لا يخلفون موعدهم، ولا تحتاج للسؤال عنهم، فما أن يحل الصيف، حتى يبدأون في الظهور في شوارع المغرب، يدفعون عرباتهم بكثير من الصبر، يقفون بها في زوايا الشوارع والأزقة، يعرضون فاكهتهم، التي يكثر عليها الإقبال في هذا الصيف.
يعرض الباعة فاكهة التين الشوكي. بعضهم كان يبيع فواكه أخرى، لكن ما أن تنضج تلك الفاكهة في المغرب، حتى يتحول إليها. وآخرون يجعلون منها نشاطهم الأوحد، يهجرون قراهم إلى المدن مثل الدار البيضاء، حيث يشترون عربات، ويشرعون في بيعها.
تختلف الأسماء التي تسمى بها فاكهة التين الشوكي من مكان لآخر في البلاد، منذ أن عرفها المغرب في القرن السادس عشر، حيث تسمى بـ"كرموص النصارى" و"الهندية" و"أكناراي" في المناطق الأمازيغية.
لا يختص المغرب بزراعة هذا النوع من الفاكهة، فهذا النبات عرف في المكسيك والهند وأستراليا والشرق الأوسط. الباحثون يؤكدون أن هذا النبات جاء إلى المغرب، من المكسيك، حيث نقلها إليه الإسبان. هذا يبرر تسميته في بعض المناطق الأمازيغية بأكناراي، على اعتبار أن الإيبيريين جاءوا بتلك النبتة من جزر الكناري.
يحتفي المغاربة، في هذه الأيام، بهذه الفاكهة التي تتميز بمذاقها الحلو ومنافعها الغذائية، شريطة عدم الإفراط في تناولها، حيث تتسبب في مشاكل في الهضم، ما دفع مختصين إلى الدعوة بضرورة الاقتصاد في استخدامها.
في السنوات الأخيرة ارتفعت أسعار التين الشوكي بشكل غير مسبوق. يقف أحمد العبدي خلف عربته في شارع يعقوب المنصور في وسط المدينة. ثمن الفاكهة الواحدة عنده يصل إلى 50 درهماً (5.2 دولارات).
وعندما تسأله عن سر ارتفاع الثمن، يجيب إن الفاكهة لم تنضج بعد في جميع المناطق التي تعرف بها في المغرب، فالمتوفر، اليوم، يأتي من منطقة عبدة. هذا ما يفسر السعر المرتفع. فثمن الصندوق الواحد يصل إلى حوالي 20 دولاراً.
وعندما تسأل أحمد عن هذا النوع من الفاكهة المشهورة في المغرب، والتي تأتي من منطقة دكالة، يؤكد لك، أنها ما زالت لم تنضح بعد، حيث ستدخل السوق في الأيام المقبلة. فاكهة تلك المنطقة مطلوبة كثيراً في المغرب، لكبر حجمها ومذاقها الحلو. هذا ما يدفع المستهلكين إلى عدم المساومة على ثمنها.
اقرأ أيضاً: سندويتش "الطون".. وجبة شعبية يسترزق منها شباب المغرب
يدفع محمد الحمري عربته في ساحة السراغنة في الحي الشعبي درب السلطان، يطلب درهماً واحداً لفاكهته. بدوره يحدثك عن قلة العرض الذي يبرر السعر المرتفع، لكنه يؤكد أن أسعار التين الشوكي ستنخفض في الأيام المقبلة مع نضجها في المناطق الأخرى. هو يؤكد أن هناك فاكهة رخيصة تأتي من منطقة الرحامنة، لكنها ليست بالجودة التي يرتضيها لزبنائه.
إذا كان الحمري قد ألف بيع فاكهة الصبار، بين شهري يوليو/تموز وسبتمبر (أيلول)، بعدما يكون قد تعود بيع فواكه أخرى حسب الفصول، فإن عبد الرحيم بشعيري، الذي يقف وراء عربته غير بعيد عنه، يؤكد أنه يبيع فاكهة التين الشوكي فقط على مدى ثلاثة أشهر. جاء إلى مدينة الدار البيضاء من أجل ذلك، وسيعود إلى قريته غير بعيد عن مدينة الجديدة بعد ذلك.
وتتيح زراعة التين الشوكي إيرادات تصل إلى 75% من مجمل عائدات المزارعين الذين يتوزعون في عدد المناطق مثل دكالة وعبدة والحوز وكلميم وتازة والحسيمة. وتخول هذه الفاكهة الحصول على إيرادات تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 30 دولاراً في اليوم.
وتبني المغرب استراتيجية ضمن سياستها الزراعية التي اتبعتها في الثمانية أعوام الأخيرة، ترمي إلى رفع المساحة المزروعة بالتين الشوكي من 98 ألف هكتار إلى 180 ألف هكتار، ومضاعفة الإيرادات كي ترتفع من 1000 دولار إلى 3000 دولار لكل هكتار.
وفي السنوات الأخيرة، أضحى هذا النبات منتجاً يقبل عليه المغاربة والأجانب لأغراض غير الأكل، ما ساهم في رفع سعره. فقد تشكلت تعاونيات هدفها استخراج الزيت من الصبار وتحويل مسحوقه إلى مستحضر تجميلي، ومربى.
بشعيري لا يلتفت إلى هذا التحول، يصبر على شوك الفاكهة التي توفر له رزقاً يعيل به أسرته في قريته. هو، اليوم، يبيع فاكهة عبدة، في انتظار عرض فاكهة منطقة دكالة.. وعندما تنفذ هذه الفاكهة، في أكتوبر/تشرين الأول، يعود إلى قريته في انتظار مصدر رزق آخر، بعد أن يكون قد جمع ربحاً وفيراً من بيع التين الشوكي يعينه على الإنفاق على أسرته.
اقرأ أيضاً: سوق "درب غلف".. قلعة القراصنة في المغرب