة الانفجارات الكبرى ستعوض بدورة ثانية، بمتغيرات جديدة؛ فعندما نفكر في: صفرو، سيدي إيفني، تازة، الحسيمة، فجيج، فإن الأمر يتعلق بتغير في طبيعة المدن، حيث انتقلنا من المدن الكبرى إلى الحواضر الصغرى والمتوسطة، وانتقلنا، من العنوان السياسي والنقابي الوطني إلى أشكال جديدة للتنظيم: لجان محلية، تتسيقيات لمحاربة الغلاء، لقد عوّض التشبيك المحلي الانتماءات الوطنية، وأصبحت المطالب المحلية أكثر قدرة على التعبئة من الشعارات الكبرى والمركزية، وتحولت التناقضات الاجتماعية، من المدن الكبرى التي استثمرت الدولة كثيراً في آليات ضبطها الأمني والعمراني إلى مدن متوسطة تطورت بدون هوية، ولا ملامح، وأساساً بلا أي قدرة على الإدماج الاجتماعي.
وعندما بدا لمحللين كثيرين أن الاحتجاج السياسي قد عوّض بدون رجعة باحتجاجات حول السياسات، فإن أحداث 20 فبراير/ شباط 2011 أعادت الصيغ السياسية للاحتجاج إلى الواجهة، مدعماً بمحيط إقليمي مساعد، وبتزايد تأثير وسائل الاتصال الجديد في بناء الهويات الاجتماعية/ الاحتجاجية.
الملاحظ أن خفوت الاحتجاج السياسي، بعد أجوبة النظام السياسي، الدستورية والانتخابية، لا يوازيه خفوت للدورة الاحتجاجية الجديدة المرتبطة بالسياسات العمومية، والتي تبدو غير متوازية مع الزمن السياسي وبأجندته، ففاعلو "الاحتجاج" يعتبرون مطالبهم أعمق من تحولات المشهد الحكومي، وهذا ما يطرح أسئلة معقدة بشأن مستقبل الدولة الاجتماعية في المغرب.
هذا كله يجعل المغرب أمام ظاهرة حقيقية، هي تنامي الاحتجاج. ظاهرةٌ تخترق كل الفئات: العاطلين، سكان البوادي، قدماء العسكريين، القضاة، النساء، الشباب الحضري، الطلبة، الأمازيغيين، السلفيين، الحقوقيين، ولا تعوزها الأشكال التي تبدو متعددة وكثيرة: الاعتصامات، الوقفات، مسيرات الجوع، التظاهرات...، بكثافةٍ تجعلها تصل إلى حدود معدلٍ يتجاوز خمسين احتجاجاً في اليوم، بمتوسط 2790 محتجاً كل يوم.
أدى انفجار الطلب الاجتماعي لمجتمع يعيش تحوله الديمغرافي الكبير، وداخل سياق سياسي محفز على الحرية، إلى أن يُصبح الأمر حالة عامة، مهيكلة للمجتمع الذي أصبح يعتبر "الاحتجاج" سلوكاً يومياً وثقافة طبيعية، ما يدعو إلى التساؤل حول دلالات هذا التحول وأبعاده في علاقة بمنطق البناء الديمقراطي، وبارتباط بردود فعل الدولة من زاوية المعالجة الحقوقية من جهة، ومن باب الأجوبة الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى، وتسمح بطرح إشكالية أكبر تتعلق باشتغال (أو الأصح بعطب) آليات الوساطة بكل صيغها: التمثيلية، السياسية والحزبية، والنقابية والمدنية.
إلى حدود التسعينيات، ظلت الاحتجاجات خاضعة لدورية "منتظمة"، حيث شهدت البلاد سلسلة من الانفجارات الكبرى و"الدموية" خلال التواريخ التي أصبحت محفورة في التاريخ السياسي المغربي: الدارالبيضاء/ مارس، آذار 1965، الدارالبيضاء/ يونيو، حزيران 1981، أحداث 1984، فاس / ديسمبر، كانون أول 1990.
إذ شكلت الحواضر الكبرى الوعاء السوسيولوجي لهذه الانفجارات الاجتماعية التي ارتبطت، في الغالب، بتوتر الصراع بين اليسار والدولة، ما جعلها احتجاجاتٍ بعنوان سياسي أو نقابي واضح (اليسار الجديد، الاتحاد الاشتراكي، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الكونفدرالية والاتحاد العام للشغالين..).
ومن بدايات التسعينيات، ومع تشكيل الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين في المغرب،
في السنوات الأخيرة، دورة الانفجارات الكبرى ستعوض بدورة ثانية، بمتغيرات جديدة؛ فعندما نفكر في: صفرو، سيدي إيفني، تازة، الحسيمة، فجيج، فإن الأمر يتعلق بتغير في طبيعة المدن، حيث انتقلنا من المدن الكبرى إلى الحواضر الصغرى والمتوسطة، وانتقلنا، من العنوان السياسي والنقابي الوطني إلى أشكال جديدة للتنظيم: لجان محلية، تتسيقيات لمحاربة الغلاء، لقد عوّض التشبيك المحلي الانتماءات الوطنية، وأصبحت المطالب المحلية أكثر قدرة على التعبئة من الشعارات الكبرى والمركزية، وتحولت التناقضات الاجتماعية، من المدن الكبرى التي استثمرت الدولة كثيراً في آليات ضبطها الأمني والعمراني إلى مدن متوسطة تطورت بدون هوية، ولا ملامح، وأساساً بلا أي قدرة على الإدماج الاجتماعي.
وعندما بدا لمحللين كثيرين أن الاحتجاج السياسي قد عوّض بدون رجعة باحتجاجات حول السياسات، فإن أحداث 20 فبراير/ شباط 2011 أعادت الصيغ السياسية للاحتجاج إلى الواجهة، مدعماً بمحيط إقليمي مساعد، وبتزايد تأثير وسائل الاتصال الجديد في بناء الهويات الاجتماعية/ الاحتجاجية.
الملاحظ أن خفوت الاحتجاج السياسي، بعد أجوبة النظام السياسي، الدستورية والانتخابية، لا يوازيه خفوت للدورة الاحتجاجية الجديدة المرتبطة بالسياسات العمومية، والتي تبدو غير متوازية مع الزمن السياسي وبأجندته، ففاعلو "الاحتجاج" يعتبرون مطالبهم أعمق من تحولات المشهد الحكومي، وهذا ما يطرح أسئلة معقدة بشأن مستقبل الدولة الاجتماعية في المغرب.