ليست الحدود البرية المغلقة بين المغرب والجزائر منذ عام 1994 وحدها ما يؤشر إلى وجود علاقات متوترة بين البلدين العربيين الجارين، بل أيضاً وضعية آلاف العائلات المغربية التي طُردت من الجزائر عام 1975 عقب إعلان ملك المغرب الراحل الحسن الثاني عن تنظيم "المسيرة الخضراء" لاسترجاع الصحراء. يومها حاولت الجزائر الضغط على المملكة من خلال أسر مغربية مقيمة بطريقة قانونية في البلاد.
منذ ذلك الحين، ما زال العديد من المغاربة المُرحّلين قسراً من الجزائر، ويبلغ عددهم نحو 75 ألف شخص، يعيشون في ظروف اجتماعية صعبة، كما يشكون من التمييز ضدهم داخل المجتمع المغربي.
يتذكر العديد من المغاربة الذين ولدوا في الجزائر، وأقاموا فيها بشكل قانوني، وانتسبوا إلى مدارسها، وعملوا في مصانعها، كيف طردتهم السلطات الجزائرية قبل أكثر من أربعين عاماً، من دون أن يحملوا معهم في كثير من الأحيان ممتلكاتهم وأغراضهم الشخصية، بحسب ما يؤكدونه.
وكانت لجنة أممية دعت المغرب، في تقرير صدر في 18 سبتمبر/ أيلول 2013، إلى اتخاذ التدابير الضرورية من أجل تحسين وضعية آلاف المغاربة الذين تعرضوا للطرد الجماعي التعسفي من الجزائر، وتكثيف الجهود الدولية من أجل التسريع في حلّ هذا الملف العالق.
يقول محمد الدزايري (62 عاماً)، وهو مغربي مطرود من الجزائر منذ كان في الحادية والعشرين من عمره، لـ"العربي الجديد"، إنه يتذكر بمرارة المرحلة التي تلت طرد عائلته، حيث عاشت أزمة اجتماعية ومالية خانقة لفترة طويلة.
يتابع أنّ الأسرة فوجئت يومها بقرار الطرد إلى المغرب من دون مسوغات منطقية، ولأسباب سياسية لا يد لهم فيها. يضيف أنّ الأسرة بعد مجيئها إلى المغرب بدأت من الصفر، من دون وظائف ولا مداخيل. وصلت إلى مدينة بركان، شرق المملكة، من دون أن يكون معها درهم واحد.
الأوضاع المزرية التي عاشتها أسرة الدزايري، كما لخّصها، يؤكدها رئيس "جمعية الدفاع عن المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر"، محمد الهرواشي، لـ"العربي الجديد". يقول إنّ العديد من هؤلاء المطرودين يعانون من أوضاع اجتماعية مؤسفة منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا.
يتابع أنّ الكثير من المرحّلين من الجزائر اضطروا إلى العيش داخل مدارس مرغمين، فهم لم يجدوا شققاً سكنية تؤويهم. كما أنهم قبلوا العمل في مهن بسيطة وهامشية، مشيراً إلى أنّ عدداً منهم لا يمتلك تغطية صحية. يضيف: "العديد من العائلات لم تتمكن من تحمل إيجار البيوت الصغيرة، ما أدى بها إلى التشرد". يؤكد على "الظلم الذي يطال هذه الفئة من خلال رفض توظيف أبنائها في مناصب عليا، أو انتسابهم إلى الجيش، باعتبارهم مولودين في الجزائر التي تجمعها بالمملكة علاقات متوترة".
في المقابل، تمكّن عدد من المغاربة المطرودين من الجزائر، من تحقيق نجاحات في مسيرتهم المهنية، بالرغم من البدايات الحياتية والاجتماعية العسيرة التي عانوا منها. من هؤلاء الإعلامية الرياضية المعروفة قائمة بلعوشي، المولودة في مدينة وهران الجزائرية من أبوين مغربيين عام 1965، قبل أن تطرد مع أسرتها عام 1975. وفي المغرب حققت سيرة مهنية ناجحة.
من جهته، يقول مدير "مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية" خالد الشرقاوي السموني، لـ"العربي الجديد": "الحكومة الجزائرية في عهد الرئيس هواري بومدين (1965- 1978) أخطأت عندما اتخذت قرار طرد جميع المغاربة المتواجدين على أرضها، من دون سابق إنذار، وفي ظروف غير إنسانية". يتابع: "طردت آلاف الأسر المغربية دفعة واحدة، مع أنّها كانت تقيم بصفة شرعية في الجزائر بعد اندماجها في المجتمع الجزائري طوال عشرات السنين". يدعو إلى تعويض السلطات الجزائرية لهذه الأسر مع تمكينها من استعادة ممتلكاتها.
يشير السموني إلى توصية صادرة عن اللجنة الأممية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم، دعت إلى "تمكين هذه الفئة من المغاربة المرحّلين قسراً من الجارة الجزائر، من استرجاع حقوقها وممتلكاتها المشروعة المصادرة في الجزائر مع التعويض عليها عن الأضرار التي لحقت بأفرادها".
يتابع أنّ اللجنة الأممية "أكدت عدم قانونية تطبيق المادة 42 من قانون مالية الجزائر لعام 2010 الداعية إلى إلحاق ممتلكات المغاربة بأملاك الدولة الجزائرية، لكون هذه الفئة من المغاربة جرى طردها، وبالتالي فهي لم تتخلّ عن ممتلكاتها في الجزائر بإرادتها".
اقرأ أيضاً: وقود الجزائر لا يؤمن بالحدود