08 يوليو 2019
مغارة علي بابا الفلسطينية
في صيف عام 1982 اجتاحت القوات الإسرائيلية بيروت بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية منها. كانت هناك بضعة أهداف على أجندة القوات المقتحمة، ناقضة تعهدها المرعي دولياً بعدم الدخول، منها مركز الأبحاث الفلسطيني. لا خلايا نائمة في مركز الأبحاث ولا دراسات ومواد سرية. ولكن إسرائيل لم تكن تسعى وراء خلايا نائمة (للثورة الفلسطينية) ولا مواد سرية بل وراء المركز ذاته. وراء ما كان يفكر فيه وما كان جمعه من مواد للدراسة وما ضمه من كتب منشورة ومخطوطات لم تنشر. فقد كان مركز الأبحاث بمثابة عقل الثورة الفلسطينية.. أو هكذا تفكر إسرائيل، الكيان الغربي المزروع في قلب الشرق. لملمت إسرائيل ما وجدته في المركز وحملته في دباباتها إلى تل أبيب. لم يرسل الجيش الإسرائيلي المواد البحثية والأرشيفية إلى مراكز بحث وجامعات إسرائيلية (كما يمكن أن نتوقع) بل إلى خزائن وزارة "الدفاع"، فالفلسطيني هو من "متعلقات" وزارة "الدفاع". إنه قضية عسكرية وأمنية، ولم يكن يوماً قضية شعب خاضع للاحتلال.
لكن يأتيك بالأخبار من لم تزود، بحسب تعبير شاعرنا، طرفة بن العبد، وأي منا سيأتي بالأخبار ونحن غارقون في حروب أمراء الطوائف؟ على كل حال، نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قبل يومين مقالة عن المواد المصورة والأرشيفات التي تحدثت عنها في مستهل مقالي هذا. يبدو أن مؤرخة إسرائيلية ومنشطة معارض فنية، تدعى رونا سيلا، قد كشفت النقاب عن "قطرة من بحر" هذه المواد الأرشيفية الفلسطينية أثناء بحثها عن "شيء ما". ففي مخازن أرشيف الجيش الإسرائيلي في منطقة تسميها هآرتس "تل هاشمور" يثوي بحر من الصور والأفلام والأشرطة السمعية الفلسطينية التي سرقها الجيش الإسرائيلي أثناء اجتياحه بيروت في صيف 1982، ومناسبات سطو واقتناص أخرى على مدار أعوام احتلال فلسطين. ماذا تخبرنا رونا سيلا؟ إنها تقول إن هناك ما يقرب من 38 ألف فيلم، و2.7 مليون صورة فوتوغرافية، 96 ألف تسجيل صوتي، و46 ألف خريطة تثوي في مخازن الجيش الإسرائيلي الذي بدأ هذه المهمة "المعرفية" بأمر من ديفيد بن غوريون عام 1948.
وكل هذه المواد خارقة الأهمية، العائدة في ملكيتها وإنتاجها للفلسطينيين، تقدم رواية بديلة للرواية الصهيونية لفلسطين والفلسطينيين الذين تنكر هذه الرواية وجودهم الواقعي، أو الحضاري، على الأرض التي كانت تسمى فلسطين فصارت تسمى "إسرائيل". هذا مربط الفرس في قضية الأرشيفات الفلسطينية التي ما إن تتكون وتتراكم حتى تقوم إسرائيل بالسطو عليها بدءاً من النكبة وحتى "النكسة" وصولا إلى الشتات. لقد عشت شخصيا جانبا من هذا التراكم. كنت واحداً ممن أسهموا في هذا التراكم. لقد كنا نعي أهمية هذا الفعل. لم نكن جيدين تماماً في ذلك ولم نبلغ كعب عدونا على هذا الصعيد، غير أننا كنا نفكر أن البندقية ليست كل شيء في صراع مع عدو جاء إلى بلادنا ليس بدبابة فقط بل برواية محبوكة وتحظى بتواطؤ اللحظة العالمية السائدة حينها. ولكي تكتمل رثاثة الواقع الفلسطيني السياسي اليوم أضيفوا الى ما سبق هذه الفضيحة: هناك أرشيف فلسطيني كامل تكوَّن بعد الاجتياح، في الشتات الجديد، تأكله الفيران في مستودعات صحرواية جزائرية! نعم. هذا هو الفارق بين زمن ياسر عرفات وزمن محمود عباس. بين أبو عمار الذي كان يعرف أن التاريخ مهم في صراعه مع عدوه وبين من ليس لديه أي حس تاريخي.
الكلام عن رواية بديلة للرواية الصهيونية تمثلها هذه المواد الفيلمية والفوتوغرافية والسمعية الهائلة، التي يحكم عليها الجيش الإسرائيلي الرتاج، ليس من عندياتي. هذا كلام جاء في مقال هآرتس. وهذا ليس سراً بيننا وبين اسرائيل. لنفترض أنه كذلك فهو أكثر الأسرار شيوعاً في العالم. حتى الرواية ليست لدينا موادها القديمة. مغارة علي بابا الفلسطينية موجودة هناك تحت حراسة الميركاباه والعوزي!
لكن يأتيك بالأخبار من لم تزود، بحسب تعبير شاعرنا، طرفة بن العبد، وأي منا سيأتي بالأخبار ونحن غارقون في حروب أمراء الطوائف؟ على كل حال، نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قبل يومين مقالة عن المواد المصورة والأرشيفات التي تحدثت عنها في مستهل مقالي هذا. يبدو أن مؤرخة إسرائيلية ومنشطة معارض فنية، تدعى رونا سيلا، قد كشفت النقاب عن "قطرة من بحر" هذه المواد الأرشيفية الفلسطينية أثناء بحثها عن "شيء ما". ففي مخازن أرشيف الجيش الإسرائيلي في منطقة تسميها هآرتس "تل هاشمور" يثوي بحر من الصور والأفلام والأشرطة السمعية الفلسطينية التي سرقها الجيش الإسرائيلي أثناء اجتياحه بيروت في صيف 1982، ومناسبات سطو واقتناص أخرى على مدار أعوام احتلال فلسطين. ماذا تخبرنا رونا سيلا؟ إنها تقول إن هناك ما يقرب من 38 ألف فيلم، و2.7 مليون صورة فوتوغرافية، 96 ألف تسجيل صوتي، و46 ألف خريطة تثوي في مخازن الجيش الإسرائيلي الذي بدأ هذه المهمة "المعرفية" بأمر من ديفيد بن غوريون عام 1948.
وكل هذه المواد خارقة الأهمية، العائدة في ملكيتها وإنتاجها للفلسطينيين، تقدم رواية بديلة للرواية الصهيونية لفلسطين والفلسطينيين الذين تنكر هذه الرواية وجودهم الواقعي، أو الحضاري، على الأرض التي كانت تسمى فلسطين فصارت تسمى "إسرائيل". هذا مربط الفرس في قضية الأرشيفات الفلسطينية التي ما إن تتكون وتتراكم حتى تقوم إسرائيل بالسطو عليها بدءاً من النكبة وحتى "النكسة" وصولا إلى الشتات. لقد عشت شخصيا جانبا من هذا التراكم. كنت واحداً ممن أسهموا في هذا التراكم. لقد كنا نعي أهمية هذا الفعل. لم نكن جيدين تماماً في ذلك ولم نبلغ كعب عدونا على هذا الصعيد، غير أننا كنا نفكر أن البندقية ليست كل شيء في صراع مع عدو جاء إلى بلادنا ليس بدبابة فقط بل برواية محبوكة وتحظى بتواطؤ اللحظة العالمية السائدة حينها. ولكي تكتمل رثاثة الواقع الفلسطيني السياسي اليوم أضيفوا الى ما سبق هذه الفضيحة: هناك أرشيف فلسطيني كامل تكوَّن بعد الاجتياح، في الشتات الجديد، تأكله الفيران في مستودعات صحرواية جزائرية! نعم. هذا هو الفارق بين زمن ياسر عرفات وزمن محمود عباس. بين أبو عمار الذي كان يعرف أن التاريخ مهم في صراعه مع عدوه وبين من ليس لديه أي حس تاريخي.
الكلام عن رواية بديلة للرواية الصهيونية تمثلها هذه المواد الفيلمية والفوتوغرافية والسمعية الهائلة، التي يحكم عليها الجيش الإسرائيلي الرتاج، ليس من عندياتي. هذا كلام جاء في مقال هآرتس. وهذا ليس سراً بيننا وبين اسرائيل. لنفترض أنه كذلك فهو أكثر الأسرار شيوعاً في العالم. حتى الرواية ليست لدينا موادها القديمة. مغارة علي بابا الفلسطينية موجودة هناك تحت حراسة الميركاباه والعوزي!